تشهد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة تصعيدًا غير مسبوق، حيث تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة التي أثارت موجة واسعة من الانتقادات الدولية. فقد نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" الاسكتلندية مقالًا بقلم النائب تومي شيبارد، يطالب بضرورة فرض "عواقب حقيقية" على إسرائيل بسبب أفعالها في غزة، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
ويستند المقال إلى تقارير الأمم المتحدة، ومن بينها تصريحات فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، التي كشفت أن 83% من الضحايا الفلسطينيين خلال العامين الماضيين كانوا من المدنيين، مما يعكس الطابع العشوائي للعمليات العسكرية. ويصف المقال هذه الأعمال بأنها "إبادة جماعية" تُبث مباشرة على شاشات التلفزيون، مؤكدًا أن دعم بعض الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، يسهم في استمرار هذه الأزمة من خلال توفير الأسلحة والغطاء السياسي، بينما يتم تجاهل الحقائق على الأرض من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية السائدة. ويحذر المقال من أن هذا الصمت والإفلات من العقاب يعززان مناخًا يسمح بمزيد من التصعيد، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لوقف المعاناة الإنسانية في غزة.
وأوضح المقال حجم الدمار الهائل في غزة، مشيرًا إلى أن إسرائيل ألقت 100 ألف طن من المتفجرات منذ أكتوبر 2023، أي ما يعادل حوالي 50 كيلوغرامًا من المتفجرات لكل فرد في القطاع، مما أدى إلى مقتل أو إصابة واحد من كل عشرة سكان، وتسبب في مجاعة واسعة النطاق ونقص حاد في الغذاء، الدواء، والمأوى. ويصف شيبارد غزة بأنها تحولت إلى أنقاض، حيث لا تواجه القوات الإسرائيلية جيشًا منظمًا، بل مدنيين منهكين يعانون من الجوع والتشرد.
وينتقد المقال بشدة الرواية الإسرائيلية التي تصور العمليات العسكرية على أنها دفاع عن النفس، بينما تتجاهل حقيقة استهداف البنية التحتية المدنية والمستشفيات والمدارس. كما يشير إلى أن الإعلام الإسرائيلي السائد يتجنب نقل الحقائق، مثل تقارير الأمم المتحدة عن المجاعة أو الاعترافات المسربة حول استهداف المدنيين، مما يبقي المواطنين الإسرائيليين بعيدين عن تبعات أفعال حكومتهم، حيث يواصلون حياتهم اليومية دون تحمل أي مسؤولية أو ضغط خارجي.
ويدعو المقال إلى تحرك دولي شامل لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على إسرائيل، مثل حظر تصدير الأسلحة والتكنولوجيا التي تدعم العمليات العسكرية، وتعليق مشاركة الفرق الرياضية الإسرائيلية في البطولات الأوروبية، وإلغاء التسهيلات مثل السفر بدون تأشيرة إلى الدول الأوروبية.
ويؤكد أن هذه الإجراءات لن تغير الأوضاع بين عشية وضحاها، لكنها ستظهر للإسرائيليين أن العالم يرفض سياسات حكومتهم، وستعزز من موقف الأصوات الداخلية المناهضة للعنف، مثل تلك التي تظهر في وسائل إعلام ليبرالية كـ"هآرتس" و"+972 ماغازين".
ويبرز المقال أهمية دعم هذه الأصوات لتعزيز المقاومة الداخلية ضد السياسات المتطرفة التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته الذين يتبنون خطابًا متشددًا يهدف إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في غزة.
على الصعيد السياسي، ينتقد المقال موقف الحكومة البريطانية بقيادة كير ستارمر، التي اكتفت بخطوات رمزية مثل الاعتراف بدولة فلسطين، واصفًا إياها بأنها "متأخرة جدًا وغير كافية" في ظل استمرار الدمار في غزة. ويتهم المقال الحكومة البريطانية بمحاولة قمع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للإبادة، مثل تصنيف حركة "عمل فلسطين" كمنظمة محظورة، وهو ما يصفه بأنه "سخيف وأورويلي".
ويحث المقال على مواصلة الضغط لإجبار الحكومات على اتخاذ إجراءات جادة، مثل فتح ممرات إنسانية فورية، وفرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ودعم جهود وقف إطلاق النار. كما يشدد على ضرورة إشراك المجتمع الدولي في فرض تدابير تضمن المساءلة، مثل العقوبات التجارية التي ستؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي، وتجعل المواطنين الإسرائيليين يشعرون بتداعيات دعمهم الضمني لسياسات حكومتهم.
ويؤكد المقال أن فرض العواقب الحقيقية على إسرائيل ليس مجرد خطوة رمزية، بل ضرورة ملحة لاستعادة العدالة وحماية حقوق الإنسان في غزة. ويحث على دعم الجهود الدولية للضغط من أجل وقف العنف، وفتح قنوات إنسانية لإغاثة السكان، وتعزيز المقاومة الداخلية في إسرائيل ضد السياسات المتطرفة. ويشدد على أن السكوت عن هذه الأزمة يعني التواطؤ في استمرار المعاناة، داعيًا إلى تضافر الجهود الشعبية والحكومية لإنهاء الإفلات من العقاب وضمان تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني الذي يواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة.