دخلت شركة Apple في مواجهة قانونية متصاعدة مع السلطات البريطانية بعد أن كشفت محكمة الصلاحيات التحقيقية (IPT) عن تفاصيل جديدة تتعلق بمحاولة وزارة الداخلية فرض "باب خلفي" على خدمة iCloud، يتيح الوصول إلى بيانات المستخدمين على نطاق أوسع مما كان متصورًا.
القضية التي انفجرت إعلاميًا بعد تقارير فاينانشال تايمز والتايمز ونيويورك تايمز، أثارت جدلًا واسعًا حول حدود الأمن القومي وحماية الخصوصية الرقمية.
تعود القصة إلى فبراير الماضي عندما أقدمت Apple على تعطيل ميزة "حماية البيانات المتقدمة" (ADP) في المملكة المتحدة، بعد تلقيها أمرًا سريًا من وزارة الداخلية.
ورغم التزام الشركة الصمت بسبب القيود القانونية، إلا أن الخطوة أثارت الشكوك حول وجود ضغوط حكومية لفتح ثغرات أمنية في أنظمتها. لاحقًا، أكدت Apple بشكل غير مباشر أنها تلقت بالفعل تفويضًا من السلطات البريطانية، الأمر الذي دفعها إلى تحدي الحكومة أمام محكمة الصلاحيات التحقيقية، وهي الجهة المسؤولة عن النظر في شكاوى المراقبة غير القانونية.
المعلومات الجديدة تشير إلى أن الأمر لم يكن مقتصرًا على بيانات محمية بميزة ADP فقط، بل شمل نطاقًا أوسع بكثير، مثل كلمات المرور والرسائل والملفات المخزنة في حسابات iCloud، هذه التفاصيل تعني أن السلطات كانت تسعى للوصول إلى محتوى حساس لملايين المستخدمين، وهو ما يفتح الباب أمام انتقادات واسعة تتعلق بانتهاك الخصوصية الفردية وتجاوز حدود القوانين.
رد Apple: لا أبواب خلفية مهما كان الثمن
من جهتها، جددت Apple التزامها العلني بحماية خصوصية عملائها. ففي بيان سابق، أكدت الشركة أنها لم تُنشئ ولن تُنشئ يومًا "مفتاحًا رئيسيًا" أو "بابًا خلفيًا" لأي من منتجاتها أو خدماتها. وأوضحت أنها تطمح إلى توفير أعلى درجات الأمان لمستخدميها داخل المملكة المتحدة وخارجها، لكنها تواجه ضغوطًا قانونية وسياسية متزايدة.
حتى اللحظة، لم تؤكد الحكومة البريطانية أو تنفي رسميًا إصدار أمر إنشاء الباب الخلفي. تصريحات بعض المسؤولين تباينت، خاصة بعدما قالت تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، إن بريطانيا أسقطت تفويضها لشركة Apple. لكن الوثائق الأخيرة التي كشفتها محكمة IPT توضح أن الأمر لم يُسحب بعد، مما يزيد المشهد تعقيدًا ويضع وزارة الداخلية تحت المجهر.
القضية لا تخص Apple وحدها، بل تمثل اختبارًا عالميًا للتوازن بين الأمن القومي وحرية الأفراد. فإذا تمكنت الحكومات من فرض أبواب خلفية على الشركات التقنية الكبرى، قد يفتح ذلك المجال لسابقة خطيرة تهدد سرية البيانات للمليارات حول العالم. في المقابل، ترى الحكومات أن الوصول إلى البيانات المشفرة أصبح ضرورة قصوى لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
من المتوقع أن تنظر محكمة الصلاحيات التحقيقية في القضية بناءً على "حقائق مفترضة"، وهو ما يعني أن المسار القانوني قد يستغرق وقتًا طويلًا قبل أن يُحسم. لكن المؤكد أن Apple تسعى لترسيخ موقفها كمدافع شرس عن الخصوصية الرقمية، بينما تصر الحكومة البريطانية على تعزيز أدواتها الأمنية، حتى لو جاء ذلك على حساب حرية المستخدمين.
في النهاية، تبدو القضية أبعد من مجرد نزاع قضائي بين شركة وحكومة، فهي تمثل فصلًا جديدًا في الصراع العالمي حول من يملك السيطرة على البيانات: الشركات العملاقة التي بنت سمعتها على حماية الخصوصية، أم الحكومات التي تبرر تدخلها باعتبارات الأمن القومي.