أخبار عاجلة
إستقالة ميدو الدبسي من تدريب فريق منية النصر -

ازدواجية الغرب والإخوان.. من حماية السفارات إلى حضانة التطرف

ازدواجية الغرب والإخوان.. من حماية السفارات إلى حضانة التطرف
ازدواجية الغرب والإخوان.. من حماية السفارات إلى حضانة التطرف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن مفاجئًا أن تختار جماعة الإخوان المسلمين وبعض العناصر المرتبطة بها العواصم الأوروبية كساحة جديدة لتحركاتها السياسية، حيث شهد شهر يوليو 2025 سلسلة من الاحتجاجات أمام السفارات المصرية في مدن مثل لندن، أمستردام، بروكسل، ولاهاي. هذه التظاهرات لم تأتِ في سياق تضامني بحت مع غزة، بل استُخدمت الأزمة الإنسانية هناك كذريعة لإعادة إحياء خطاب الإخوان ضد الدولة المصرية، ولإظهار النظام المصري بمظهر المتواطئ في الحصار المفروض على القطاع.
اللافت أن شكل هذه الاحتجاجات اتسم بالتصعيد الرمزي، مثل وضع أقفال حديدية على أبواب السفارات ورش الطلاء الأحمر، في محاولة لتجسيد صورة الإغلاق التي يزعمون أن مصر تمارسها على معبر رفح. مثل هذه الأفعال لم تكن مجرد احتجاج عابر، بل جزء من حملة إعلامية منظمة تهدف إلى توجيه الأنظار نحو مصر وحدها باعتبارها المسئول الأول عن معاناة سكان غزة، متجاهلين الدور الإسرائيلي المباشر في حصار القطاع.
 

427.jpg
السفارة البريطانية في القاهرة


الإخوان يحوّلون عواصم القارة العجوز إلى ساحة لتصفية حساباتهم مع مصر


المثير للانتباه أن هذه التحركات لم تطل السفارات أو المؤسسات الإسرائيلية في تلك الدول، على الرغم من أن إسرائيل هي الطرف المباشر في استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات. هذه الانتقائية في اختيار الهدف تكشف بوضوح أن الغاية الأساسية لم تكن نصرة غزة بقدر ما كانت حملة موجهة للنيل من صورة مصر وتشويه دورها التاريخي في دعم الفلسطينيين. فالإخوان سعوا من خلال هذه التظاهرات إلى إعادة تسويق أنفسهم كـ«حماة القضية» على حساب الدولة المصرية.
وبذلك تحولت ميادين أوروبا إلى مساحة لتصفية حسابات سياسية بين الإخوان والنظام المصري، بعيدًا عن جوهر القضية الفلسطينية. فبينما تواصل مصر التنسيق مع الأطراف الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية ورفض أي خطط للتهجير القسري، تسعى الجماعة إلى صرف الأنظار عن الدور الإسرائيلي المباشر، عبر تحميل مصر المسئولية وحدها. وهنا يتضح أن الأزمة الإنسانية في غزة ليست بالنسبة للإخوان سوى إعادة إنتاج خطابهم السياسي وتوسيع دوائر تأثيرهم في الخارج.


استغلال مأساة غزة


كشفت الاحتجاجات الأخيرة بوضوح عن الأسلوب التقليدي لجماعة الإخوان المسلمين في توظيف المآسي الإنسانية كأدوات سياسية. فما جرى أمام السفارات المصرية في لاهاي، حيث أُغلقت الأبواب بأقفال حديدية، لم يكن فعلًا عفويًا بل رسالة رمزية تقول إن مصر مسئولة عن إغلاق غزة، في محاولة للتشبيه بين السفارات ومعبر رفح. وفي مدن أوروبية أخرى، مثل لندن وأمستردام وبروكسل، تكرر المشهد عبر رش الطلاء الأحمر، وكأنهم يرسمون صورة دموية تلصق بمصر وحدها وزر حصار القطاع.
هذه الأفعال الرمزية ليست جديدة على الإخوان. فمنذ حرب غزة الأولى عام ٢٠٠٨-٢٠٠٩، استثمرت الجماعة مشاهد الدمار والضحايا لتقديم نفسها كـ«المدافع الأوحد» عن القضية الفلسطينية، في مقابل تصوير الأنظمة العربية، وعلى رأسها مصر، كطرف متواطئ. وتكرر الأمر بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث استخدم الإخوان مأساة غزة في خطابهم الإعلامي لتشويه صورة الدولة المصرية واتهامها بخيانة القضية، متجاهلين تمامًا الدور المصري في التوسط لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية.
إن لغة الشعارات التي رفعتها هذه الاحتجاجات – مثل «افتحوا معبر رفح» – تكشف عن خطاب شعبوي يختزل أزمة معقدة في جملة بسيطة تصلح للهتاف والانتشار على مواقع التواصل، لكنها لا تصمد أمام الحقائق الميدانية. فمصر، تاريخيًا، هي الدولة التي دفعت أثمانًا باهظة في دعم القضية الفلسطينية، سواء عبر استضافتها للمقاومة الفلسطينية بعد ١٩٤٨، أو عبر حروبها المباشرة مع إسرائيل، خصوصًا في ١٩٤٨ و١٩٦٧ و١٩٧٣.
المفارقة أن هذه الحملات تتجاهل تمامًا أن مصر كانت ولا تزال المنفذ الوحيد للمساعدات الإنسانية إلى غزة. ففي عدوان ٢٠١٤، مثلًا، لعبت القاهرة الدور المحوري في وقف إطلاق النار، وفي الوقت ذاته أدخلت قوافل الإغاثة عبر معبر رفح رغم الظروف الأمنية الصعبة في شمال سيناء. ومع ذلك، حرص الإخوان آنذاك على مهاجمة الدولة المصرية بدلًا من الإشادة بجهودها، لأن هدفهم لم يكن الدفاع عن غزة بقدر ما كان تصفية حسابات مع النظام القائم.
وليس الأمر وليد اللحظة، بل ممتد منذ محطات سابقة، فمنذ انتفاضة الأقصى الثانية عام ٢٠٠٠، ظهرت محاولات واضحة من جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان، لاحتكار خطاب المقاومة، وتقديم أنفسهم كبديل للأنظمة والدول. لكن الواقع أثبت أن هذا الخطاب لم يتجاوز حدود المزايدة السياسية والشعبوية، بينما ظلت مصر تتحمل العبء الأكبر من الوساطات والدعم اللوجستي للفلسطينيين.
في ضوء كل ذلك، يصبح استغلال الإخوان لمأساة غزة اليوم حلقة جديدة في سلسلة ممتدة من التوظيف السياسي للأزمات، حيث يتم تزييف الحقائق وصرف الأنظار عن المسئولية الإسرائيلية المباشرة عن الحصار، لصالح سردية تستهدف مصر وتشوه صورتها الدولية. وهنا تكمن خطورة هذه التحركات: فهي لا تسىء فقط إلى الدولة المصرية، بل تضعف وحدة الصف الفلسطيني وتخدم أجندات لا علاقة لها بمصلحة غزة.


ازدواجية أوروبية فاضحة


لم تكن ردود الفعل الأوروبية على تحركات الإخوان أمام السفارات المصرية متسقة مع ما ترفعه العواصم الغربية من شعارات حول حماية البعثات الدبلوماسية بوصفها خطًا أحمر. فبينما تُشدد الدول الأوروبية عادةً على صرامة القوانين التي تجرّم أي محاولة للاقتراب من مقار البعثات، فضّلت هذه المرة الاكتفاء بوصف الأحداث بأنها احتجاجات سياسية، وكأن الأمر لا يتعدى تعبيرًا سلميًا عن الرأي.
هذا التوصيف بدا متناقضًا إلى حد كبير، لأن ما جرى لم يكن مجرد وقفة احتجاجية، بل تعدّى إلى أفعال مباشرة مثل إغلاق الأبواب بالأقفال ورش الطلاء على الواجهات، وهي أفعال تُصنّف قانونيًا كاعتداء على مقرات دبلوماسية. لكن التساهل الأوروبي في التعامل مع هذه الانتهاكات يكشف بوضوح وجود معايير مزدوجة: تشدد صارم إذا كان المستهدف بعثات غربية، وتراخٍ ملحوظ إذا كان المستهدف بعثات لدول عربية أو إسلامية.
الأمر ليس جديدًا، فقد سبق أن ظهرت هذه الازدواجية خلال أحداث ما يُعرف بـ«الربيع العربي»، حيث تحولت بعض العواصم الأوروبية إلى منصات مفتوحة لتحركات قوى الإسلام السياسي، بما في ذلك جماعة الإخوان. ورغم أن الجماعة مُصنّفة كمنظمة إرهابية في مصر وعدد من الدول العربية، فإنها وُجدت في أوروبا مساحة آمنة لعقد مؤتمرات وتنظيم حملات إعلامية، تحت غطاء حرية التعبير والتنظيم السياسي.
النتيجة المباشرة لهذا التساهل هي أن الأراضي الأوروبية باتت عمليًا حاضنة للنشاط الإخواني. فبدلًا من فرض قيود قانونية واضحة تمنع استغلال حرية التعبير لتبرير الاعتداءات أو التحريض، نجد أن الجماعة حصلت على غطاء قانوني وسياسي مكّنها من التحرك بحرية، بل والتأثير في الرأي العام عبر الإعلام والجاليات. هذا الوضع يمنح الإخوان فرصة لإعادة تدوير خطابهم السياسي وتقديم أنفسهم كقوة معارضة شرعية رغم خلفياتهم الأيديولوجية المتطرفة.
المفارقة الكبرى أن هذه الدول نفسها ترفع الصوت عاليًا حين يتعلق الأمر بأمن سفاراتها أو مؤسساتها. فعلى سبيل المثال، أي محاولة للاقتراب من السفارة الأمريكية أو البريطانية في أوروبا تُواجَه فورًا بتدخل أمني مشدد، وتُصنّف كتهديد خطير للأمن القومي. لكن عندما يكون الاستهداف موجهًا ضد سفارات مصرية أو عربية، يصبح التعامل مختلفًا، وكأن الأمر لا يمس السيادة أو القوانين الدولية.
هذه الازدواجية لا تُسئ فقط إلى صورة أوروبا كمدافع عن القانون الدولي، بل تُسهم في تغذية بيئة خصبة لنمو التطرف والإرهاب. فالجماعات التي تجد في أوروبا ملاذًا آمنًا لأنشطتها السياسية والإعلامية، سرعان ما تستغل هذه الحرية لتوسيع دوائر النفوذ والتجنيد، وهو ما يهدد الأمن الإقليمي والأوروبي في آن واحد. بمعنى آخر، التراخي مع الإخوان اليوم قد يتحول غدًا إلى مشكلة أمنية داخل أوروبا نفسها.


من دعم غزة إلى خدمة إسرائيل


من أبرز المشاهد المثيرة للجدل أن بعض التظاهرات لم تقتصر على العواصم الأوروبية، بل امتدت إلى تل أبيب نفسها، حيث جرى تنظيم احتجاج أمام السفارة المصرية برعاية الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني. هذا المشهد كان صادمًا، ليس فقط لأنه استهدف مصر على أرض تخضع لسيطرة الاحتلال، بل أيضًا لأن المتظاهرين رفعوا الأعلام الإسرائيلية في وقفة يُفترض أنها لدعم غزة، وهو ما قلب المعادلة رأسًا على عقب.
المفارقة هنا تكمن في أن هذه التظاهرة تجاهلت تمامًا المؤسسات الإسرائيلية، سواء الحكومة أو الجيش أو حتى السفارة الإسرائيلية نفسها، وهي الجهات المسئولة مباشرة عن الحصار والعدوان على القطاع. فبدلًا من أن تكون وجهة الغضب ضد الاحتلال، جرى توجيهها حصرًا نحو مصر، الدولة التي تتحمل العبء الأكبر من الوساطات والمساعدات، والتي تبقى معبر رفح على أراضيها الشريان الوحيد لسكان غزة.
هذا السلوك أثار انتقادات واسعة من شخصيات فلسطينية قبل أن يثير الغضب المصري. فقد وصف المحلل الفلسطيني عبد المهدي مطاوع هذه التظاهرات بأنها انحراف خطير عن جوهر القضية، لأنها تحوّل الأنظار عن الاحتلال، وتحوّل مصر – بما تمثله من عمق استراتيجي لفلسطين – إلى خصم وهمي. وبذلك يصبح المشهد وكأنه يمنح الاحتلال خدمة مجانية: تخفيف الضغط عنه عبر توجيه الغضب الشعبي والإعلامي نحو طرف آخر.
الرسالة الواضحة التي خرجت من هذه التحركات هي أن الغاية لم تكن الدفاع عن غزة بقدر ما كانت تصفية حسابات سياسية مع الدولة المصرية. فالإخوان ومن يدور في فلكهم سعوا إلى استغلال المأساة الفلسطينية كورقة ضغط لإضعاف صورة مصر إقليميًا، حتى لو كان الثمن إضعاف وحدة الموقف الفلسطيني وتشتيت الجهود الدولية. وهنا يظهر بجلاء أن هذه التظاهرات لا تخدم غزة، بل تضعفها وتخدم أجندات لا تنفصل في النهاية عن مصالح الاحتلال الإسرائيلي.


تداعيات على الأمن الأوروبي


إن التسامح الأوروبي مع هذه التحركات لا يقتصر أثره على تشويه صورة مصر في الخارج، بل يتجاوز ذلك ليخلق بيئة خصبة تعيد إنتاج خطاب التطرف. فالجماعة التي تقدّم نفسها بوجه المعارضة السلمية تستخدم الأزمات الإنسانية كغطاء لإعادة بناء قواعدها الشعبية، وحشد الأنصار حول شعارات عاطفية. هذا الأسلوب يفتح المجال لتطبيع خطاب الكراهية ضد الأنظمة العربية، بما يرسخ الانقسام ويزرع بذور التوتر داخل الجاليات المسلمة في أوروبا نفسها.
التجارب السابقة تؤكد خطورة هذا المسار. فقد لعبت أوروبا، في التسعينيات، دورًا غير مباشر في احتضان بعض قيادات الجماعات المتشددة الذين استغلوا أجواء الحرية لتشكيل شبكات تجنيد وتمويل، كان لها لاحقًا دور في تفجيرات مدريد ٢٠٠٤ ولندن ٢٠٠٥. اليوم يتكرر المشهد مع الإخوان، الذين يوظفون القضية الفلسطينية لتبرير خطاب سياسي متشدد، قد يبدو في ظاهره احتجاجًا سلميًا لكنه يحمل بذور التحريض والعنف.
الصمت الأوروبي يمنح هذه الجماعة شرعية ضمنية، وكأنها طرف سياسي طبيعي، رغم أن العديد من الدول العربية صنفتها تنظيمًا إرهابيًا. هذا التناقض يخلق حالة من الازدواجية القانونية: فبينما يُجرَّم أي خطاب يُفسَّر كمعادٍ للسامية أو كراهية ضد الغرب، يُترك خطاب الإخوان دون محاسبة حتى لو تضمّن تحريضًا مباشرًا ضد دول بعينها. وهكذا تتحول الديمقراطيات الأوروبية إلى مظلة لأنشطة قد تنعكس سلبًا على استقرارها الداخلي في المدى البعيد.
الأخطر أن استمرار هذه السياسات يساهم في إعادة تدوير الجماعة داخل المجتمعات الأوروبية نفسها، حيث تنشأ أجيال جديدة تتأثر بخطاب الإخوان وتراه جزءًا من الهوية الإسلامية في المهجر. ومع غياب الرقابة الصارمة، قد يؤدي ذلك إلى نشوء دوائر مغلقة من التطرف الفكري، تصبح لاحقًا بيئة خصبة للتنظيمات العنيفة. ومن ثم فإن التساهل مع هذه التحركات لا يمثل مجرد قضية دبلوماسية بين مصر وأوروبا، بل تهديدًا حقيقيًا للأمن الأوروبي ذاته.


مصر بين الدفاع عن دورها والرد بالمثل


أولًا، جاء الموقف المصري رسميًا واضحًا وحازمًا منذ اللحظة الأولى، حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانات إدانة شديدة اللهجة، مؤكدة أن ما جرى أمام السفارات المصرية في أوروبا لا يعكس سوى محاولات يائسة لتشويه صورة الدولة المصرية. كما شددت القاهرة على أن أمن مقراتها الدبلوماسية أولوية لا تقبل المساومة، داعية الحكومات الأوروبية إلى الالتزام الكامل بالاتفاقيات الدولية التي تلزمها بحماية البعثات الأجنبية على أراضيها.
ثانيًا، لم تكتف مصر بموقفها التوضيحي، بل لجأت أيضًا إلى خطاب دفاعي هجومي في آن واحد. فقد أوضحت أن معبر رفح، الذي طالما استُخدم كورقة ابتزاز في الخطاب الإخواني، مفتوح من الجانب المصري ولا يخضع للمزايدات السياسية. هذا التوضيح جاء لقطع الطريق على الحملات التي تسعى إلى تحميل القاهرة مسئولية ما يتجاوز قدراتها السيادية أو ما يندرج في نطاق مسؤوليات أطراف أخرى في المنطقة.
ثالثًا، الأهم أن القاهرة لوّحت بمبدأ المعاملة بالمثل، وهو ما يحمل رسائل سياسية واضحة إلى الدول التي تتقاعس عن حماية السفارات المصرية على أراضيها. هذا التلويح لا يقتصر على كونه ورقة ضغط دبلوماسية، بل يعكس أيضًا إصرار الدولة على أن كرامتها الوطنية غير قابلة للانتقاص، وأن صمت بعض العواصم قد يُقابَل بخطوات مقابلة على المستوى الثنائي، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو حتى على مستوى التعاملات الدبلوماسية.
رابعًا، بالتوازي مع الجهد الرسمي، برز دور الجاليات المصرية في أوروبا، لا سيما في هولندا ودول أخرى شهدت تلك الأحداث. فقد خرج أفراد الجالية في مشاهد مضادة، ليدافعوا عن صورة وطنهم ويؤكدوا أن مصر أكبر من أن تختزل في خطاب جماعة فقدت رصيدها الشعبي والسياسي. هذه التحركات الشعبية أعطت بعدًا إضافيًا للمشهد، إذ أظهرت أن ما يروجه الإخوان لا يمثل سوى أقلية مؤدلجة، مقابل أغلبية مصرية واعية تدرك مكانة بلدها ودورها الإقليمي.


الرؤية المستقبلية


من المرجح أن يبقى حضور جماعة الإخوان في أوروبا مسألة خلافية داخل الأوساط السياسية والأمنية الأوروبية. فبينما ترى بعض الحكومات أن وجود الجماعة يخدم أجندات مرتبطة بحقوق الإنسان واللجوء السياسي، بدأت أصوات أخرى ترتفع محذرة من توظيف هذا الحضور في نشر خطاب الكراهية أو تغذية التطرف. المستقبل مرهون بقدرة أوروبا على إيجاد توازن بين مبادئ الحرية وبين مخاطر استغلال هذه المساحة من قِبل الجماعة، الأمر الذي قد يحدد ما إذا كانت أوروبا ستظل ملاذًا آمنًا أم ستتجه إلى تضييق الخناق.
لا شك أن استمرار أوروبا في توفير الحماية القانونية والسياسية لقيادات الإخوان يمثل نقطة توتر دائمة في العلاقات مع مصر. فالقاهرة ترى في ذلك تناقضًا واضحًا مع التزامات أوروبا في مكافحة الإرهاب. ومع كل حادثة جديدة مرتبطة بخطاب الجماعة أو نشاطها، تتجدد الخلافات الدبلوماسية بين الطرفين. مستقبل هذه العلاقات قد يشهد إما توترًا أكبر، أو محاولات أوروبية لإعادة ضبط الموقف تفاديًا لفقدان شريك استراتيجي بحجم مصر في ملفات الأمن والهجرة والطاقة.
في حال استمرار الموقف الأوروبي المزدوج، قد تجد مصر نفسها مدفوعة لتعزيز تحالفاتها مع قوى دولية أخرى مثل روسيا، الصين، أو حتى بعض القوى الإقليمية الصاعدة. هذا التوجه لن يكون فقط رد فعل سياسي، بل محاولة لإيجاد بدائل استراتيجية تضمن للقاهرة دعمًا أوفى لمكانتها ودورها في المنطقة. وقد يعيد ذلك تشكيل الخريطة الجيوسياسية، بحيث تصبح مصر أقل اعتمادًا على الدعم الأوروبي وأكثر تنوعًا في شبكة تحالفاتها.
السيناريو الأول يتمثل في أن تستجيب أوروبا تدريجيًا لضغوط مصر والدول العربية، وتعيد تقييم موقفها من الجماعة بما يقلل من الاحتكاك. أما السيناريو الثاني فهو أن تظل أوروبا متمسكة بمقاربتها الحالية، مما يؤدي إلى توتر متزايد وربما برود في العلاقات الثنائية. بينما يظل السيناريو الثالث قائمًا، وهو أن تستثمر مصر هذه الازدواجية لتعزيز تحالفاتها خارج الإطار الأوروبي، ما قد ينعكس على موازين القوى في الشرق الأوسط وعلى طبيعة الشراكات الدولية في المنطقة.


الخلاصة


تشير التحركات الأخيرة لجماعة الإخوان في أوروبا إلى نمط جديد من استغلال الأزمات الإنسانية وتحويلها إلى أوراق ضغط في صراعات سياسية ضيقة. فبدلًا من النظر إلى المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني باعتبارها قضية إنسانية وأخلاقية تستوجب التعاطف والدعم، يتم توظيفها من قبل الجماعة كأداة للهجوم على الدولة المصرية وتشويه صورتها أمام الرأي العام الأوروبي. هذا السلوك يعكس بوضوح طبيعة الجماعة التي اعتادت منذ نشأتها على المتاجرة بالقضايا الكبرى من أجل تحقيق مكاسب سياسية وتنظيمية.
وفي المقابل، تكشف مواقف العديد من الحكومات الأوروبية عن ازدواجية واضحة في المعايير. فبينما تُرفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم القيم الديمقراطية، يتم غض الطرف عن استغلال جماعة مصنفة كمتطرفة لهذه القضايا، بل وتُمنح منصات إعلامية وسياسية تُمكّنها من تمرير خطابها. هذه الازدواجية لا تسىء فقط إلى مصر وصورتها الدولية، وإنما تضعف كذلك مصداقية أوروبا في التعامل مع قضايا المنطقة، وتفتح المجال أمام أطراف غير مسؤولة لإعادة إنتاج خطاب الكراهية والتطرف.
ومن زاوية أخرى، فإن هذه الأجواء الملتبسة تمنح إسرائيل فرصة ذهبية لتكريس روايتها الخاصة. فبينما تنشغل بعض القوى الأوروبية في تصفية حساباتها مع مصر عبر بوابة الإخوان، تستغل إسرائيل الانقسام وتواصل سياساتها التوسعية والقمعية دون رادع حقيقي. النتيجة أن الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، هو من يدفع الثمن الأكبر، إذ تتضاعف معاناته وسط غياب موقف دولي موحد قادر على وقف آلة الحرب والحصار.
ورغم كل حملات التشويه المنظمة، تواصل مصر أداء دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، سواء عبر جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، أو عبر فتح قنوات الإغاثة وتقديم المساعدات. هذا الدور الممتد يعكس التزامًا ثابتًا بالقضية، ويبرز في الوقت نفسه تناقض الإخوان الذين يحاولون تقويض صورة مصر بينما تتصدر المشهد في الدفاع عن الفلسطينيين. وهكذا يتضح أن خطاب الجماعة لا يخدم سوى أجندات ضيقة، فيما يظل الموقف المصري متمسكًا بالثوابت القومية والقيم الإنسانية.

426.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "عبد العاطي" يلتقي وزير خارجية ألبانيا لبحث تعزيز العلاقات الثنائية
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"