تتطلّب مشروعات الهيدروجين الأخضر توافر كميات كبيرة من المياه العذبة، حتى تتمكّن أجهزة التحليل الكهربائي من فصل جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين.
ويُعدّ الاستهلاك الكبير للمياه شبحًا يطارد هذه المشروعات، وقد يؤدي نقصها إلى إلغاء خطط باستثمارات ضخمة.
ومن شأن ذلك أن يعرقل خطط تطوير الوقود النظيف في بعض البلدان النامية والفقيرة بالموارد، وعلى رأسها القارة الأفريقية، حسب تحديثات للقطاع تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
ورغم المعضلة فإن هناك رؤية متفائلة طرحها مدير معهد أبحاث الهيدروجين الأخضر بالوكالة في جامعة ناميبيا زيفاي تشيغوفاري، يشدد من خلالها على ضرورة النظر إلى المشروعات من نطاق أوسع يشمل أهدافًا مزدوجة وفوائد مركبة.
مشروعات الهيدروجين الأخضر في أفريقيا
لا يقتصر دور مشروعات الهيدروجين الأخضر على إنتاج الوقود النظيف فقط، بل يمكن أن تؤدي دورًا أوسع نطاقًا، خاصة لبعض دول قارة أفريقيا التي تشتد معاناتها في أكثر من قطاع.
وأكد زيفاي تشيغوفاري أن هذه المشروعات قد تتحول إلى وحدات تُقدّم خدمات متكاملة، وبدلًا من معاناتها من نقص المياه، يمكن العمل على جعلها مصدرًا للإمدادات العذبة.

وتشمل فكرة مشروعات الوحدة المتكاملة "عكس" مسار مشروعات الهيدروجين الأخضر الأفريقية، من مصدر لـ"التهام" المياه العذبة إلى مُوّرد لها.
وفسر تشيغوفاري رؤيته، مشيرًا إلى أن الهيدروجين في هذه الحالة لن يصبح منتجًا نهائيًا فقط، وإنما "حلقة" ضمن سلسلة قيمة أكثر اتساعًا لتوفير المياه والكهرباء.
وقال إنه يتعيّن على دول القارة إدراك قيمة الربط بين الهيدروجين والماء، لضمان تضافر جهود التطوير، حسب تصريحات له من ندوة افتراضية نشرها موقع إي إس آي أفريكا.
حالة ناميبيا
تملك ناميبيا موارد متجددة هائلة تجعلها بين أوفر الدول الأفريقية حظًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر، لكنها تفتقر إلى توافر المياه العذبة.
وقال زيفاي تشيغوفاري إن المياه العذبة المخصصة للشرب والزراعة تشكّل عملة نادرة في ناميبيا، بوصفها دولة صحراوية.
ورغم ذلك قد تُشكّل مشروعات الهيدروجين الأخضر الكبيرة فيها موطنًا لمحطات تحلية المياه، ما يعد تغييرًا في واقع الموارد لتأمين الماء اللازم للشرب والزراعة وغيرها من التطبيقات الأخرى.
ويأتي هذا بجانب توسعة نطاق الاستعمالات الصناعية الأخرى، وتخصيص جزء من إنتاج مشروعات الهيدروجين للاستهلاك المحلي لدعم التنمية المجتمعية.
وينطبق الأمر ذاته على الكهرباء، إذ تعتمد الدولة الأفريقية على "الواردات" لتلبية 70% من طلبها.
وكشف تشيغوفاري عن أن مشروعات الهيدروجين في ناميبيا قد تحل أزمتَي الماء والكهرباء، مشيرًا إلى أن "طفرة" الهيدروجين في البلاد تبدأ من تحلية "مياه المحيط"، لتوفير الإمدادات اللازمة للتحليل الكهربائي، وكذلك مياه الشرب والزراعة.
وفي الوقت ذاته، يمكن توسعة نطاق محطات الطاقة الشمسية الداعمة لمشروعات الهيدروجين، وتوجيه الإمدادات الفائضة عن قدرة التحليل الكهربائي لتغذية الشبكة الوطنية وتقليص الواردات.
وذهب الخبير إلى أبعد من ذلك، لافتًا إلى دور مستقبلي محتمل لمشروعات الهيدروجين في "تصدير" الكهرباء بدلًا من استيرادها من جنوب أفريقيا.
نماذج أفريقية
لا يقتصر طرح النموذج المتكامل لمشروعات الهيدروجين الأفريقية على ناميبيا فقط، فهناك نماذج من أرض الواقع رصدتها منصة الطاقة، لمشروعات تحمل منافع متعددة.
ومن بين هذه المشروعات:
1) مشروع نور - موريتانيا
تطور شركتا "توتال إنرجي" الفرنسية و"شاريوت" البريطانية مشروع نور للهيدروجين الأخضر في شمال موريتانيا بحصة متساوية، بدعم من وزارة النفط والطاقة والمعادن المحلية.
وبجانب الهيدروجين، يستهدف المشروع إنتاج الكهرباء النظيفة بنطاق واسع اعتمادًا على الرياح والطاقة الشمسية.

ويُخطط المشروع لتحليل كهربائي بقدرة تصل إلى 10 غيغاواط، ما يؤهله ليصبح أحد أكبر المشروعات العالمية.
ويستفيد المشروع من الأمونيا الخضراء المشتقة من الهيدروجين المنتج، بتوجيهها إلى صناعة الصلب، وفق رؤية شركة شاريوت.
وبذلك، يعزّز مشروع الهيدروجين إنتاج الكهرباء المتجددة، وكذلك الصناعات كثيفة الاستهلاك مثل الصلب.
2) مشروع كويغا - جنوب أفريقيا
تطور شركة "هايف إنرجي" البريطانية مشروع "كويغا" للهيدروجين الأخضر والأمونيا في خليج نيلسون بجنوب أفريقيا، بإمكانات طاقة متجددة تصل إلى 3.5 غيغاواط.
ويستهدف المشروع إنتاج ما يزيد على مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء، والتصدير إلى أميركا وأوروبا، وفق خطط منشورة على الموقع الإلكتروني لشركة "هايف إنرجي".
وحصل المشروع على صفة "مشروع إستراتيجي متكامل" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إذ تُرفق به محطة لتحلية المياه وخطوط لنقل إمداداتها، طبقًا لموقع إن إس إنرجي.
وتُحلى المياه بتنقيات التناضح العكسي، بعد استخراجها من ميناء نقورة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..