وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يعيد رسم ملامح برنامجه الجمركي، في خطوة تعكس مزيجًا من التوجهات الاقتصادية والسياسية، حيث أعلن إعفاء معادن أساسية مثل سبائك الذهب والجرافيت والتنجستن واليورانيوم من الرسوم الجمركية، مقابل فرض تعريفات جديدة على منتجات السيليكون وعدد من المدخلات الصناعية الأخرى.
وأشارت شبكة “بلومبرج” إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد حالة من الارتباك في الأسواق العالمية إثر تسريبات من الجمارك الأمريكية تحدثت عن احتمالية إخضاع واردات الذهب للرسوم، وهو ما دفع المستثمرين إلى التحرك سريعًا مخافة أن تتأثر سوق المعدن النفيس عالميًا. ومع الإعلان الجديد، هدأت تلك المخاوف جزئيًا، لكن ظلت الأسواق في حالة ترقب بشأن مستقبل السياسات التجارية الأمريكية.
القرار لم يقتصر على الذهب فحسب، بل امتد ليشمل إعفاءات أخرى لمجموعة من المدخلات الأساسية المستخدمة في الصناعات الإستراتيجية مثل الطيران والإلكترونيات والأجهزة الطبية، إضافة إلى بعض المواد الداخلة في صناعة المستحضرات الدوائية، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على إدراك الإدارة الأمريكية لحساسية سلاسل الإمداد العالمية وخطورة أي اضطرابات قد تطالها.
وتأتي هذه الإعفاءات كجزء من مسعى لتخفيف الضغط عن الشركات الأمريكية والحلفاء الصناعيين الذين يعتمدون على استيراد هذه المعادن بكثافة لضمان استمرارية عمليات الإنتاج دون ارتفاع كبير في التكاليف.
في المقابل، اتخذ ترامب نهجًا أكثر صرامة تجاه بعض المنتجات الأخرى، حيث مدّد الرسوم الانتقامية لتشمل السيليكون والراتنج وهيدروكسيد الألومنيوم، وهو ما يعكس تمسكه باستراتيجية قائمة على استخدام أدوات الحماية التجارية وسيلة للضغط على الخصوم والشركاء في آن واحد.
ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها امتدادًا لسياسة “أمريكا أولًا” التي تبناها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، والتي تقوم على فرض رسوم انتقائية للحد من العجز التجاري وحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الأجنبية.
اللافت أن القرار جاء في توقيت حساس يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين، خاصة مع تزايد التكهنات بخطوات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، إضافة إلى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وعدد من الاقتصادات الكبرى.
ويرى محللون أن إعفاء الذهب من الرسوم يحمل بعدًا سياسيًا بقدر ما هو اقتصادي، إذ إن الذهب يُعد من أكثر السلع حساسية في الأسواق المالية، وأي قرار بفرض رسوم عليه كان سيشكل صدمة كبيرة قد تدفع المستثمرين نحو إعادة النظر في مراكزهم الاستثمارية.
على الجانب الآخر، فإن فرض الرسوم على منتجات السيليكون يعكس إدراكًا من الإدارة الأمريكية لأهمية هذه المادة في الصناعات التكنولوجية والإلكترونية، حيث تُستخدم على نطاق واسع في صناعة الشرائح الإلكترونية والخلايا الشمسية والعديد من التطبيقات المتقدمة. وبذلك فإن فرض التعريفات قد يحمل رسائل مزدوجة، الأولى موجهة إلى خصوم تجاريين رئيسيين مثل الصين التي تسيطر على حصة كبيرة من إنتاج السيليكون عالميًا، والثانية إلى الحلفاء الصناعيين كاليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي في إطار مفاوضات تهدف إلى إبرام صفقات محدودة النطاق تحافظ على مصالح واشنطن الاستراتيجية.
المراقبون يرون أن هذه الخطوة ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة من القرارات المتقلبة التي تميزت بها سياسات ترامب الاقتصادية، حيث يحاول الموازنة بين حماية الصناعات المحلية وضمان استمرار تدفق الإمدادات الحيوية. وفي ظل استمرار هذه السياسة المتشددة، تظل الأسواق في حالة ترقب لأي خطوات لاحقة قد تعيد خلط الأوراق، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات السياسية والاقتصادية التي قد تحدد مسار الاقتصاد الأمريكي في المرحلة المقبلة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.