أخبار عاجلة
إستقالة ميدو الدبسي من تدريب فريق منية النصر -

مقترح إدارة مصر لقطاع غزة.. طرح محفوف بالمخاطر

مقترح إدارة مصر لقطاع غزة.. طرح محفوف بالمخاطر
مقترح إدارة مصر لقطاع غزة.. طرح محفوف بالمخاطر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المقالات تعبت من ذكر اسم غزة، ولكننا لم نتعب بعد، لأننا نرى أن غزة ليست مجرد الشريط الضيق المحاصر بين البحر والحدود، بل صارت عنواناً لمعركة الوجود في المنطقة، وساحة اختبار لإرادة الشعوب ولصدق المواقف الدولية.

ومع تصاعد نيران الحرب، وانكشاف المخططات الإسرائيلية القديمة الجديدة التي تراهن على تفريغ القطاع من سكانه وتحويله إلى مجرد مشروع سياحي أو استثماري على أنقاض المأساة، عاد الحديث من جديد عن فكرة شائكة، الفكرة أعاد طرحها الخبير المعروف والباحث في الشأن الفلسطيني الدكتور سمير غطاس، يقول غطاس فكرته في كلمة واحدة وهي دخول مصر على خط إدارة غزة وفق شروط وضمانات معينة، باعتبارها ربما المخرج الأخير "من وجهة نظره" لإنقاذ الفلسطينيين من سيناريو التهجير الشامل.

ماذا تعنى هذه الفكرة؟

ولكي نفهم ما تعنيه هذه الفكرة، لا بد أن نسترجع خبرة مصر السابقة في إدارة القطاع، فمنذ عام 1948 وحتى نكسة يونيو 1967 تولت القاهرة مسؤولية غزة، ورفضت ضمها رغم الضغوط، وتعاملت معها كوديعة للشعب الفلسطيني حتى يحين يوم الاستقلال.

كانت هناك إدارة مصرية عبر حاكم عام يشرف على شؤون القطاع، وكانت المخابرات المصرية تمسك بزمام الأمن، وقدمت مصر خدمات في التعليم والصحة والإدارة، ورغم أن غزة في تلك السنوات ظلت فقيرة ومحاصرة، إلا أن مصر حافظت على هويتها الوطنية ومنعت ضياعها.. هذه التجربة تمنحنا مؤشراً على قدرة مصر المبدئية على إدارة غزة، لكنها في الوقت ذاته تكشف حجم الكلفة السياسية والأمنية والاقتصادية التي تتحملها القاهرة، وهو ما يجعل التفكير في استنساخها اليوم محفوفاً بتحديات أعقد بكثير.

هذا المقترح بصيغته المعاصرة لا يعني ضماً أو محواً للهوية الفلسطينية، بل يقوم على تصور مفاده أن تدير مصر القطاع بشكل مباشر أو جزئي، فتشرف على المؤسسات والمعابر والأمن، مع ضمانات عربية ودولية ودعم مالي كبير لإعادة الإعمار.

قطع الطريق على مشاريع التهجير

الشرط الأساسي هو أن يتم إعلان أن هذه الصيغة مؤقتة، هدفها حماية السكان من التهجير وضمان بقائهم على أرضهم، لا تصفية قضيتهم ولا تذويب هويتهم، إذا تحقق ذلك قد يفتح مقترح إدارة مصر لشؤون القطاع باباً لإنقاذ غزة، فهو يقطع الطريق على مشاريع التهجير الإسرائيلية، ويوفر مظلة عربية تحمي الفلسطينيين من قبضة الاحتلال المباشرة، ويعيد لمصر موقعها كفاعل مركزي لا يمكن تجاوزه في الملف الفلسطيني، ويحافظ على شعلة الهوية الوطنية متقدة من خلال التأكيد على أن الترتيب مؤقت لا أكثر، كما أنه قد يمنح القطاع فرصة لالتقاط أنفاسه وإعادة بناء ما دمرته الحرب.

لكن لهذه الفكرة وجهاً آخر لا يقل خطورة، فالكلفة على مصر ستكون باهظة اقتصادياً، إذ كيف لدولة تواجه تحديات معيشية داخلية أن تتحمل عبء إدارة مليوني إنسان يعيشون في واقع منهار؟ ثم إن التحديات الأمنية هائلة، فالفصائل المسلحة والشبكات المتشابكة بين غزة وسيناء تجعل من أي وجود مصري في القطاع مهمة محفوفة بالمخاطر، فضلاً عن أن مصر قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو مشتبكة في نزاعات فلسطينية داخلية بين الفصائل، مما يثقل كاهلها أكثر.

والأسوأ هو أن بعض الأصوات قد تتهم مصر بالمشاركة في تصفية القضية إذا لم يكن هناك إطار واضح يضمن الطابع المؤقت لإدارة مصر للقطاع.

البدائل الأخرى ورؤية الأطراف المختلفة

 عند المقارنة بالبدائل الأخرى يظهر أن الإدارة المصرية للقطاع أقرب إلى الحل الوسط، عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة الآن  تبدو شبه مستحيلة بسبب وضعها العام ورفض حماس، أما الإدارة الدولية فهي خيار يهدد بإفراغ غزة من مضمونها الوطني، والاحتلال الإسرائيلي المباشر مكلف ومرفوض عالمياً لكنه دائماً مطروح كخيار قوة، فيما يظل مشروع التهجير هو الأخطر لأنه يقوم على اقتلاع السكان وتحويل القطاع إلى أرض بلا شعب.. وسط هذه السيناريوهات يطل مقترح الإدارة المصرية باعتباره الأقل سوءاً، على أن يتم إدارته  بحذر وأن يحفظ هوية الفلسطينيين.

الأطراف المختلفة تنظر إلى الفكرة كلٌ من زاويته الخاصة، الولايات المتحدة قد تقبلها كترتيب مؤقت لكنها قد تستغلها لتكريس واقع جديد، إسرائيل قد ترحب بها إذا ضمنت نزع سلاح حماس لكنها سترفضها إذا منحت الفلسطينيين حماية دائمة، حماس سترى فيها خطراً على دورها لكنها قد تقبل بها مؤقتاً إذا ضمنت الاستمرار تحت السطح، السلطة الفلسطينية ستتحفظ لأنها ترى فيها تهديداً لدورها، أما مصر فهي تدرك أن قبولها بهذه المهمة يجب ألا يكون دائماً، وإنما إجراء مرحلي لمنع تهجير جماعي يهدد أمنها القومي، فيما يمكن للدول العربية أن تساند مالياً وسياسياً لكنها لن تجرؤ على دعمها بلا تحفظ إذا بدت وكأنها خطوة لتذويب القضية.

يبقى السؤال هل هذا الطرح قادر على وقف الحرب وردع ترامب ونتنياهو؟ في المدى القريب قد يشكل مخرجاً لإجبار إسرائيل على وقف هجومها، لأنه ينقل المسؤولية إلى طرف إقليمي قوي، لكنه وحده لا يكفي ما لم يرتبط بضغط دولي حقيقي يمنع إسرائيل من استغلاله كذريعة، أما ترامب فقد يرى في هذا الطرح عائقاً أمام مشروعه، لكنه قد يوظفه سياسياً ليبدو وكأنه صانع حلول، حتى لو كانت حلولاً هشة على حساب الحق الفلسطيني.

غزة ليست مجرد قطعة أرض

وهنا تبرز الحقيقة الأهم وهي أن غزة ليست مجرد قطعة أرض محاصرة، بل هي قلب معركة كبرى على الحق والذاكرة والوعي، ومقترح الإدارة المصرية للقطاع مهما كانت مخاطره قد يكون السور الأخير الذي يمنع التهجير الشامل ويحافظ على وجود الفلسطينيين على أرضهم.

نجاح هذه الفكرة يتوقف على أن تكون مؤقتة بغطاء عربي ودولي صريح، وأن يتم تقديم الفكرة باعتبارها مظلة حماية لا وصاية، مصر تعرف أن غزة ليست جاراً عابراً، بل جزء من أمنها القومي ومن وجدانها القومي أيضاً.

غزة اليوم بين أنياب النار، والمؤكد هو أن مفتاح النجاة قد يكون في يد مصر. والسؤال الذي سيبقى مطروحاً هل يتحول هذا الطرح إلى جدار صد يحمي الفلسطينيين ويمنحهم فرصة للحياة، أم إلى ورقة جديدة في لعبة الأمم؟ الجواب رهن بإرادة القاهرة وفق مواقفها الثابتة والمعروفة، وبمدى استعداد العرب والعالم للوقوف مع الحق لا مع القوة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق شريف عامر يعود بموسم جديد من «يحدث في مصر» على «MBC مصر».. غدًا
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"