إن النظام الاقتصادي العالمي الذي عملت معظم البلدان في إطاره على مدى الثمانين عاما الماضية يُعاد ضبطه، إيذانا بدخول العالم حقبة جديدة. فالقواعد الحالية تواجه تحديات، في حين لم تظهر قواعد جديدة حتى الآن. ومنذ أواخر يناير، بلغت موجة التعريفات الجمركية التي أعلنتها الولايات المتحدة، التي بدأت بكندا والصين والمكسيك وقطاعات مهمة، ذروتها بفرض رسوم جمركية على معظم بلدان العالم تقريبا في 2 أبريل. وقد تجاوزت معدلات التعريفات الفعلية التي فرضتها الولايات المتحدة المستويات التي بلغتها في الماضي إبّان الكساد الكبير، في حين أدت ردود الفعل المضادة من الشركاء التجاريين الرئيسيين إلى ارتفاع هائل في المعدل العالمي.
ويشكل ما نتج عنها من عدم يقين مبني على أسباب معلومة وعدم إمكانية التنبؤ بالسياسات دافعا رئيسيا للآفاق الاقتصادية. ففي حالة استمرارها، ستؤدي هذه الزيادة المفاجئة في التعريفات الجمركية وما يصاحبها من عدم اليقين إلى تباطؤ كبير في النمو العالمي. وانعكاسا لما تشهده اللحظة الحالية من تعقيدات وتقلبات، يقدم تقريرنا مجموعة من التنبؤات للاقتصاد العالمي.
ويتضمن التنبؤ المرجعي الوارد في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي إعلان الولايات المتحدة التعريفات الجمركية في الفترة بين 1 فبراير و4 أبريل، والتدابير المضادة التي اتخذتها البلدان الأخرى. وهو يخفض تنبؤاتنا للنمو العالمي إلى 2.8% للعام الجاري، و3% للعام القادم، وهو تخفيض تراكمي بمقدار 0.8 نقطة مئوية تقريبا مقارنة بما ورد في عدد يناير 2025 من تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي. ونقدم أيضا تنبؤا عالميا مع استبعاد التعريفات الجمركية التي أُعلنت في 2 أبريل (تنبؤ ما قبل 2 أبريل). وفي إطار هذا المسار البديل، كان النمو العالمي سيشهد تخفيضا تراكميا طفيفا بمقدار 0.2 نقطة مئوية فقط لعام 2025، وصولا إلى 3.2 نقطة مئوية لعام 2026.
وأخيرا، فإننا ندرج تنبؤات قائمة على النماذج تضم التصريحات بعد 4 أبريل. وعلى مدى تلك المدة، أوقفت الولايات المتحدة مؤقتا تطبيق معظم التعريفات الجمركية في حين زادت التعريفات على الصين إلى مستويات بالغة الارتفاع. ولا يؤدي هذا التعليق، حتى وإن استمر لأجل غير مسمى، إلى تغيير ملموس في الآفاق العالمية مقارنة بالتنبؤ المرجعي. ويُعزى هذا الأمر إلى أن معدل التعريفة الفعلي الكلي في الولايات المتحدة والصين لا يزال مرتفعا حتى وإن كانت بعض البلدان التي فُرضت عليها تعريفات جمركية مرتفعة في البداية ستستفيد الآن، في حين لم يتراجع عدم اليقين الناجم عن هذه السياسات.
وعلى الرغم من تباطؤ النمو العالمي، فإنه لا يزال أعلى كثيرا من مستويات الركود. ورُفعت توقعات التضخم العالمي بمقدار 0.1 نقطة مئوية تقريبا لكل عام، إلا أن تباطؤ معدل التضخم لا يزال مستمرا. وقد اتسمت التجارة العالمية بالقدرة على الصمود حتى الآن، وهو ما يُعزى جزئيا إلى أن الشركات تمكنت من إعادة توجيه مسارات تدفقات التجارة حين اقتضت الحاجة. وقد يصبح هذا الأمر أصعب في هذه المرة. ونتوقع أن ينخفض نمو التجارة العالمية أكثر من الناتج، إلى 1.7% في 2025 - وهو تخفيض كبير للتوقعات منذ عدد يناير 2025 من تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي.
ومع هذا، تحجب التقديرات العالمية تباينا هائلا عبر البلدان. فالتعريفات الجمركية تشكل صدمة سلبية في العرض للبلدان التي تطبقها، لأن الموارد يُعاد تخصيصها لإنتاج سلع أقل تنافسية بما ينتج عن هذا الأمر من خسائر في الإنتاجية الكلية، وارتفاع تكاليف الإنتاج. وعلى المدى المتوسط، يمكن أن نتوقع أن تؤدي التعريفات إلى الحد من المنافسة والابتكار وزيادة السعي للكسب الريعي، ما يزيد التأثير على الآفاق الاقتصادية.
وفي الولايات المتحدة، كان الطلب يتراجع بالفعل قبل التصريحات الأخيرة الخاصة بالسياسات، ما يعكس حالة أكبر من عدم اليقين بشأن السياسات. وفي إطار التنبؤ المرجعي الذي حددناه في 2 أبريل، خفضنا تقديرنا للنمو الأمريكي لهذا العام إلى 1.8%. ويعني هذا انخفاضا بمقدار 0.9 نقطة مئوية عن التقدير في يناير، وتُعزى 0.4 نقطة مئوية من هذا الانخفاض إلى التعريفات الجمركية. وقد رفعنا أيضا تنبؤاتنا بشأن التضخم في الولايات المتحدة بمقدار نقطة مئوية واحدة تقريبا، ارتفاعا من 2%.
وبالنسبة للشركاء التجاريين، تشكل التعريفات الجمركية في الأغلب صدمة سلبية للطلب الخارجي، ما يدفع العملاء الأجانب إلى عدم الإقبال على منتجاتهم، حتى وإن تمكنت بعض البلدان من الاستفادة من تحويل مسارات التجارة. واتساقا مع هذه الدفعة الانكماشية، خفضنا تنبؤاتنا للنمو في الصين لهذا العام إلى 4%، ما يعني انخفاضا بمقدار 0.6 نقطة مئوية، في حين خُفضَّت تقديرات التضخم بنحو 0.8 نقطة مئوية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.