بين عامي 2004 و2007، شهدت الملاعب عدة وفيات مفاجئة لرياضيين شباب، ما دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى تطوير بروتوكولات فحص إلزامية للقلب.
أما اللحظة المأساوية التي هزت العالم الرياضي كانت حين سقط أنطونيو بويرتا، نجم إشبيلية البالغ 22 عاماً، مغشياً عليه خلال مباراة في الدوري الإسباني عام 2007، حيث توفي اللاعب بعد ثلاثة أيام بسبب توقف قلبي متكرر ناجم عن مرض وراثي لم تكشفه الفحوص الدورية.
اليوم، لم تعد النوبات القلبية حكراً على كبار السن أو الرياضيين المحترفين، ففي العيادات الطبية، يُلاحظ أطباء القلب حول العالم ارتفاعاً مقلقاً في الإصابات بين الشباب، خاصة في الفئة العمرية 30-45 عاماً، ووفقاً للبروفيسور سمير علم، رئيس الفريق الطبي في الجامعة الأميركية ببيروت، فإن الإصابات بين هذه الفئة قفزت بنسبة 50% خلال الخمسة عشر عاماً الماضية.
الخلطة القاتلة
يرى الخبراء أن جذور الأزمة تعود إلى تحوّل عميق في أنماط العيش، يقول الدكتور جيمس إيتشيسون من مستشفى كينغز كولدج في دبي: "أصبح نمط حياة الشباب أكثر خمولاً، لا يمشون إلى أعمالهم، ويجلسون ساعات أطول، ويتناولون طعاماً غير صحي". التوصية العالمية بممارسة 30 دقيقة من التمارين المجهدة ثلاث مرات أسبوعياً أصبحت بعيدة المنال للكثيرين.
أما النظام الغذائي التقليدي في منطقة الشرق الأوسط، الذي كان يعتبر مثالياً لصحة القلب، تم استبداله بالوجبات السريعة الغنية بالدهون، كما تضيف السمنة، وارتفاع ضغط الدم، ودهون الدم، والسكري طبقات أخرى من الخطر. لكن التدخين، خاصة الإلكتروني منه، يشكل تهديداً خاصاً، حيث يحذر إيتشيسون: "العديد من السجائر الإلكترونية غير منظَّمة، ومستويات النيكوتين فيها قد تكون أعلى من السجائر العادية، مما يزيد خطر النوبات القلبية وأمراض رئوية قاتلة".
التوتر والضوضاء
بينما يظل العامل الوراثي مسؤولاً عن 50% من الحالات، وفق إيتشيسون، فإن الضغوط النفسية تلعب دوراً متزايداً، حيث يشرح البروفيسور علم: "هناك تأثير مباشر للضغط النفسي، حيث يرسل الدماغ إشارات تؤدي في النهاية إلى تصلب الشرايين"، وتظهر الدراسات أن غير المتزوجين أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، ربما بسبب غياب الدعم العاطفي والنفسي.
ويتعدى الأمر الضغوط الشخصية إلى البيئية، حيث يشير علم إلى أن "التلوث السمعي الناتج عن ضجيج المدن والحفلات الصاخبة يسبب اضطرابات النوم، وهو ما ربطته دراسات عديدة بزيادة خطر النوبات القلبية المبكرة"، وحتى تداعيات كوفيد-19 لا تزال مستمرة، حيث أظهرت أبحاث أن المتعافين معرضون أكثر للإصابة بمشكلات قلبية حتى بعد ثلاث سنوات.
لماذا يموت الرياضيون الشباب؟
بالنسبة للرياضيين تحت سن 35، يكون السبب غالباً وراثياً، مثل اعتلال عضلة القلب الضخامي (حالة تسمك غير طبيعية في عضلة القلب) أو اضطرابات النظم القلبية.
وهذه الحالات يصعب كشفها دون فحوص متخصصة، وقد لا تظهر في الفحوص الدورية العادية. مع ذلك، يؤكد إيتشيسون أن هذه الحوادث تبقى نادرة جداً، مقارنة بآلاف المرات لخطر الوفاة بسبب نمط الحياة الخامل.
الوقاية مسؤولية مشتركة
يؤكد البروفيسور علم أن حماية القلب مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع والهيئات الصحية، والنصيحة الذهبية هي "الوقاية تبدأ من المهد إلى اللحد"، ونوعية الطعام في الطفولة، تجنب التدخين، النوم الكافي، وإدارة التوتر كلها عوامل تراكمية تحدد مصير القلب.
ويُنصح الرجال ببدء الفحوص الدورية عند الأربعين، والنساء عند الخامسة والأربعين، لكن الفحوص وحدها لا تكفي.
كما يختتم علم: "إهمال الصحة حتى وقوع المشكلة ثم قصد الطبيب لحلها ليس منطقياً. كما يقول المثل: لا يصلح العطّار ما أفسده الدهر". في مواجهة هذا التحدي الصحي المتصاعد، تصبح العودة إلى أساسيات الحياة الصحية هي الدرع الأقوى.
==