
في تصعيد سياسي غير مسبوق، اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلفه الرئيس الأسبق باراك أوباما بـ"الخيانة"، زاعمًا أن الأخير قاد مؤامرة لتقويض رئاسته الأولى عام 2016 من خلال ربط حملته الانتخابية بالتدخل الروسي المزعوم.

جاءت هذه التصريحات خلال لقاء صحفي في المكتب البيضاوي يوم الثلاثاء 22 يوليو 2025، بينما كان ترامب يستضيف الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن.
ورد مكتب أوباما ببيان نادر وصف فيه الاتهامات بأنها "سخيفة" و"محاولة ضعيفة لصرف الانتباه"، مما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية. فما هي تفاصيل هذه القصة، وما السياق الذي أدى إلى هذا التصعيد؟
جذور الاتهام
خلال اللقاء في المكتب البيضاوي، قال ترامب: "لقد أمسكوا بالرئيس أوباما متلبسًا. لقد حاولوا سرقة الانتخابات، وتعميتها، وقاموا بأشياء لا يمكن تخيلها حتى في دول أخرى. إنه مذنب، هذه خيانة، وكل كلمة يمكن أن تُطلق عليها"، وفقًا لما نقلته بي بي سي، الثلاثاء.
واستند ترامب في اتهاماته إلى تقرير مثير للجدل أصدرته مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد يوم الجمعة السابقة، والذي زعم أن مسؤولي إدارة أوباما تلاعبوا بمعلومات استخباراتية للإضرار بحملة ترامب الانتخابية عام 2016.
وزعمت جابارد أن وثائق رفعت عنها السرية تُظهر أن إدارة أوباما قامت بقمع تقييم استخباراتي يفيد بأن روسيا لم تؤثر على نتائج الانتخابات الأمريكية من خلال أنشطة سيبرانية خبيثة، وهي اتهامات وصفها الديمقراطيون بأنها "كاذبة"، حسبما ذكرت بي بي سي.
تحديدًا، أشار تقرير جابارد إلى وثيقة من الإحاطة اليومية للرئيس بتاريخ 8 ديسمبر 2016، أعدتها رؤساء الأجهزة الأمنية لأوباما، وجاء فيها: "نقدّر أن الجهات الروسية والإجرامية لم تؤثر على نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة من خلال أنشطة سيبرانية خبيثة ضد البنية التحتية للانتخابات".
لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) عارض هذه النتائج التي شارك في صياغتها في البداية، وفي اليوم التالي، عقد اجتماع في البيت الأبيض مع كبار المسؤولين. بعد ذلك، أرسل أحد مساعدي مدير الاستخبارات الوطنية آنذاك، جيمس كلابر، بريدًا إلكترونيًا إلى رؤساء الاستخبارات يطلب إعداد تقييم جديد "بناءً على طلب الرئيس" يوضح "الأدوات التي استخدمتها موسكو والإجراءات التي اتخذتها للتأثير على انتخابات 2016"، وفقًا لما ورد في تقرير بي بي سي.
وزعمت جابارد أن هذه الوثائق تُظهر "مؤامرة خيانية" للإضرار بترامب، وهددت بإحالة مسؤولي إدارة أوباما إلى وزارة العدل للمحاكمة، حسبما نقلت قناة بي بي سي البريطانية.
رد أوباما
فيما رد مكتب باراك أوباما ببيان رسمي نادر عبر المتحدث باتريك رودنبوش، الذي قال: "من باب احترام منصب الرئاسة، لا نرد عادةً على الهراء المستمر والمعلومات المغلوطة المتدفقة من البيت الأبيض. لكن هذه الادعاءات شنيعة بما يكفي لتستحق ردًا. هذه الاتهامات الغريبة سخيفة ومحاولة ضعيفة لصرف الانتباه"، وفقًا لما نقلته بي بي سي (23 يوليو 2025).
وأضاف البيان أن "لا شيء في الوثيقة الصادرة الأسبوع الماضي يناقض الاستنتاج المقبول على نطاق واسع بأن روسيا عملت على التأثير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016 لكنها لم تنجح في التلاعب بالأصوات"، حسبما ذكرت بي بي سي.
وشدد البيان على أن تقرير مجلس الشيوخ الثنائي الحزب عام 2020، الذي شارك فيه السيناتور الجمهوري ماركو روبيو (وزير الخارجية الحالي في إدارة ترامب)، أكد هذه النتائج، مما ينفي مزاعم جابارد.
السياق والتحليل
وتأتي تصريحات ترامب في وقت يواجه فيه ضغوطًا سياسية متزايدة بشأن قضية جيفري إبستين، الذي انتحر في السجن عام 2019 أثناء انتظار محاكمته بتهم الاتجار بالجنس.
ووفقًا لـ بي بي سي، جاءت اتهامات ترامب ضد أوباما أثناء مواجهته لأسئلة من الصحفيين حول إبستين، حيث يطالب العديد من أنصاره والمعارضين على حد سواء بإصدار المزيد من المعلومات حول هذه القضية.
وحاول ترامب تحويل الانتباه، قائلًا: "الصيد الساحر الذي يجب أن تتحدثوا عنه هو أنهم أمسكوا بالرئيس أوباما متلبسًا"، حسبما نقلت بي بي سي. كما أثار جدلًا إضافيًا بنشره مقطع فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي عبر منصته Truth Social يُظهر أوباما يُعتقل في المكتب البيضاوي، وهو ما وُصف بأنه محاولة لتأجيج التوترات السياسية.
تقرير الاستخبارات الأمريكية الصادر في يناير 2017، وفقًا لـ بي بي سي، أكد أن روسيا سعت إلى الإضرار بحملة هيلاري كلينتون ودعم ترامب في انتخابات 2016 من خلال مزارع بوتات على وسائل التواصل الاجتماعي واختراق بريد إلكتروني للحزب الديمقراطي، لكنها خلصت إلى أن التأثير كان محدودًا ولم يغير نتائج الانتخابات. تقرير مجلس الشيوخ الثنائي الحزب عام 2020، الذي شارك فيه ماركو روبيو، عزز هذه النتائج، مشيرًا إلى أن روسيا استخدمت المتعامل السياسي الجمهوري بول مانافورت وموقع ويكيليكس لمحاولة التأثير على الانتخابات لصالح ترامب، حسبما ذكرت رويترز.
في المقابل، تقرير المستشار الخاص روبرت مولر (2019) لم يجد أدلة على تواطؤ بين حملة ترامب والكرملين، بينما وجد تقرير المستشار الخاص جون دورهام، الذي عينه ترامب، أن التحقيق الأصلي لمكتب التحقيقات الفيدرالي افتقر إلى "الصرامة التحليلية" واعتمد على معلومات "غير مدققة"، حسبما نقلت بي بي سي.
ردود الفعل
وأثارت تصريحات ترامب ردود فعل متباينة. دعم رئيس مجلس النواب مايك جونسون فكرة التحقيق مع أوباما، قائلًا في مقابلة مع سي بي إس: "الأشخاص الذين يتم استهدافهم الآن كانوا متورطين في مخطط... لقد كذبوا على الشعب الأمريكي". لكن وزارة العدل لم تعلن عن أي تحقيق رسمي حتى الآن، حسبما ذكرت نيوزويك.
من جهة أخرى، وصف النائب الديمقراطي جيم هايمز، عضو لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، اتهامات جابارد بأنها "كذبة"، مشيرًا إلى أن ماركو روبيو، الذي شارك في تقرير مجلس الشيوخ 2020، يمكنه تأكيد ذلك. وكتب هايمز على منصة X: "هذه كذبة، وإذا كان الرئيس مشوشًا، يمكنه أن يسأل ماركو روبيو"، وفقًا لما نقلته رويترز.
كما أشار تقرير إن بي سي نيوز إلى أن إدارة أوباما لم تدّعِ قط أن الهجمات السيبرانية الروسية أثرت على نتائج الانتخابات، بل ركزت على جهود روسيا للتأثير من خلال تسريب وثائق واستخدام مزارع الترول.
السياق القانوني والسياسي
تعريف الخيانة في الدستور الأمريكي (المادة الثالثة، القسم 3) يقتصر على "شن حرب ضد الولايات المتحدة أو تقديم المساعدة والدعم لأعدائها"، ويتطلب شهادة شاهدين أو اعترافًا علنيًا. وفقًا لمجلة نيوزويك، لم يُسجل في التاريخ الأمريكي سوى حوالي 40 قضية خيانة، معظمها لم تؤد إلى إدانات، وحصانة الرؤساء السابقين من الملاحقة عن الأفعال الرسمية، كما أقرها قرار المحكمة العليا العام الماضي، تجعل ملاحقة أوباما قانونيًا غير مرجحة. كما أن توقيت اتهامات ترامب يتزامن مع ضغوط سياسية متزايدة حول قضية إبستين، حيث حاول ترامب تحويل الانتباه عن هذه القضية، وفقًا لـ الجزيرة (22 يوليو 2025)، التي أشارت إلى أن نشر فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يُظهر أوباما يُعتقل زاد من حدة الجدل.
اتهامات ترامب ضد أوباما بالخيانة تستند إلى تقرير تولسي جابارد المثير للجدل، لكنها تفتقر إلى أدلة ملموسة وتناقض تقارير استخباراتية سابقة، مثل تقرير مجلس الشيوخ الثنائي الحزب 2020 وتحقيق مولر، التي أكدت تدخل روسيا في انتخابات 2016 دون تغيير نتائج التصويت.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن رد أوباما، الذي نادرًا ما يعلق على هجمات ترامب، يعكس محاولة لتهدئة الخطاب السياسي المتصاعد.
وتُظهر هذه الحادثة عمق الاستقطاب السياسي والانقسامات في الولايات المتحدة، حيث تُستخدم اتهامات خطيرة مثل "الخيانة" لتصعيد التوترات وصرف الانتباه عن قضايا أخرى، مثل ملف إبستين.