شهد قطاع الغاز المصري تطورات متسارعة خلال السنوات الماضية، إذ يمثّل حقل تمساح واحدًا من أهم الحقول التي أدت دورًا بارزًا في تاريخ إنتاج الغاز في البلاد.
وبحسب قاعدة بيانات حقول النفط والغاز العالمية لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن الحقل الغازي العملاق -على الرغم من التراجع الطبيعي في إنتاجه- يظل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية للطاقة المصرية.
ويتجه حقل تمساح إلى استعادة قوته، مع إعلان استعداد شركتي "إيني" الإيطالية والنفط البريطانية "بي بي" لحفر بئر استكشافية جديدة في منطقة الامتياز الواقعة بالبحر المتوسط في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2025، باستثمارات تبلغ 70 مليون دولار.
ويتضمّن الاتفاق، الموقّع بين الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" مع الشركتَيْن، حوافز استثمارية تهدف إلى تشجيع أنشطة الاستكشاف، وإعادة تنشيط المنطقة التي تراجعت معدلات إنتاجها بعد أن كانت من أكبر مصادر الغاز في مصر.
ويمثّل الحقل قصة نجاح في تاريخ قطاع الغاز المصري، إذ أسهم في تلبية جزء كبير من احتياجات السوق المحلية قبل اكتشاف حقل ظهر العملاق، كما مكّن القاهرة من تعزيز صادراتها لفترة من الزمن، واليوم تسعى لإعادة إحياء دوره عبر استثمارات جديدة.
وللاطّلاع على الملف الخاص بحقول النفط والغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة، يمكنكم المتابعة عبر الضغط (هنا)، إذ يتضمن معلومات وبيانات حصرية تغطي قطاعات الاستكشاف والإنتاج والاحتياطيات.
تاريخ اكتشاف حقل تمساح
يرجع تاريخ اكتشاف حقل تمساح إلى عام 1981، إلا أن بدء الإنتاج فيه يعود إلى عام 1999، بقيادة شركة "إيني" الإيطالية وشركة النفط البريطانية "بي بي"، اللتَيْن قادتا عمليات استكشاف ناجحة في البحر المتوسط.
وجاءت جهود الاستكشاف ضمن إستراتيجية شاملة تستهدف تعظيم الاستفادة من الثروات البحرية في شرق المتوسط، إذ يُنظر إلى حقل تمساح بوصفه حلقة رئيسة في خريطة الغاز المصرية، وهو ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة.
ومثّل اكتشاف الحقل -في حينه- خطوة كبيرة في مسار تطور صناعة الغاز المصرية، وخلال العقد الأول من القرن الـ21، بدأ الحقل ينتج كميات كبيرة من الغاز، ليصبح أحد أعمدة إستراتيجية مصر في الاعتماد على مواردها البحرية لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة.

وبفضل إمكاناته الإنتاجية العالية، اعتُبر "تمساح" من أهم الحقول المصرية حتى عام 2014، حين كان إنتاجه يقترب من مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا، وهو المستوى الذي ساعد على تعزيز مكانة مصر بوصفها مركزًا إقليميًا للغاز لمدة من الزمن.
ويقع حقل تمساح في منطقة امتياز بحرية على البحر المتوسط في شمال دلتا النيل، ما يجعله جزءًا من الحقول البحرية الإستراتيجية التي تديرها مصر في شرق المتوسط، وفق البيانات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
كما يمثّل موقع الحقل ميزة جغرافية مهمة، إذ يتيح سهولة الربط بالبنية التحتية المصرية من خطوط أنابيب ومعامل معالجة، بما يسهل نقل الغاز المنتج إلى الأسواق المحلية ومحطات الإسالة للتصدير.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قُرب حقل تمساح من حقول أخرى كبرى في شرق المتوسط يمنحه أهمية إضافية، إذ يمكن دمج عملياته مع مشروعات مجاورة لخفض التكاليف وتحقيق تكامل في منظومة الغاز المصرية.
احتياطيات حقل تمساح
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن احتياطيات حقل تمساح في عام 1999 كانت 6.6 تريليون متر مكعب، وارتفعت هذه الاحتياطيات في عام 2010 إلى نحو 12.7 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهي احتياطيات ضخمة.
إلا أن احتياطيات الحقل شهدت تراجعًا بمرور الوقت، نتيجة ظاهرة النضوب الطبيعي، إلا أنها خلال ذروتها أدت دورًا محوريًا في إمداد السوق المصرية بالطاقة لقرابة 15 عامًا، وفق قاعدة بيانات الاحتياطيات والإنتاج لدى منصة الطاقة المتخصصة.
ومع ذلك، فإن التقديرات الحديثة تعكس أهمية الحفر الاستكشافي الجديد في حقل تمساح، إذ قد يكشف عن طبقات أعمق لم تُستغل سابقًا، وهو ما قد يعزّز الاحتياطيات القابلة للاستخراج ويطيل عمر الحقل.
وشهد إنتاج "تمساح" تقلبات ملحوظة على مدار العقدَيْن الماضيَيْن فيما يخص الإنتاج، ففي ذروته عام 2014، سجل الحقل نحو مليار قدم مكعبة يوميًا، غير أن الإنتاج بدأ يتراجع تدريجيًا بسبب النضوب الطبيعي للآبار العاملة.
ومع وصول الإنتاج إلى مستويات متدنية في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة المصرية البحث عن حلول لإعادة تنشيطه، إذ يمثّل المشروع الاستكشافي الجديد بارقة أمل لاستعادة بعض من مستويات الإنتاج السابقة، وإعادة حقل تمساح إلى دائرة الضوء بين الحقول المنتجة في مصر.
مراحل تطوير حقل تمساح
مرت مراحل تطوير حقل تمساح بعدد من الخطوات المهمة، التي بدأت بعمليات الاستكشاف الأولى في نهاية القرن الماضي، تلتها أعمال الحفر والإنتاج التجاري الذي انطلق مطلع الألفية الجديدة.
وفي المرحلة الثانية من التطوير، وُسّعت قدرات الإنتاج وربط الحقل بشبكات الغاز المحلية، ما سمح باستغلال إنتاجه في تلبية الاستهلاك المحلي وكذلك في الصادرات عبر محطات الإسالة
بينما تركز المرحلة الحالية -وهي الثالثة- على إعادة تطوير الحقل من خلال الحفر في طبقات أعمق، وهي خطوة حيوية قد تفتح آفاقًا جديدة لزيادة الإنتاج، وتحويل الحقل إلى مصدر مستدام لمدة أطول.
وتشارك في تطوير حقل تمساح شركتا "إيني" و"بي بي"، اللتان تمتلكان -معًا- حصة 50% من امتياز المنطقة، أما النصف الآخر فتملكه الهيئة المصرية العامة للبترول.

والتزمت الشركتان -ضمن جهود تطوير الحقل الغازي العملاق- بضخ استثمارات جديدة، بلغت قيمتها المعلنة 70 مليون دولار لحفر بئر استكشافية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وذلك في إطار اتفاق مع "إيجاس".
يُشار إلى أن حقل تمساح أدى دورًا اقتصاديًا بارزًا لمصر في الماضي، إذ أسهم في تعزيز الإمدادات المحلية، وخفّض اعتماد مصر على الواردات في فترة حساسة من تاريخها، كما دعم قدرتها على تصدير الفوائض عبر محطات الإسالة، ما وفّر عوائد دولارية.
نرشّح لكم..
المصادر..