جسّدت قرية “الخربة” في مركز بئر العبد بشمال سيناء، اليوم الجمعة، لحظة وطنية مفعمة بالقيم والدعاء، حين جرى أداء صلاة الجمعة في مسجد التعمير بحضور رسمي وشعبي كبير، حيث أدى وزير الأوقاف، الدكتور أسامة الأزهري، يرافقه اللواء الدكتور محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، الصلاة وسط أجواء من البهجة والروحانية.
أجواء الصلاة والانتماء الوطني
شهد مسجد التعمير توافدًا لافتًا من أهالي قرية الخربة، الذين لبّوا دعوة الإيمان والانتماء، وتوافدوا بوجوه ملؤها الخشوع والتطلع. وبرزت هذه المناسبة كإشاعة أمل، حين جرى حضور رسمي وشعبي كفيل بأن يعكس رسائل القوة والمحبة والتمسك بقيم الوطن.
خطبة الجمعة: "إعلاء قيمة السعي والعمل"
ألقى الشيخ محمود مرزوق خطبة الجمعة تحت عنوان "إعلاء قيمة السعي والعمل"، واستهلها بآيات من كتاب الله عزّ وجلّ:﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ…﴾، مؤكدًا أن الأعمال تَرِدُ على الله والرسول والمؤمنين، ثم إلى عالم الغيب والشهادة ليُنبِّئكم بما كنتم تعملون.
كما استشهد بحديث النبي ﷺ: "ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، مشدّدًا على أن السعي في الأرض والاجتهاد في العمل يعكس التزام الراعي بأمانته تجاه نفسه وأهله ووطنه.
بعد الصلاة: ذكر ودعاء ومحبة الله
لم تنتهِ المناسبة بخطبة الصلاة فقط، بل جرى عقد جلسة ذكر ودعاء بين الوزير والمصلين، هدفت إلى ترسيخ القيم الأخلاقية وتعزيز روح الانتماء الوطني.
أكد الأزهري أن المساجد ستظل منابر حقيقية لبث القيم الغالية وتعزيز شعور المواطن بالولاء والانتماء.
تحفيظ القرآن: تصفُّح دفتر الإيمان وتعزيز الجيل الناشئ
حرص الوزير الأزهري على تفقد نشاط المكتب الثاني "الرحمن الرحيم" لتحفيظ القرآن الكريم، جال بين الأطفال الدارسين، واستمع إلى تلاواتهم البسيطة المليئة بالإيمان، ثم جرى قراءة الفاتحة والدعاء معهم على الخير بأن يحفظ الله مصر من كل مكروه وسوء.
فرص مستقبلية
قال الزملوط، إن هذا الحدث فتح أبوابًا لخطوات مستقبلية تمثلت في:
- تعزيز الدور التنموي للمساجد: تحويلها من مجرد مكان للصلاة إلى مركز للنشاط الاجتماعي والتوعوي.
- الاستثمار في مراكز القرآن: تعميم تجربة “الرحمن الرحيم” في قرى أخرى، لتشجيع الأطفال على حفظ القرآن وربطهم بالقيم الوطنية.
- تفعيل التواصل المباشر: زيارات منتظمة من مسؤولي الأوقاف والمحافظين للقاء المجتمعات المحلية، ما يُترجَم إلى ثقة متبادلة وشراكة فعلية في التنمية.
المسجد وأثره في تعزيز النسيج المجتمعي
تاريخيًا، لعبت المساجد في سيناء والدلتا وسائر ربوع مصر دورًا جوهريًا في تعزيز روح التضامن بين الدولة والمواطن. فمن العهد الإسلامي المبكّر، كان المسجد مركزًا للصلاة والتعليم، وللخروج إلى المجتمع منطلقًا للقيم والوعي، وفي عهود متعددة، استضافت المساجد رجال الدولة والعلماء من أجل ترسيخ القيم وتوجيه الخطاب الجماهيري.
في العقود الأخيرة، ومع التحديات الأمنية والاقتصادية التي شهدتها سيناء، جرى تعزيز حضور الدولة من خلال مبادرات دينية وتنموية.
وشهدت المنطقة منذ خمسينيات القرن العشرين إقامة مساجد ومراكز لتحفيظ القرآن، بهدف دعم الهوية الدينية وتعزيز التلاحم الوطني. وقد كان لهذا الدور صدى واضح في عوامل الاستقرار الاجتماعي في المجتمعات النائية.
واليوم، يجسّد هذا الحدث في قرية “الخربة” النقلة الجديدة في العلاقة بين الدولة والمواطنين، حيث تلتقي الروحانية بقيم الانتماء.
حضور وزير الأوقاف ومحافظ الوادي الجديد لم يكن بروتوكولًيا، بل رسالة بليغة أن الدولة بكافة مؤسساتها تبقى حاضرة في القرى النائية، تلامس هموم الناس، وتؤمن في وسائط الزمن بقوة العمل الصادق والإيمان الحي.




