في ظل تحولات إقليمية متسارعة وضغوط متزايدة داخليًا وخارجيًا، يعود ملف سلاح "حزب الله" اللبناني إلى واجهة النقاش السياسي، مدفوعًا هذه المرة بمبادرة أمريكية حملها المبعوث الخاص توماس باراك إلى بيروت، واضعًا أمام المسؤولين اللبنانيين خارطة طريق تهدف إلى "معالجة متكاملة" لهذا الملف الحساس، دون فرض حلول مباشرة على الحزب.
ورغم إشادة باراك بـ"رد لبناني رائع ومتوازن"، وتأكيده أن واشنطن تفضّل تمكين اللبنانيين من إدارة مسار التغيير بأنفسهم، إلا أن الواقع يشير إلى توازن هش بين طموحات الدولة في فرض سيادتها على السلاح، وتمسك الحزب بمعادلة المقاومة؛ ما يجعل مسار "نزع السلاح" مشروطًا بسياقات معقدة.
الرد اللبناني، الذي تم تنسيقه بين الرؤساء الثلاثة، ركّز على مطلب مشترك يتمثل في "حصر السلاح بيد الدولة" بدءاً من الجنوب، وتفعيل القرار 1701، في وقت أكد فيه رئيس الحكومة نواف سلام أن هذا التوجه يحظى بتوافق رسمي، تم تضمينه في ورقة رسمية سُلّمت إلى المبعوث الأمريكي.
ورقة ردع
لكن "حزب الله"، من جهته، لا يزال يعتبر سلاحه ورقة ردع مشروعة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكدًا على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم، أن أي حديث عن التخلي عنه مشروط بانسحاب كامل لإسرائيل من الأراضي اللبنانية، وتقديم ضمانات لعدم استهداف لبنان لاحقًا.
وفي قراءة سياسية، يُجمع محللون على أن "الحزب" لا يبدو مستعدًا للتخلي عن سلاحه في الوقت الراهن، لكنه بات أكثر انفتاحًا على إدخال هذه المسألة ضمن تسوية أوسع، تعيد تعريف موقعه في الدولة مقابل ضمانات تتعلق بالأمن الطائفي والتوازن السياسي والموقف من سوريا.
ويرى الباحث مروان السيد أن "حزب الله" قد يوافق على إدماج سلاحه ضمن منظومة دفاع وطنية مشتركة إذا توافرت بيئة سياسية ناضجة، مشدداً على أن أي محاولة لتهميشه بعد نزع السلاح ستُفشل المسار.
وفي المقابل، يرى محللون آخرون أن الضغط الحقيقي سيُمارس بشكل غير مباشر عبر شروط اقتصادية وإصلاحية مرتبطة بإعادة الإعمار والمساعدات، ما يضع الحزب أمام معادلة: السلاح مقابل بقاء الدولة.
وتطرح أستاذة القانون الدولي؛ ريتا حرب، رؤية أكثر شمولًا، مؤكدة أن ملف السلاح لا يتعلق بـ"حزب الله" وحده، بل يتصل أيضاً بفصائل فلسطينية داخل المخيمات، وأحزاب لبنانية تمتلك أسلحة فردية.
وتشدّد على أن التعاطي مع هذا الملف يجب أن يكون ضمن مشروع شامل لحصرية السلاح بيد الدولة، وليس في سياق استهداف جهة واحدة.
أما على المستوى الإقليمي، فإن تحذيرات من احتمالات انفجار أمني على الحدود – سواء عبر مواجهات مع إسرائيل أو عبر توترات على الجبهة السورية – تضاعف الحاجة لتثبيت التهدئة وترسيم الحدود كأولوية إستراتيجية، لتجنب انزلاق لبنان إلى صدامات لا يملك القدرة على تحملها في ظل أزمته الاقتصادية العميقة.
وفي المحصلة، يبدو أن لبنان يواجه فرصة نادرة لفتح حوار حقيقي حول السلاح، لكنه في الوقت ذاته يتحرك على حبل مشدود بين مطلب السيادة الكاملة من جهة، ومخاوف الحرب الأهلية أو التصعيد الخارجي من جهة أخرى. فهل تنجح بيروت في إعادة ضبط توازنها الداخلي دون كسر أحد أطراف المعادلة؟