أخبار عاجلة
نتنياهو وترامب يبحثان خطط السيطرة على غزة -

الذكاء الاصطناعي.. تقنيات متطورة تسهم في مكافحة التصحر (مقال)

الذكاء الاصطناعي.. تقنيات متطورة تسهم في مكافحة التصحر (مقال)
الذكاء الاصطناعي.. تقنيات متطورة تسهم في مكافحة التصحر (مقال)

يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في مواجهة التصحر، الذي أصبح في السنوات الأخيرة أحد أبرز التحديات البيئية التي تواجه الدول في مختلف أنحاء العالم، خاصة المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وفي ظل التغير المناخي المتزايد ، وتوسُّع النشاطات الزراعية و الرعي غير المستدام، أصبح من الضروري تبنّي حلول تقنية متقدمة قادرة على المراقبة الدقيقة وتحليل البيانات بفعالية، لاتخاذ قرارات علمية مدروسة.

ويأتي في قلب هذه الحلول الذكاء الاصطناعي، لما يمتلكه من قدرات فريدة في معالجة كميات هائلة من البيانات، واكتشاف الأنماط الخفية التي يصعب على العنصر البشري إدراكها.

لقد أثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته في ميادين عدّة، مثل الطب والصناعة والتجارة، ومع انتقال تركيز الباحثين وصنّاع القرار إلى المجالات البيئية، أصبحت هناك توجهات جادة لتوظيف هذه التقنيات في التصدي لمشكلة التصحر.

وتتنوع الأدوات والتقنيات المستعمَلة بين التعلم الآلي والتعلم العميق ومعالجة الصور ونظم المعلومات الجغرافية الذكية، بالإضافة إلى تقنيات الاستشعار عن بعد والطائرات من دون طيار.

وهذا التكامل يسهم بشكل كبير في تعزيز القدرة على رصد الأراضي المعرضة للتصحر والتنبؤ بمسار انتشاره والاستجابة الفورية للحدّ منه.

في هذا المقال، نسلّط الضوء على مختلف جوانب استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة التصحر، من التعريف بمفهوم التصحر وأسبابه، مرورًا بالتقنيات الرئيسة للحصول على البيانات البيئية، وصولًا إلى التطبيقات العملية والتحديات الراهنة والتوجهات المستقبلية.

ونهدف إلى تقديم رؤية شاملة تساعد الباحثين وصنّاع السياسات والمهتمين بالشأن البيئي على فهم الأدوار المتوقعة للذكاء الاصطناعي في حماية الأراضي وضمان استدامتها.

تعريف التصحر وأهمية معالجته

التصحر هو تدهور الخصائص البيولوجية والفيزيائية والكيميائية في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة، نتيجة العوامل المناخية أو النشاطات البشرية أو كليهما معًا.

يتّضح التصحر في عدّة مظاهر تشمل: انخفاض الغطاء النباتي، وتآكل التربة، وتناقص جودة المياه السطحية والجوفية، وزيادة تركيز الأملاح في التربة.

هذه الظاهرة تؤثّر سلبًا في الأمن الغذائي، والاقتصاد المحلي، والتنمية المستدامة، في الوقت الذي تفاقمت فيه الضغوط السكانية وتقلّصت الموارد الطبيعية.

التصحر
آثار التصحر والجفاف - الصورة من مركز بحوث الصحراء

تكمن أهمية مكافحة التصحر في ضرورة الحفاظ على الأراضي الخصبة واستعادة المتدهورة منها، لضمان استمرار الإنتاج الزراعي وتوفير معيشة كريمة للسكان المحليين.

كما تسهم النباتات في امتصاص كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون، مما يساعد على التخفيف من أثر التغير المناخي.

من ثم، فإن استثمار الموارد البشرية والمادية في مكافحة التصحر يعود بالنفع البيئي والاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.

أسباب التصحر

تعددت أسباب التصحر بين عوامل طبيعية وأنشطة بشرية، ويمكن إجمالها فيما يلي:

1. العوامل المناخية:

  • قلة هطول الامطار وعدم انتظامها.
  • ارتفاع درجات الحرارة بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري.
  • زيادة فترات الجفاف وتكرارها.

2. الممارسات الزراعية غير المستدامة:

  • حرث التربة المفرطة من دون دورات زراعية.
  • الإفراط في استعمال الأسمدة الكيميائية والمبيدات.
  • الري غير المدروس الذي يؤدي لتملُّح التربة.

3. أنشطة الرعي المفرط:

  • الرعي الجائر الذي يقلل الغطاء النباتي.
  • قلة دور المراعي الطبيعية في التجدد.

4. الاستعمال الجائر للمياه:

  • سحب كميات كبيرة من المياه الجوفية للريّ.
  • بناء السدود دون دراسة أثرها على المخزون المائي.

5. التوسع العمراني والبنية التحتية:

  • تحويل مساحات زراعية إلى مشروعات سكنية وصناعية.
  • قطع الغابات للطرق والمشروعات التنموية.

وتتفاعل هذه العوامل مع بعضها في تسريع وتيرة التصحر، مما يستلزم تدخلات شاملة ومتكاملة تجمع بين السياسات الحكيمة والتقنيات المتقدمة.

الحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة في مكافحة التصحر

التدخُّل التقليدي يواجه تحدّيات عدّة، منها صعوبة رصد مساحات شاسعة من الأراضي في الوقت الفعلي، وتعقيد تحليل العوامل المتداخلة في تدهور التربة والنباتات، بالإضافة إلى التكلفة العالية للزيارات الميدانية المتكررة.

لذلك أصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ضرورة ملحّة لتوظيف الأدوات الرقمية في جمع البيانات، وتصنيفها، واستخراج المؤشرات التي توجّه عمليات الزراعة الذكية، والري الدقيق، وإستراتيجيات الاستصلاح.

وبهذا يتحقق الاستعمال الأمثل للموارد وانخفاض الخسائر المادية والبيئية.

تغير المناخ

دور الذكاء الاصطناعي في التصدي للتصحر

يقدّم الذكاء الاصطناعي حلولًا متعددة الأوجه في مكافحة التصحر، من بينها:

  • تحليل البيانات الضخمة: معالجة كميات هائلة من معلومات الطقس والتربة والنبات.
  • التنبؤ المبكر: توقع المناطق المعرّضة للتصحر بتطبيق نماذج تنبؤية.
  • المراقبة المستمرة: رصد التغيرات الطفيفة في الغطاء النباتي وتركيز الأملاح.
  • التوجيه الأمثل للري: تقديم توصيات مبنية على تحليل البيانات المناخية والتربة.
  • دعم صانعي القرار: توفير لوحات معلومات بصرية تفاعلية لتمكين التخطيط الإستراتيجي.

باختصار، يتيح الذكاء الاصطناعي جمع وتنظيم وتحليل البيانات بشكل أكثر كفاءة وواقعية مما يدعم اتخاذ قرارات سريعة تستجيب لتغيرات البيئة.

أهم تقنيات الذكاء الاصطناعي المستعمَلة

التعلم الآلي (Machine Learning)

يعتمد على خوارزميات قادرة على التعلم من البيانات وتحسين أدائها مع الوقت، وفي مكافحة التصحر، تُستعمَل خوارزميات لتصنيف أنواع التربة ومستويات الرطوبة وتوقُّع مسار تدهور الأراضي.

التعلم العميق (Deep Learning)

يُستعمَل لبناء شبكات عميقة قادرة على تحليل الصور المعقدة المأخوذة من الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار، ويمكن أن تميز بين الغطاء النباتي الصحي والمتدهور، وتحدّد بدقة أيَّ بقع تعاني من التصحر.

معالجة الصور (Image Processing)

تشمل تقنيات تحسين الصور، وتقسيمها ، واستخراج التفاصيل ، تتيح هذه التقنيات تحليل البقع المتدهورة بصريًا، وتقدير نسبة الغطاء النباتي الخضري باستعمال مؤشرات.

نظم المعلومات الجغرافية الذكية (Smart GIS)

تجمع بين نظم المعلومات الجغرافية والذكاء الاصطناعي لتخطيط استعمالات الأراضي، وتساعد هذه الأنظمة على ربط البيانات المكانية ببيانات التربة والمناخ والنبات، مما يمكّن من تحديد المناطق ذات الأولوية للتدخلات والاستصلاح.

الذكاء الاصطناعي

تطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي في مكافحة التصحر

الرصد والتقييم المستمر للأراضي

تتعاون الأقمار الصناعية مع طائرات الدرونز المُزودة بكاميرات متعددة الأطياف لجمع صور مفصلة على أوقات منتظمة.

تُعالَج هذه الصور عبر نماذج تعلُّم آلي لتقدير مؤشرات جودة التربة والنبات، مثل الرطوبة ونسبة الملوحة وقوة النمو النباتي، ويتيح هذا الرصد استكشاف بؤر التصحر مبكرًا قبل انتشارها.

التنبؤ بنمط انتشار التصحر

تعتمد أنظمة التنبؤ على نماذج إحصائية وتسلسلية مدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطقس التاريخية والحالية.

من خلال هذه النماذج يمكن تقدير المساحات المحتمل تدهورها خلال مواسم الجفاف المقبلة أو نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، مما يمكّن من تحضير خطط استباقية لحماية هذه المناطق.

إدارة موارد المياه والري الذكي

تجمع نظم الاستشعار عن بُعد وبيانات المحطات الأرضية معلومات دقيقة عن رطوبة التربة، ودرجة الحرارة، والإشعاع الشمسي.

تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على دمج هذه البيانات مع جداول المحاصيل واحتياجاتها المائية لتوليد توصيات ذكية بأنماط الري المفضلة، ما يقلل من الإسراف في استعمال المياه، ويحدّ من مخاطر الملوحة.

استعادة الأراضي المستنزفة

يُستعمَل الذكاء الاصطناعي في تصميم خطة للنباتات لملاءمة ظروف التربة والطقس المحددة لكل منطقة.

تشمل العملية تحليل خصائص التربة وتوقُّع نمو مختلف الأنواع النباتية عبر نماذج تعلم آلي، ثم اختيار الأنسب منها لزراعتها في الأراضي المتدهورة بغرض تثبيت التربة وزيادة مخزون الكربون في البيئة.

دور الصور الفضائية والطائرات من دون طيار

تكمن قوة هذه التقنيات في توفير بيانات تفصيلية على مستويات متعددة:

  • الأقمار الصناعية: توفر بيانات منتظمة وشاملة لمساحات شاسعة، لكنها قد تعاني من قيود في الدقة المكانية وزمن التحديث.
  • الطائرات من دون طيار (الدرونز): تتيح صورًا عالية الدقة، وتستطيع التحليق في المساحات الضيقة صعودًا وهبوطًا بسرعة.

يعالج الذكاء الاصطناعي مجموعتي البيانات عبر دمجها (Data Fusion) لاستخراج خرائط تفصيلية للغطاء النباتي، وخرائط رطوبة التربة، ومؤشرات التدهور، كما يمكن للدرونز تنفيذ مهامّ الرش المستهدف للمغذيات أو المبيدات بتقنيات رش ذكية.

التحديات والقيود في تطبيق الذكاء الاصطناعي:

رغم الفوائد العديدة، يواجه توظيف الذكاء الاصطناعي في مكافحة التصحر عدّة عقبات:

1.نقص البيانات عالية الجودة: قلة محطات القياس الميدانية والأقمار الصناعية ذات الدقة العالية يحدّ من جودة التعلم والنمذجة.

2.تكلفة البنية التحتية: شراء أجهزة الاستشعار المتخصصة والطائرات والاشتراكات في خدمات الأقمار الصناعية يتطلب استثمارات كبيرة.

3.الحاجة إلى تخصصات متعددة: يتطلب إعداد فرق تجمع خبراء في علم التربة والبيئة والذكاء الاصطناعي والجغرافيا.

4.الخصوصية والوصول إلى البيانات: قد تكون بعض البيانات محمية أو مقيّدة رسميًا في بعض البلدان.

5.الاستدامة والصيانة: متابعة الأجهزة والبرمجيات وصيانتها والعمل لأوقات طويلة يمثّل تحديًا إداريًا وتقنيًا.

هذه القيود تدعو لتعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتذليل العقبات وتبادل الموارد والخبرات.

الذكاء الاصطناعي

ولمواجهة هذه التحديات يمكن:

  • أولًا: تعزيز مصادر البيانات عبر تشجيع المشاركة التعاونية مع وكالات الفضاء والمؤسسات الأكاديمية واستعمال البيانات المفتوحة والتعلّم المتضامن لزيادة كميات وموثوقية المعلومات دون الإخلال بالخصوصية.
  • ثانيًا: يسهم الاعتماد على الحوسبة السحابية وخدمات الدفع حسب الاستعمال للبنية التحتية في خفض التكاليف.
  • ثالثًا: تعزيز بناء فرق متعددة التخصصات عبر برامج تدريبية مشتركة ومشروعات جامعية ومنصات تواصل احترافية التنسيق بين خبراء البيئة والتربة والذكاء الاصطناعي والجغرافيا.
  • رابعًا: ضمان أطر قانونية لحماية البيانات وتقنيات التعلّم الفيدرالي سهولة تبادل المعلومات مع الحفاظ على السرّية.
  • أخيرًا: التصميم المعياري للمعدّات وبناء قدرات الصيانة المحلية وخطط الصيانة الدورية وصناديق التمويل الدولية يحقق استدامة تشغيلية طويلة الأمد لهذه الأنظمة.

التوجهات المستقبلية

تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي باستمرار، وتتجه جهود البحث والتطوير حاليًا نحو:

  • الذكاء الاصطناعي التفسيري (Explainable AI): لتعزيز الشفافية في النماذج وتفسير كيفية اتخاذها للقرارات البيئية.
  • التعلم الفيدرالي (Federated Learning): لتدريب النماذج على بيانات موزعة دون الحاجة إلى نقلها مركزيًا، مما يحافظ على الخصوصية ويعزز التعاون الدولي.
  • دمج إنترنت الأشياء (IoT): ربط أجهزة الاستشعار بالمزارع والأراضي عبر شبكات لاسلكية تسمح بالمراقبة الحية والتحديث المستمر.
  • النماذج المتعددة الوسائط (Multimodal AI): لدمج الصور الفضائية وأنماط الطقس والتربة والنبات في نموذج واحد شامل.
  • تعاون أدوات تكنولوجية مختلفة مثل (طائرات، أجهزة استشعار، مركبات آلية) لأداء مهام الاستصلاح بشكل متكامل وآلي.

هذه الاتجاهات ستسهم في تحسين دقة التنبؤ وتخفيض التكاليف وزيادة قابلية الحلول للتطبيق على نطاقات أوسع من الأراضي المعرّضة للتصحر.

ويُعدّ التصحر تحديًا بيئيًا كبيرًا يتطلب توظيف كل الأدوات المتاحة لمواجهته، ويأتي الذكاء الاصطناعي في مقدمة هذه الأدوات، لما يوفره من قدرات هائلة في تحليل البيانات الدقيقة واتخاذ القرارات العلمية.

عبر الاستفادة من التعلم الآلي والتعلم العميق ونظم المعلومات الجغرافية ودمجها مع تقنيات الاستشعار عن بعد، أصبح بالإمكان رصد التصحر مبكرًا، والتنبؤ بمسار انتشاره، وتخطيط التدخلات الاستباقية بأقل تكلفة ممكنة.
على الرغم من التحديات المتعلقة بجودة البيانات والتكلفة والتخصصات المتعددة، فإن التعاون بين الباحثين والجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني يمكن أن يذلل العقبات ويُسهم في بناء أنظمة ذكاء اصطناعي مستدامة وفعّالة.

ومع استمرار الابتكار وظهور تقنيات جديدة مثل التعلم الفيدرالي والذكاء الاصطناعي التفسيري، نتطلع إلى مستقبل أفضل للأراضي القاحلة وشبه القاحلة، إذ يمكن أن يتحقق الأمن الغذائي والحفاظ على التنوع البيولوجي والتخفيف من آثار التغير المناخي عبر نهج بيئي ذكي ومستدام.

* الدكتورة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق استعدادات مكثفة لانطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية بالشرقية
التالى "العربي الاشتراكي": توجيهات الرئيس السيسي بشأن الإعلام نقلة نوعية بمسار بناء الوعي الوطني