رغم التوترات الجيوسياسية المحيطة بمصر والأزمات الاقتصادية العالمية، إلا أن الجنيه المصري أثبت قدرة على الصمود أمام الدولار، مما انعكس على ارتفاع معدلات جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة تحويلات المصريين بالخارج، إضافة إلى تعزيز الاحتياطي النقدي.
هذا المشهد الإيجابي يؤكد أن الإصلاحات الاقتصادية بدأت تؤتي ثمارها، حيث يشهد القطاع الخاص والصناعات المحلية نمواً متسارعاً، مدفوعاً بثقة المستثمرين في استقرار السوق المصري. ويرى خبراء اقتصاد أن هذا الأداء الاستثنائي يعكس متانة البنية الاقتصادية المصرية وقدرتها على مواجهة التحديات.

تحسن الجنيه أمام الدولار واستقرار الأسواق
من جانبه قال الخبير الاقتصادي بمركز الأبحاث و الدراسات الاقتصادية الدكتور محمد الشناوي لـ"البوابة نيوز" : شهدت الفترة تحسناً ملحوظاً في أداء الجنيه المصري أمام الدولار، وهو ما اعتبره مؤشراً على نجاح السياسات المالية والنقدية المتبعة فقد أدى هذا التحسن إلى تهدئة الأسواق وطمأنة المستثمرين بشأن مستقبل العملة المحلية .
وفى ذات السياق متفقا أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور أحمد عبد السلام لـ"البوابة نيوز" : أن قوة الجنيه جاءت نتيجة توازن العرض والطلب وتدفق الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن نجاح البنك المركزي في إدارة الاحتياطيات النقدية بكفاءة عالية.
وأكد : أن استقرار العملة بات من أهم العوامل التي تشجع رؤوس الأموال الأجنبية على دخول السوق المصري

تأثير زيارة بعثة صندوق النقد الدولي
وأضاف : في قلب هذا التحول تقف زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة، والتي دشنت الجولة الخامسة من مراجعة برنامج التمويل الموقع مع الحكومة المصرية. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية الشكل، بل كانت بمثابة شهادة جديدة على التزام الدولة بإجراءات الإصلاح المالي، وقدرتها على تنفيذ البنود المتفق عليها، وهو ما خلق حالة من الاطمئنان في السوق وأعاد رسم التوقعات المستقبلية ، أعمال المراجعة شملت ملفات بالغة الحساسية، منها خفض الدين العام، والسيطرة على عجز الموازنة، وتنفيذ إصلاحات هيكلية جذرية لإعادة هيكلة بنية الاقتصاد وبحسب ما أكد الخبراء، فإن مجرد وجود بعثة الصندوق يعكس حالة من الثقة المتبادلة، ما دفع الأسواق إلى استباق النتائج الإيجابية بتقليص الطلب على الدولار، وعودة الأجانب لضخ استثمارات في أدوات الدين الحكومية.
قفزة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة
ويرى الدكتور محمد الشناوي، الخبير بمركز الدراسات الاقتصادية بقوله لـ"البوابة نيوز" : أن تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر خلال الأشهر الماضية بشكل لافت، وهو ما يراه الخبراء دليلاً على تحسن المناخ الاستثماري، فقد تمكنت الحكومة من توقيع عدة اتفاقيات مع شركات عالمية في مجالات الطاقة، والصناعات التحويلية، والخدمات.
وأردف : أن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار أعطى رسالة إيجابية عن استقرار السوق المصري، ما عزز ثقة المستثمرين وجذبهم للعمل فى مصر حاليا ، وأشار إلى أن الإصلاحات التشريعية وتسهيل إجراءات التراخيص لعبت دوراً محورياً في زيادة الاستثمارات، التي بدورها خلقت فرص عمل وأسهمت في دفع النمو الاقتصادي.
تحويلات المصريين بالخارج تحقق أرقاماً قياسية .
وفى سياق متصل قال الدكتور عبد السلام لـ"البوابة نيوز" : من أبرز المؤشرات الإيجابية أيضاً الزيادة الملحوظة في تحويلات المصريين بالخارج، والتي سجلت مستويات قياسية خلال الفترة الأخيرة ، ويؤكد خبراء أن قوة الجنيه المصري كانت دافعاً رئيسياً لتزايد هذه التحويلات، حيث فضل الكثيرون توجيه مدخراتهم إلى الداخل للاستفادة من الاستقرار المالي. وأضاف : أن هذه التحويلات تمثل رافداً أساسياً للاقتصاد الوطني، حيث تساهم في تعزيز الاحتياطي النقدي وتوفير السيولة اللازمة لدعم المشروعات القومية، كما أن ارتفاع التحويلات يعكس ثقة المصريين بالخارج في استقرار الاقتصاد المصري.
ارتفاع الاحتياطي النقدي رغم الأزمات العالمية
ويكمل الدكتور عبد السلام قائلالـ"البوابة نيوز" : على الرغم من الأزمات العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا وتقلبات أسعار الطاقة، فإن مصر تمكنت من تعزيز احتياطياتها النقدية بشكل لافت ، هذا الإنجاز يعكس قوة الإدارة المالية والقدرة على التكيف مع التحديات.
وأوضح متفقا معه الدكتور الشناوي قائلا : أن ارتفاع الاحتياطي الأجنبي يعد من أهم عوامل استقرار سعر الصرف وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري. وأضاف أن هذه الخطوة منحت الحكومة مرونة أكبر في تمويل الواردات وسداد الالتزامات الخارجية، مما قلل من الضغوط التضخمية وحافظ على معدلات النمو المستهدفة.
نمو الصناعات وتنامي دور القطاع الخاص
ويكمل : يشهد القطاع الصناعي طفرة واضحة، مع دخول استثمارات جديدة في مجالات النسيج والدواء والبتروكيماويات، وهو ما ساعد على زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. في الوقت نفسه، يواصل القطاع الخاص لعب دور محوري في تعزيز النمو، حيث أصبح شريكاً أساسياً في التنمية. ويرى الخبراء أن تزايد مساهمة القطاع الخاص يعكس نجاح السياسات الحكومية في فتح المجال أمام الشركات الوطنية والأجنبية. كما أن هذا النمو الصناعي يساهم في توفير فرص عمل جديدة وتحقيق طفرة في الصادرات، مما يعزز من قوة الجنيه ويثبت مكانة الاقتصاد المصري.
الاقتصاد المصري نموذجاً للصمود والتكيف
ويختتم : في ظل التحديات الإقليمية والعالمية، يقدم الاقتصاد المصري نموذجاً للصمود والتكيف، حيث استطاع الجنيه المصري تعزيز موقعه أمام الدولار، وجذب استثمارات أجنبية متزايدة، إلى جانب تسجيل تحويلات تاريخية للمصريين بالخارج. ورغم التوترات المحيطة، ارتفع الاحتياطي النقدي وتوسعت الصناعات المحلية، ما يؤكد أن مصر تسير بخطوات ثابتة نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقراراً. ويجمع الخبراء على أن هذه النجاحات ليست وليدة اللحظة، بل ثمرة لإصلاحات مستمرة وإرادة سياسية واقتصادية واضحة.