في خطوة حاسمة تؤكد جدية الدولة المصرية في مواجهة صور الاستغلال البشعة التي تطال الأطفال، أعلنت وزارة الداخلية خلال الأيام القليلة الماضية عن سلسلة حملات مكثفة استهدفت شبكات استغلال القُصَّر في أعمال التسول وبيع السلع بطريقة إلحاحية بشوارع القاهرة والجيزة.
وجاءت هذه الحملات، التي جرت خلال أقل من 72 ساعة فقط، لتعكس إصرار أجهزة الأمن على مواجهة هذه الظاهرة التي تمثل جريمة مزدوجة: اعتداء على براءة الطفولة، وتهديدًا للأمن الاجتماعي.

حملات نوعية تكشف استغلال القُصَّر وتعيدهم إلى أحضان أسرهم ودور الرعاية
وتشير تقارير أمنية إلى أن استغلال الأطفال في أعمال التسول لم يعد مجرد سلوك فردي عشوائي، بل بات في كثير من الأحيان نشاطًا منظَّمًا تديره مجموعات تستغل هشاشة وضعف هؤلاء القُصَّر، فتدفع بهم إلى الشوارع في مشاهد صادمة، وتحرمهم من أبسط حقوقهم في التعليم والحياة الكريمة. من هنا، جاء تدخل الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث، كذراع متخصصة لوزارة الداخلية، ليضع حدًا لهذه الممارسات عبر ضبط المتورطين، وإنقاذ الأطفال وتسليمهم لأسرهم أو إيداعهم دور الرعاية إذا تعذر التواصل مع ذويهم.

هذه الجهود الأمنية تتسق مع رؤية الدولة المصرية لحماية النشء من المخاطر الاجتماعية، وتؤكد أن الأمن لا يقتصر على مكافحة الإرهاب أو الجرائم التقليدية، بل يمتد ليشمل صون كرامة المواطن منذ طفولته.
كما أن هذه الحملات تحمل رسالة واضحة للمجتمع بأن السكوت عن استغلال الأطفال جريمة لا تقل خطرًا عن أي جريمة أخرى، وأن الدولة حاضرة بقوة لتجفيف منابعها.

القاهرة والجيزة.. ضبط 35 طفلًا مستغلين في أعمال التسول
نجحت أجهزة وزارة الداخلية في ضبط 35 طفلًا من المعرضين للخطر أثناء قيامهم بأعمال التسول واستجداء المارة وبيع السلع بطريقة إلحاحية بنطاق محافظتي القاهرة والجيزة.
وتم تسليم الأطفال لأسرهم بعد أخذ التعهد اللازم عليهم بحسن رعايتهم، فيما جرى التنسيق مع الجهات المعنية لإيداع من تعذر الوصول إلى أهليتهم بدور الرعاية.

مصر الجديدة والنزهة.. إسقاط شبكة من 16 متهمًا
تمكنت مباحث رعاية الأحداث من ضبط 16 شخصًا (15 منهم لهم معلومات جنائية) لقيامهم باستغلال 15 طفلًا في التسول وبيع السلع بدائرتي مصر الجديدة والنزهة بالقاهرة. وبمواجهتهم أقروا بارتكابهم الجريمة، وجرى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

6 أكتوبر.. 17 متهمًا في قبضة الأمن
في نطاق الجيزة، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على 17 شخصًا (11 منهم لهم معلومات جنائية) لاستغلالهم 15 طفلًا في التسول وبيع السلع بطريقة إلحاحية بمدينة 6 أكتوبر أول.
وأقر المتهمون بجرائمهم عقب مواجهتهم بالأدلة.

مدينة نصر.. سقوط عاطلين و4 سيدات متورطات
أسفرت حملة أمنية بدائرة قسم أول مدينة نصر عن ضبط 6 متهمين (عاطلان و4 سيدات، جميعهم لهم معلومات جنائية) لاستغلالهم 26 طفلًا في التسول. وبمواجهتهم اعترفوا بالواقعة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، مع إعادة الأطفال لأسرهم أو إيداعهم دور الرعاية.

أشاد خبراء أمنيون بجهود وزارة الداخلية، مؤكدين أن هذه الحملات تمثل نقلة نوعية في مواجهة جريمة “الاتجار بالأطفال” المقنعة تحت ستار التسول. اللواء محمد عبد الحميد، الخبير الأمني، أوضح في تصريحات صحفية أن ضرب هذه الشبكات يوجّه رسالة قوية بأن استغلال القُصَّر لم يعد مسموحًا به، وأن الأجهزة الشرطية تمتلك خططًا واضحة لتجفيف منابع الظاهرة، سواء عبر المتابعة الميدانية أو عبر التحريات الدقيقة.

التسول المنظَّم للأطفال يترك آثارًا نفسية مدمرة
ومن جانبه، يرى الدكتور أحمد عبدالسميع، أستاذ علم النفس، في تصريحات صحفية أن التسول المنظَّم للأطفال يترك آثارًا نفسية مدمرة، أبرزها فقدان الثقة بالنفس والانخراط في أنماط سلوكية منحرفة لاحقًا.
وأضاف: “التجارب العلمية أثبتت أن الأطفال الذين يُستغلون في التسول يصبحون أكثر عرضة للانحراف أو الإدمان مستقبلًا ما لم يتدخل المجتمع مبكرًا لإنقاذهم”.

أما الدكتورة منى الطحان، خبيرة علم الاجتماع، فأكدت أن هذه الحملات الأمنية يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع خطط مجتمعية لتأهيل الأطفال ورعاية أسرهم اقتصاديًا، مشيرة إلى أن جذور المشكلة ترتبط غالبًا بالفقر والبطالة والتفكك الأسري.
وأضافت أن تعاون مؤسسات المجتمع المدني مع الدولة في رعاية هؤلاء الأطفال سيُعيد دمجهم بشكل صحي في المجتمع ويغلق الباب أمام إعادة استغلالهم.
واختتم الخبراء آراءهم بالتأكيد على أن الحرب على جرائم استغلال الأطفال ليست معركة أمنية فقط، بل هي قضية مجتمع بأكمله، تستلزم تكاتف الدولة والأسرة والمدرسة والإعلام، لحماية جيل كامل من الضياع.
الداخلية تعلن الحرب على جرائم الاتجار بالأطفال في أعمال التسول









