صدر حديثًا عن دار فهرس للنشر والتوزيع كتاب "قراءة في دفتر أحوال حكيم شعر العامية فؤاد قاعود" للشاعر والناقد البارز محمد علي عزب.
يعكس الكتاب مكانة محمد علي عزب، ليس فقط كصوت شعري خاص في العامية المصرية من خلال دواوينه السبعة المميزة مثل "أوراق خريف العشق" و"قبضة ضغط الدم والعصافير اللي هناك"، بل أيضًا كناقد يمتلك رؤية تحليلية عميقة ومشروعًا نقديًا ذا خصوصية، يتجلى في دراساته السابقة وحتى في كتابه عن الشاعر أمل دنقل "الشاعر أمل دنقل أيقونة الرفض والمفارقة".
جوهر الرؤيا الشعرية
ـ نظرة معمقة على فصول الكتاب ومباحثه
يقدم الكتاب دراسة نقدية معمقة لشعر فؤاد قاعود، مقسمًا إلى فصلين رئيسيين، يتناول كل منهما مبحثين تفصيليين يكشفان عن جوانب مهمة في تجربة الشاعر الإبداعية:
الفصل الأول: الرؤيا الشعرية وبلاغة سَبْك وحَبْك المتنوِّع اللغوي
يتناول هذا الفصل جوهر الرؤيا الشعرية لدى فؤاد قاعود وكيف تتشكل لغويًا وفنيًا.
المبحث الأول: الرؤيا الشعرية والموقف الثوري الاجتماعي
يُسلط هذا المبحث الضوء على ملمح جوهري يميز رؤيا فؤاد قاعود الشعرية: الحس الفلسفي. يتجلى هذا الحس في التأمل الروحي والفكري والجمالي، واستبطان الذات لإدراك ماهيتها وموقفها من قضايا العالم. كما يتناول المبحث توظيف الشاعر للرموز والمصطلحات الفلسفية مثل الحدس والشهود والعرفان، والتي تكتسب دلالات جديدة ضمن سياق النص الشعري.
وقد قام عزب بتأويل هذه التجليات النصية واللغوية للحس الفلسفي والموقف الثوري، وذلك عبر إقامة حوار تفاعلي بين "أفق المُؤوِّل" (خلفية الناقد المعرفية والثقافية) و"أفق النص" (الظروف التاريخية والثقافية المحيطة بالمؤلف). يُعد هذا الحوار التفاعلي، المستوحى من فلسفة "جورج هانز جادامر"، أساسًا لفهم النص وبناء المعنى المحتمل.
المبحث الثاني: بلاغة سبْك وحبْك المتنوِّع اللغوي في شعر العامية
يقدم هذا المبحث إطارًا مفاهيميًا لما أسماه المؤلف "بلاغة سبْك وحبْك المتنوِّع اللغوي في شعر العامية"، وهو مصطلح ابتكره عزب ليشير إلى الربط الشكلي والدلالي بين العناصر اللغوية المتنوعة في النص الشعري العامي. يرصد الكتاب ثلاثة أشكال رئيسية لهذا التنوع:
التنوع على مستوى الخامة اللغوية: دمج مفردات وتراكيب فصيحة في القصيدة العامية.
التنوع التركيبي والمجازي: استخدام مجازات الشارع والأمثال الشعبية.
التنوع الخاص بالتراكيب اللغوية: الإشارة إلى الطبقات الاجتماعية والثقافات والمهن المختلفة.
ولكل شكل من هذه الأشكال، يقترح عزب تسميات اصطلاحية مستوحاة من الفنون الزخرفية التراثية، وهي: التطعيم أو الترصيع، التعشيق، والتوشيج، مقدمًا نماذج تطبيقية من شعر فؤاد قاعود لكل منها، مع تأكيد إمكانية تطبيق هذه المصطلحات الإجرائية على أي قصيدة عامية أخرى.
ـ الفصل الثاني: جماليات الرمز والقناع في شعر فؤاد قاعود
الرمز الشعري
يكشف هذا الفصل عن جماليات الرمز والقناع كعناصر أساسية في بناء قصائد فؤاد قاعود.
المبحث الأول: جماليات الرمز ودوره في بناء القصيدة على شكل حكاية شعبية "حدوتة"
يتناول هذا المبحث تقنية الرمز الشعري التي وظفها فؤاد قاعود بكثرة لتجسيد تجربته الشعرية وبنائها على شكل "حواديت" شعبية. يقدم الشاعر عبر هذه الحكايات صراعًا رمزيًا بين قوى الخير والشر، مقدمًا عبرة أو أمثولة يستشفها القارئ. يشير عزب إلى تنوع مرجعيات الرموز عند قاعود، والتي تتراوح بين عناصر البيئة والطبيعة والتراث الشعبي والتاريخ العربي والآداب العربية والعالمية، مدعمًا ذلك بأمثلة تطبيقية توضح أسلوبه في توظيف الرمز وإنتاجه للدلالة الإيحائية.
المبحث الثاني: قناع المهن الشعبية وأساليبه التعبيرية في شعر العامية
تتبع الجذور التاريخية
يُخصص هذا المبحث لتتبع الجذور التاريخية لمفهوم القناع الشعري في الشعر الحديث والمعاصر، مستعرضًا تعريفات لجبرا إبراهيم جبرا وعبد الوهاب البياتي. يقدم الناقد أمثلة من الشعر الفصيح والعامي، مثل قصيدة "من مذكرات المتنبّي" لأمل دنقل وقصيدة "العودة" لفؤاد قاعود.
الجزء الأهم في هذا المبحث هو تأصيل مفهوم "قناع المهن الشعبية" في شعر العامية. يشير عزب إلى خصوصية هذا النوع من الأقنعة، ويحدد ثلاثة أساليب رئيسية في الأداء الدرامي والتمثيلي للقصيدة، مستعيرًا تسميات اصطلاحية من فنون التمثيل الشعبي وحيل الشطار والعيارين وسير الأبطال في التراث الشعبي:
أسلوب تلوين عرض الأحوال.
أسلوب المحبظاتي وأصحاب الرمز.
أسلوب الملعوب والتمويه الإيحائي.
يقدم الكتاب نماذج تطبيقية من شعر فؤاد قاعود لكل أسلوب من هذه الأساليب التي رصدها عزب ووضع لها تسميات اصطلاحية يمكن تطبيقها في دراسة قناع المهن الشعبية في أي قصيدة عامية
يُعد "قراءة في دفتر أحوال حكيم شعر العامية فؤاد قاعود" إضافة قيّمة للمكتبة النقدية العربية، ويقدم فهمًا عميقًا ودقيقًا لإحدى القامات الشعرية المهمة في العامية المصرية، مؤكدًا على التطور المنهجي في مشروع محمد علي عزب النقدي.