رشة من القرفة على كوب الشاي، أو لمسة من الكركم في طبق الكاري، أو إضافة الزنجبيل إلى المخبوزات، تبدو كلها خطوات روتينية في المطبخ، لكنها قد تحمل تأثيراً غير متوقع على الصحة، خصوصاً لدى من يتناولون أدوية منتظمة، لطالما لعبت التوابل دوراً يتجاوز حدود النكهة، وفي الثقافات القديمة، خاصة في الطب الهندي والصيني، اعتُبرت التوابل عناصر علاجية بامتياز، لكن اليوم، يسلط الطب الحديث الضوء على جانب آخر أكثر دقة تفاعلاتها المحتملة مع بعض الأدوية وفقا لـ sciencealert.
أولاً: القرفة – العطر الدافئ الذي قد يخفي مفاجآت
القرفة، التي تُستخرج من لحاء أشجار تنتمي إلى الفصيلة الغارية، تحتوي على مركبات نشطة مثل “السينام ألدهيد” و”الإيوجينول” و”الكومارين”.
ويُستخدم مستخلصها على نطاق واسع في العطور والعلاجات العشبية.
تُعرف القرفة بفوائدها الصحية العديدة، بدءًا من دورها في تقليل الالتهاب، وصولاً إلى المساعدة في تنظيم مستويات السكر في الدم، وتحسين صحة القلب، وحتى تعزيز وظائف الدماغ، غير أن دراسة حديثة صادرة عن جامعة ميسيسيبي أثارت القلق، إذ أشارت إلى أن السينام ألدهيد قد يفعل مستقبلات في الجسم تُسرع من تخلصه من بعض الأدوية، ما قد يؤدي إلى تقليل فعاليتها.
نوع القرفة المستخدم قد يلعب دوراً محورياً، فالقرفة “الكاسيا”، وهي النوع الأكثر شيوعاً ورخصاً في الأسواق، تحتوي على نسبة أعلى من الكومارين، مقارنة بـ”قرفة سيلون” أو القرفة السيلانية، التي تُعد “القرفة الحقيقية”، الكومارين بدوره قد يتسبب في تلف الكبد عند تناوله بجرعات عالية، ويعمل كمضاد لتخثر الدم، مما قد يزيد من خطر النزيف خاصة عند استخدامه بالتزامن مع أدوية مثل الوارفارين.
وتشير التقارير الطبية إلى احتمال تفاعل القرفة مع مجموعة متنوعة من الأدوية، تشمل المسكنات، ومضادات الاكتئاب، وأدوية السرطان، وأدوية السكري. إلا أن أغلب هذه التأثيرات تبرز مع الجرعات الكبيرة، وخصوصاً المكملات.
ثانيًا: الكركم – اللون الذهبي الذي قد يربك توازن الجسم الدوائي
الكركم، ذلك التابل المعروف بلونه الأصفر الساطع، يستخدم في أطباق لا حصر لها، كما ارتبط تاريخياً بفوائد طبية تعود إلى احتوائه على “الكركمين”، وهو مركب مضاد للالتهابات والأكسدة.
ورغم أن الأبحاث البشرية حول تفاعل الكركم مع الأدوية لا تزال محدودة، فإن الدراسات المخبرية تشير إلى إمكانية تأثير الكركمين على إنزيمات الكبد المسؤولة عن استقلاب الأدوية، وقد يؤدي هذا التداخل إلى تغير فعالية أدوية الاكتئاب، وضغط الدم، والعلاج الكيميائي، وحتى بعض المضادات الحيوية.
إضافةً إلى ذلك، يمتلك الكركم تأثيراً مميعاً للدم؛ ما يجعله مادة محفوفة بالمخاطر عند تناوله مع أدوية مثل الأسبرين أو الوارفارين، كما تشير دراسات حيوانية إلى إمكانية تعزيز الكركم لمفعول أدوية السكري، أو مساهمته في خفض ضغط الدم بدرجة قد تكون مقلقة عند تناوله إلى جانب الأدوية الخافضة للضغط.
ثالثًا: الزنجبيل – تابل المفاجآت في ساحة السكري والأدوية
الزنجبيل يُعرف بفوائده في تخفيف الغثيان وتعزيز الهضم، لكن مركباته الفعالة مثل “الجنجرول” يمكن أن تؤثر على الطريقة التي يتعامل بها الجسم مع بعض الأدوية.
الدراسات المتعلقة بالزنجبيل وتأثيره على مرضى السكري تُظهر نتائج متباينة، بعضها يشير إلى قدرته على خفض مستويات السكر في الدم، بينما تدعو أخرى إلى الحذر بانتظار أبحاث إضافية لتوضيح هذا التفاعل، خاصة عند تناول أدوية السكري.
ومثل القرفة والكركم، فإن التفاعلات المحتملة للزنجبيل تظهر بوضوح مع الجرعات العالية، كما في المكملات، وليس مع الكميات المعتادة المستخدمة في الطبخ.
رسالة تحذيرية… لا داعي للهلع ولكن!
رغم ما تقدم، ليس هناك ما يدعو إلى القلق الفوري من تناول هذه التوابل ضمن كميات الطعام المعتادة، فهي لا تزال تقدم فوائد غذائية وطبية كبيرة، عند استخدامها بشكل معتدل.
ومع ذلك، على من يتناول أدوية حساسة، خصوصاً مميعات الدم أو أدوية علاج الأمراض المزمنة، أن يُخبر طبيبه أو الصيدلاني قبل البدء بأي مكمل عشبي جديد يحتوي على هذه التوابل.
خاتمة: التوازن هو السر
يبقى استخدام التوابل في حدود المعقول عادة غذائية آمنة ولذيذة، لكنها كغيرها من المكونات الطبيعية، قد تتحول إلى عنصر تداخلي مع العلاجات الطبية إذا أُفرط في استهلاكها أو استُخدمت على شكل مكملات دون استشارة طبية، فالتوازن هنا ليس خياراً، بل ضرورة.
