يشهد لبنان جدلًا جديدًا حول ملف الطاقة، مع عودة قضية قديمة إلى الواجهة ترتبط بعلاقة بيروت مع الجزائر في مجال الوقود، وهي القضية التي بدأت قبل 5 سنوات، وما تزال حاضرة في المشهد اليوم.
ويوضح مدير تحرير منصة الطاقة (مقرّها واشنطن)، عبدالرحمن صلاح، أن القصة تعود إلى عام 2020، حين وصلت شحنة وقود جزائرية، ثبتَ لاحقًا أنها غير مطابقة للمواصفات، واحتُجزت بالميناء، وسط دعاوى قضائية متبادلة.
وأضاف أن القضية منذ ذلك الحين ما زالت في يد القضاء اللبناني، بينما أكدت مصادر بوزارة الطاقة في تصريحات إلى "منصة الطاقة" أن الملف القضائي المتعلق بالشحنة الجزائرية يبقى حصريًا بيد القضاء، والوزارة لا تتدخل فيه بأيّ شكل من الأشكال.
لكن في المقابل، يطرح لبنان -اليوم- سيناريو جديدًا يفتح المجال أمام استئناف العلاقات التجارية، إذ أبدت بيروت رغبة في العودة لاستيراد الوقود الجزائري، ولكن بشرط الحصول عليه بنصف الثمن (نفس سعر الوقود الروسي الرخيص).
جاء ذلك خلال مشاركة "صلاح" في حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي عبر مساحات "إكس"، بعنوان "مستجدات أسواق النفط والغاز: ترمب والهند، ولبنان، والغاز الصخري بالجزائر".
الوقود الجزائري إلى لبنان
يقول عبدالرحمن صلاح، إن جذور الأزمة تعود إلى شحنة من الوقود الجزائري إلى لبنان في عام 2020، شكّلت صدمة في السوق بعد ثبوت مخالفتها للمواصفات، ما فتح الباب أمام نزاع قضائي ممتد حتى اليوم.
وأضاف أن وزارة الطاقة والمياه حرصت على تأكيد أن الملف القضائي ما يزال بيد القضاء وحده، ولن تتدخل فيه الوزارة، في محاولة لفصل الجانب القانوني عن محاولات فتح صفحة جديدة في العلاقات التجارية مع الجزائر.
وفي 29 يوليو/تموز الماضي -وفق صلاح- زار الرئيس اللبناني جوزيف عون الجزائر، والتقى نظيره عبدالمجيد تبون، إذ تناولت المباحثات ملفات عديدة، من بينها قضية الوقود العالقة.
وبحسب مصادر خاصة تحدثت إلى منصة الطاقة، طرحَ الجانب اللبناني فكرة العودة للاستيراد من شركة سوناطراك، وشدد الرئيس عون خلال المباحثات على رغبة بلاده في استئناف التعاون التجاري، وضرب مثالًا بإمكان عودة استيراد الوقود الجزائري.
لكن المشكلة الجوهرية لدى بيروت، أنها تستورد وقود روسي رخيص، وتريد استيراد الوقود الجزائري بالمستوى المخفض نفسه الذي تحصل عليه من موسكو.
وكشف عبدالرحمن صلاح أن استئناف التوريد وفق هذه الشروط أمرًا بالغ الصعوبة، بل يكاد يكون مستحيلًا في ظل الظروف الحالية.
وأوضح أن الجزائر -بالتأكيد- لا يمكن أن تقدّم وقودًا بهذا السعر المتدنّي، لأن ذلك سيتسبب لها بأزمات داخلية، وهو ما يجعل مطلب لبنان غير واقعي في السياقين الاقتصادي والسياسي.

الدعم الخليجي.. نافذة جديدة لإنقاذ لبنان
قال عبدالرحمن صلاح، إنه -بالتوازي مع النقاش حول الوقود الجزائري- يفتح لبنان بابًا آخر مع دول الخليج، للحصول على دعم مباشر بالوقود، إذ وصلت قبل ساعات ناقلة تحمل شحنة من الديزل الأحمر قادمة من الكويت.
وأوضح أن هذه الشحنة التي يبلغ حجم حمولتها نحو 132 ألف طن، نصفها -أي 66 ألف طن- يأتي هبةً من الكويت لدعم بيروت في تجاوز أزمتها، وقد وصلت الدفعة الأولى منها إلى مواني البلاد.
ومن المقرر أن تستكمل الكويت إرسال باقي الكميات عبر 3 شحنات متتالية، ابتداءً من سبتمبر/أيلول المقبل حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025، ما يوفّر لبيروت متنفسًا مؤقتًا لتأمين احتياجاتها من الطاقة في الأشهر المقبلة.
وأشار صلاح إلى أن الانفتاح الدبلوماسي للرئيس جوزيف عون أدى دورًا رئيسًا في هذا الدعم، إذ أجرى جولات شملت السعودية والإمارات وقطر والكويت، أسفرت عن وعود بمساندة بيروت.
وأضاف: "المصادر أكدت أن الدعم الخليجي سيأتي بأشكال متنوعة، فجزء من الشحنات سيكون مجانيًا على شكل هبات، بينما الجزء الآخر سيباع للبنان بأسعار مخفضة، ما يخفف الضغط على موازنته المُثقلة بالأعباء".
ومن المقرر أن تتحمل مؤسسة كهرباء لبنان تكلفة الوقود المدفوع، بينما لن تتحمل وزارة المالية أيّ أعباء إضافية، وفق ما نقلته منصة الطاقة عن مصادر مطّلعة في بيروت.
واختتم عبدالرحمن صلاح بالقول، إن الدعم الخليجي يشكّل نافذة إنقاذ حقيقية، بينما يظلّ ملف الوقود الجزائري إلى لبنان مرهونًا بشروط يصعب تحقيقها، ليبقى الأمل معقودًا على تنويع الشركاء وتخفيف حدّة الأزمة عبر بدائل واقعية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..