ما زالت الشكوك تُلقي بظلالها على مستقبل أطول خط ربط كهرباء بحري في العالم، المعروف أيضًا باسم "الربط البحري العظيم" (GSI) و"يورو آسيا إنتركونكتور" سابقًا.
وقبل نحو 4 سنوات، اتفق الشركاء في اليونان وقبرص وإسرائيل على بناء الخط البحري بسعة إجمالية 2 غيغاواط لتأمين احتياجات الكهرباء وخفض فواتير المستهلكين، لكن ظهرت على السطح من جديد بوادر خلاف جوهري بين أثينا ونيقوسيا بشأن التمويل.
وبعدما أشادت -سابقًا- بالمشروع الذي سيُنهي عزلتها الطاقية، شككت قبرص في جدواه، خاصة مع ظهور خطر جيوسياسي بسبب تركيا، علاوة على ارتفاع التكلفة والتأخيرات.
وفاقم الوضع فتح تحقيق أوروبي بارتكاب جرائم جنائية محتملة في المشروع باستثمارات 1.9 مليار يورو (2.2 مليار دولار)، حسب آخر التفاصيل لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
(اليورو = 1.17 دولارًا أميركيًا).
أطول خط ربط كهرباء بحري في العالم
تبادلت حكومتا اليونان وقبرص تصريحات تثير القلق بشأن إلغاء مشروع أطول خط ربط كهرباء بحري في العالم.
واتفقت الجارتان خلال عام 2021 على تطوير المشروع الذي يعزز أمن الإمدادات، ويخفض التكاليف في قبرص التي سجلت أعلى أسعار بيع الكهرباء بالجملة بين الدول الأوروبية.
ووصل المشروع في عام 2024 إلى مرحلة إجراء المسوح الباثيمترية المرتبطة بقياس الأعماق البحرية ورسم خرائط للتضاريس تحت سطح الماء، وذلك في المنطقة البحرية بين اليونان وقبرص.
وبعد استئجار سفن إيطالية، توقَّف المشروع بسبب تسجيل حادثتَي ترهيب نفّذتهما القوات البحرية التركية، إذ تزعم أنقرة سيطرتها على تلك المنطقة البحرية.
وفي العام الجاري (2025)، أبدت الحكومة اليونانية جاهزيتها لاستئناف عمليات مسح الأعماق البحرية، لكن نظيرتها القبرصية لم تكن على المستوى نفسه من الحماسة، إذ عاد وزير المالية القبرصي ماكيس كيرافنوس ليُثير مشكلة الجدوى الاقتصادية للمشروع، قائلًا، إنه لا يوجد دليل على أنه سيعود بالنفع على بلاده.
وأضاف: "لا يعلم أحد حجم التكلفة التي يتكبدها المستهلكون وموعد اكتمال المشروع".
وكان الوزير نفسه قد أعرب عن مخاوفه وعدم تفاؤله إزاء الجدوى الاقتصادية للمشروع في العام الماضي (2024)، حين قال، إن هناك الكثير من العقبات السياسية الخطيرة، وخاصة المرتبطة بتركيا.
كما استشهد بنتائج دراسة أجرتها شركة استشارات تقول، إن الاتفاق بين اليونان وقبرص يحابي نيقوسيا، ورغم تأكيده أن البلدين يعملان معًا للتغلب على العقبات التمويلية، أكد أن المشروع يشهد تأخيرات بما يزيد من احتمالات إلغائه.
موقف اليونان من أزمة التمويل
قال رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس، إن قبرص هي المستفيد الأول من مشروع بناء أكبر خط ربط كهربائي بحري في العالم؛ ولذلك يجب أن تُظهر التزامها نحوه.
كما أعاد التذكير باتفاق البلدين في عام 2024 الذي يقضي بوجوب دفع قبرص مبلغ 25 مليون يورو (29.3 مليون دولار) سنويًا لصالح مشغّل شبكة نقل الكهرباء المستقلة في اليونان (IPTO).
وبحسب اليونان، فإذا أرادت قبرص المضي قدمًا في المشروع يتعين عليها سداد الدفعة الأولى من المبلغ خلال العام الجاري.
وبحسب المعلومات لدى منصة الطاقة المتخصصة، ترغب اليونان أن تدفع قبرص قبل إجراء مسوح جديدة حول جزيرة كاسوس؛ وهو ما قد يُشعل فتيل مواجهة عسكرية مع تركيا.
على الناحية الأخرى، تريد الحكومة القبرصية (تسيطر على جنوب الجزيرة فقط) أن تُكمل اليونان المسوح قبل دفع الأموال المستحقة، وهو ما ترى أنه سيجنّبها أيّ أخطار جيوسياسية محتملة.
يُشار هنا إلى أن اليونان وقبرص نجحتا في ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخاصة بكل منهما، إلّا أنهما لم تبرما اتفاقًا بعد، أمّا تركيا (التي لم توقّع بعدُ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار) فإنها تطالب بالسيطرة على المنطقة البحرية المشتركة.
في المقابل، أبرمت أنقرة اتفاقًا مع ليبيا خلال عام 2022 لتأكيد مطالبها بشأن حدود منطقة اقتصادية خاصة بها، لكن اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي وصفت الاتفاق بـ"غير المشروع".
تحقيق أوروبي بشأن جرائم جنائية
ما يعقّد وضع أطول خط ربط كهرباء بحري في العالم هو فتح مكتب المدّعي العام الأوروبي تحقيقًا في مزاعم بتورط سياسيين قبارصة ومسؤولين بالاتحاد الأوروبي بجرائم جنائية مرتبطة بالمشروع المتعثر، وذلك خلال المدة التي سبقت تولّي شركة نقل الكهرباء اليونانية مسؤولية بناء المشروع في عام 2023.
وتفصيليًا، تُركّز التحقيقات على اتّهام المسؤولين بالترويج على نحو غير سليم للمشروع في مقابل تحقيق مكاسب شخصية؛ وهو ما أسفر عن صدور قرار الموافقة على منح تمويل بقيمة 658 مليون يورو، وهو أكبر منحة تقدّمها المفوضية الأوروبية لمشروع بنية أساسية على الإطلاق.
كما تبحث النيابة الأوروبية كيف تمكّنَ شخص عادي من الحصول على قرار بالموافقة على تمويل باهظ من قبرص ومن المفوضية الأوروبية، رغم أن هذا الشخص لا يملك خبرة فنية أو القدرة على الوصول للتمويل.
يُشار هنا إلى أن قبرص دعمت المشروع ماليًا، ومنها قرض حكومي بقيمة 100 مليون يورو من صندوق التعافي، ثم وافقت المفوضية الأوروبية على تقديم منحة كبرى للمشروع الذي يربط قبرص وإسرائيل بشبكة الكهرباء الأوروبية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
