اقرأ في هذا المقال
- يمضي استهلاك الكهرباء في أميركا نحو مستويات قياسية
- يتبنّى ترمب نهجًا مناهضًا لمصادر الطاقة المتجددة
- طاقة الشمس والرياح لا تقدر وحدها على تغطية احتياجات الكهرباء
- تطبيقات الذكاء الاصطناعي تدعم الطلب الزائد على الكهرباء في أميركا
- أميركا أكبر منتِج ومصدر للغاز المسال في العالم
يمضي الطلب على الكهرباء في أميركا نحو مسارٍ صعودي، متجهًا لمستوياتٍ قياسيةٍ؛ ما يحتّم على صنّاع القرار في أكبر اقتصاد عالميًا، توسيع قدرات الشبكة عبر البحث عن مصادر بديلة للطاقة المتجددة ذات الطبيعة المتقطعة.
ويتبنّى الرئيس دونالد ترمب -بعكس سلفه جو بايدن- إستراتيجيةً عدائيةً للمصادر النظيفة، وهو ما يظهر في القيود التي يفرضها على مشروعات الطاقة المتجددة؛ ما قد ينذر بأزمة كهرباء حادّة في البلاد، ويرفع من تكاليفها بالنسبة للمستهلكين.
ويأتي ارتفاع الطلب على الكهرباء في أميركا مدعومًا بعوامل مثل النمو الاقتصادي والتوسع في مراكز البيانات والأنشطة كثيفة الاستهلاك للكهرباء، لا سيما تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ووفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يُتوقَّع ارتفاع استهلاك الكهرباء في أميركا خلال العامين الحالي والمقبل، ليصل إلى إلى 4.205 تريليون كيلوواط/ساعة، و4.252 تريليون كيلوواط/ساعة على الترتيب، قياسًا بنحو 4.097 تريليون كيلوواط/ساعة في 2024.
محركات الطلب
تحدَّث نائب الرئيس التنفيذي لمنصة "إس أند بي غلوبال" وخبير الطاقة دانييل يرغن عن منظومة الكهرباء في أميركا، مستفسرًا إذا كان من الممكن إنتاج كهرباء في البلاد تكفي لدعم الطلب المتنامي لدى شركات التقنية المتخصصة في إنتاج تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وقال يرغن: "حاليًا تُمثّل مراكز البيانات أكثر من 4% من استهلاك الكهرباء في أميركا، وهو رقم مرشّح للزيادة إلى 10% في غضون 5 أعوام"، في حواره مع موقع "بوك نيوز".
وتابع: "وهناك أيضًا احتياجات الكهرباء لإنتاج الرقائق الإلكترونية"، مضيفًا: "أينما ذهبتَ الآن، تشعر بالقلق إزاء كفاية الكهرباء، وموثوقية المنظومة بوجه عام".
وأقرَّ بأن طاقة الشمس والرياح لن تفي باحتياجات الكهرباء في أميركا، قائلًا: "سنعتمد في الوقت الراهن على التوربينات الكهربائية الحديثة العاملة بالغاز الطبيعي".
واستشهد دانييل يرغن بتزايُد الطلب على تلك التوربينات في شركات التصنيع الـ3 الكبرى، وهي جنرال إلكتريك فيرنوفا وسيمنس وشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

النهضة النووية.. هل هي الحل؟
تطرَّق دانييل يرغن في حواره إلى النهضة الحاصلة في صناعة الطاقة النووية، والآمال المعلقة عليها بتعزيز إمدادا الكهرباء في أميركا.
وقال: "هناك حاليًا نهضة مستمرة في الطاقة النووية في الولايات المتحدة.. قبل 5 سنوات، كانت المحطات المبنية حديثًا قد اكتملت تقريبًا".
وأشار إلى أن شركات التقنية الكبرى تقود الآن نهضة الطاقة النووية من أجل تسهيل ضخ الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي المزدهر.
ففي إطار مساعيها لسدّ احتياجات الكهرباء لدى شركة مايكروسوفت، تستأنف شركة كونستيليشن إنرجي (Constellation Energy) العمل بأحد مفاعلاتها النووية في محطة ثري مايل آيلاند (Three Mile Island) النووية الواقعة في بنسلفانيا.
كما أبرمت شركة أمازون اتفاقيةً مع شركة تالين إنرجي (Talen Energy)، ومقرّها أيضًا في بنسلفانيا، وهو ما ينطبق كذلك على شركة ميتا (Meta) التي وقّعت صفقةً مع شركة طاقة نووية في إلينوي.
ومع ذلك، قال دانييل يرغن: إن "الطاقة النووية ليست حلًا مستقبليًا"، مؤكدًا أنه ليس متفاجئًا من تزايد الاهتمام بالطاقة النووية في الولايات المتحدة، نظرًا إلى ارتفاع الطلب على الأحمال الأساسية، أو حتى بسبب الحدّ الأدنى من الكهرباء التي تستطيع الشبكة إمداده باستمرار.
وأشار إلى أن المصادر المتجددة مثل طاقة الشمس والرياح لا يمكنها سوى توليد الكهرباء في أميركا بشكل متقطع.
وأكمل: "الشركات التي تنفق عشرات المليارات من الدولارات على مراكز البيانات تحتاج إلى تأمين وصولها إلى الكهرباء الموثوقة"، وفق تصريحاته التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
واستطرد: "هذا رهان على أن الطاقة النووية جزء من هذا الحل، أو دعنا نقول بعبارة أخرى، إن ثمة سعة إنتاجية كبيرة تلوح في الأفق؛ وهو ما يثير تساؤلًا حول مقدار السعة الإنتاجية الكافية، وإذا كانت الصناعة على وشك مواجهة فائض جديد في الإمدادات".
حروب المصاهر
سلَّط دانييل يرغن الضوء على إحدى العقبات التي تقف بوجه منظومة الكهرباء في أميركا، ممثلةً في معدن النحاس ذات الوفرة المحدودة في البلاد.
وأوضح أن المصادر البديلة لتوليد الكهرباء في أميركا -وهي طاقة الشمس والرياح، إلى جانب بطاريات السيارات الكهربائية- تستعمِل كمياتٍ كبيرة من المعدن الأحمر؛ وهو ما ينطبق كذلك على مراكز البيانات ومصنّعي المعدّات الدفاعية.
ومع ارتفاع الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، زادت التحديات في الحصول على إمدادات النحاس الذي ارتفع سعره بنسبة 41% منذ بداية العام الحالي حتى الآن.
وفي العاصمة الأميركية واشنطن، تتنامى المخاوف إزاء الطلب المرتفع على النحاس في ظل شُحّ الإمدادات.
وقال يرغن: "هنا تتشابك كل قضايا الطاقة مع الجغرافية السياسية"، مُردفًا: "إنها المنافسة والتوترات مع الصين، نظرًا إلى الهيمنة الصينية في سلاسل إمدادات المعادن عالميًا".
وسبق أن امتلكت الولايات المتحدة أكثر من 19 مصهرًا للنحاس، لم يتبقَّ منها الآن سوى مصهرَبن عاملَين، بينما تزيد أعداد مصاهر النحاس في الصين على 50، بحسب يرغن.
وأردف: "تتبوّأ الصين كذلك موقع الريادة في مجال معالجة المعادن، في حين من الصعب جدًا بناء شيء في الولايات المتحدة بسبب التراخيص".

الغاز المسال.. تفوق أميركي
أصبحت الولايات المتحدة أكبر مُنتِج ومصدر للغاز الطبيعي المسال، وفي هذا الصدد قال دانييل يرغن: "يمثّل الغاز المسال قرابة نصف قيمة صادراتنا من الرقائق الإلكترونية، وضعف قيمة صادرات هوليوود من الأفلاك والبرامج المتلفزة"، مؤكدًا أن الغاز الطبيعي المسال قد "أصبح صناعة إستراتيجية".
وأشار إلى أنه دون الوقود منخفض الانبعاثات، لكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قد حسم الحرب الأوكرانية بكل أريحية بعد قطع إمدادات الغاز المسال الواصلة من بلاده إلى أوروبا.
لكن نجحت أميركا -والكلام ما يزال لخبير الطاقة- في تزويد أوروبا باحتياجاتها من الغاز المسال الذي يمكن استعماله كذلك في توليد الكهرباء.
صناعة النفط
تُظهِر مؤشرات صناعة النفط في أميركا مؤشراتٍ إيجابيةً؛ ما يتجلى في صعود الإنتاج من 5 ملايين برميل يوميًا في عام 2008 إلى 13.5 مليون برميل يوميًا هذا العام، بحسب أرقام رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وقال يرغن، إن هناك كذلك 6 ملايين برميل يوميًا من السوائل النفطية، مردفًا: "في مرحلةٍ ما كان يُعتقَد أن إنتاج النفط الأميركي قد يصل إلى 15 مليون برميل يوميًا، أما الآن، فهناك شعور بأن أميركا ربما بلغت ذروة إنتاج النفط، وهي ذروة كبيرة، تتفوق حتى على نظيرتيها في السعودية وروسيا".
واختتم حواره بقوله: "وبصرف النظر عن ذلك، ما تزال أميركا اللاعب المهيمن في قطاع النفط والغاز الطبيعي العالمي".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..