في مشهد أمني غير مسبوق فرضت وزارة الداخلية المصرية سيطرتها الكاملة على خريطة الجريمة المنظمة في البلاد، بعدما أعلنت خلال أقل من 72 ساعة عن سلسلة من الضربات الأمنية المتزامنة التي استهدفت أوكار وتجمعات العناصر الجنائية شديدة الخطورة في محافظات الصعيد والدلتا والحدود الغربية.
هذه الحملات لم تكن مجرد تحركات روتينية لملاحقة الخارجين على القانون، بل مثلت إعلانًا صريحًا عن حرب شاملة على بؤر الإجرام، حيث تم القضاء على 21 عنصرًا جنائيًا والقضاء عليهم خلال مواجهات مسلحة مع القوات، وضبط مضبوطات تجاوزت قيمتها المالية مليار و259 مليون جنيه.
تقارير امنية دقيقة رصدت تحركات مشبوهة لعدد من التشكيلات العصابية
خلف الكواليس، بدأت القصة بتقارير امنية دقيقة رصدت تحركات مشبوهة لعدد من التشكيلات العصابية التي اتخذت من المناطق النائية في الصعيد والظهير الصحراوي والإطراف الحدودية أوكارًا لزراعة المخدرات، تخزينها، والاتجار بالأسلحة النارية.
وعلى مدار أسابيع، نجحت أجهزة الأمن في تتبع خطوط الاتصال والتمويل، وتحديد هوية العناصر المتورطة، قبل أن تبدأ المرحلة الثانية من الخطة الأمنية: المداهمات الخاطفة والاستهداف المباشر للبؤر.
المثير في هذه العمليات لم يكن فقط حجم المضبوطات أو عدد العناصر التي سقطت، وإنما التكامل الأمني الذي ظهر بوضوح، حيث شاركت قطاعات الأمن العام، مكافحة المخدرات، الأمن المركزي، ووحدات العمليات الخاصة في تنفيذ المداهمات بدقة شديدة.
فكل عملية جرت وفق خطة محكمة تبدأ بفرض طوق أمني، ثم المداهمة، تليها السيطرة الكاملة على الموقع وضبط المتورطين أو تصفيتهم حال مقاومتهم.
إحدى أبرز ملامح هذه الحملات أنها لم تترك للمجرمين فرصة لإعادة التموضع أو التسلل إلى مناطق أخرى، فقد تم تنفيذها بشكل متزامن في عدة محافظات، الأمر الذي أربك البؤر الإجرامية وجعلها عاجزة عن التواصل أو توفير الدعم لبعضها البعض.
كما أن القيمة المالية للمضبوطات – التي تجاوزت المليار جنيه – تكشف حجم الاقتصاد الموازي الذي حاول هؤلاء الخارجون عن القانون فرضه على المجتمع.
رسالة الداخلية من هذه الحملات كانت واضحة: لا ملاذ آمنًا لتجار الموت، وأن الأمن المصري لم يعد ينتظر وقوع الجريمة، بل يسبقها بخطوات عبر الرصد والتتبع، ليضرب في العمق ويجفف منابع التمويل.
مصرع 4 عناصر شديدة الخطورة بقنا وضبط أسلحة ومخدرات بـ18 مليون جنيه
استهدفت قوات الأمن بؤرة مسلحة في قنا تضم عناصر جنائية سبق الحكم عليهم بالمؤبد في جرائم قتل ومخدرات. المواجهة أسفرت عن مصرع 4 عناصر وضبط 303 قطعة سلاح ناري وكمية من المخدرات بقيمة 18 مليون جنيه.
الإسماعيلية.. ضبط 13 طن هيدرو و145 كجم حشيش بـ795 مليون جنيه
في الظهير الصحراوي بالقنطرة شرق، داهمت القوات مزرعة بمساحة فدانين، أسفرت عن ضبط 13 طن هيدرو و145 كجم حشيش. القيمة المالية للمضبوطات بلغت 795 مليون جنيه، وألقي القبض على المتهم المسؤول عن المزرعة.
أسوان.. القضاء على 6 عناصر وضبط أسلحة ثقيلة ومخدرات بـ5 ملايين جنيه
واجهت بؤرة مسلحة بأسوان القوات بإطلاق نار كثيف، ما أسفر عن مصرع 6 عناصر وضبط 40 كجم مخدرات متنوعة و7 قطع سلاح ناري بينها رشاش جرينوف وقنبلتين يدويتين، بقيمة 5 ملايين جنيه.
الصعيد.. مصرع 3 عناصر وضبط نصف طن مخدرات و126 قطعة سلاح بـ75 مليون جنيه
استهدفت الداخلية بؤرًا في قنا والأقصر وأسيوط، وأسفر الاشتباك عن مصرع 3 عناصر وضبط نصف طن مخدرات و126 قطعة سلاح ناري. قيمة المضبوطات 75 مليون جنيه.
مطروح.. ضبط شحنة تهريب مخدرات بـ350 مليون جنيه
الأمن ضبط تشكيل عصابي يضم 4 عناصر بحوزتهم 160 كجم حشيش و300 ألف قرص مخدر و11 قطعة سلاح. القيمة المالية للمضبوطات بلغت 350 مليون جنيه.
المنوفية – القليوبية.. القضاء على 8 عناصر وضبط مخدرات وسلاح بـ16 مليون جنيه
داهمت قوات الأمن جزيرة نيلية كانت وكرًا لـ8 عناصر جنائية، فأسفرت المواجهة عن مصرعهم جميعًا وضبط 125 كجم مخدرات و8 أسلحة نارية بقيمة 16 مليون جنيه.
حصيلة الـ72 ساعة
إجمالي العناصر التي تم القضاء عليها: 21 عنصرًا جنائيًا.
القيمة المالية للمضبوطات: 1 مليار و259 مليون جنيه.
المخدرات المضبوطة: أطنان من الحشيش والهيدرو والشابو والهيروين.
الأسلحة المضبوطة: مئات القطع بينها رشاشات وقنابل يدوية.
رؤية الخبراء الأمنيين
يرى خبراء أمنيون في تصريحات صحفية أن الضربات الأخيرة تعد تحطيمًا للبنية التحتية لشبكات الجريمة المنظمة، حيث استهدفت الداخلية العناصر الأشد خطورة، وأغلقت مسارات التهريب والتمويل.
وأوضحوا أن القيمة المالية للمضبوطات تعكس خطورة هذه الشبكات على الاقتصاد والمجتمع، مشيرين إلى أن تزامن الحملات في عدة محافظات أربك المجرمين وأفقدهم القدرة على إعادة التموضع.
واعتبروا أن ما جرى نموذج يُدرّس في العمل الأمني الاستباقي، ورسالة واضحة بأن مصر لن تسمح بوجود اقتصاد موازٍ قائم على تجارة السلاح والمخدرات.
تكشف وقائع الـ72 ساعة الماضية أن وزارة الداخلية تخوض معركة متكاملة ضد الجريمة المنظمة، لا تقل في ضراوتها عن مواجهة الإرهاب.
فالعناصر التي تم القضاء عليها لم تكن مجرمين عاديين، بل شبكات متخصصة في القتل، التهريب، تجارة السلاح، والمخدرات، سعت إلى بناء إمبراطوريات مالية غير مشروعة تجاوزت قيمتها المليار جنيه.
المعركة الأخيرة أبرزت ثلاثة محاور رئيسية: أولها العمل الاستخباراتي الذي سبق المداهمات، حيث تم جمع معلومات دقيقة عن تحركات وتواصل العصابات.
ثانيها العمل العملياتي الذي ظهر في اقتحام معاقل خطرة متزامنة عبر قوات الأمن المركزي ووحدات خاصة مدربة.
ثالثها الرسالة الاستراتيجية التي وجهتها الدولة بأن أمن المواطنين خط أحمر، وأن يد القانون ستصل إلى كل من يهدد استقرار المجتمع.
كما أن تجفيف منابع التمويل عبر مصادرة أطنان من المخدرات وترسانة من الأسلحة يعني أن شبكات الجريمة فقدت عمودها الفقري، ما يضعف قدرتها على إعادة التمركز أو التمويل.
وهذا النجاح يبعث برسالة ردع قوية، ليس فقط للعناصر الإجرامية داخل البلاد، بل أيضًا لشبكات التهريب الإقليمية التي كانت تراهن على استخدام الأراضي المصرية كمعبر لسمومها.
في النهاية، أثبتت وزارة الداخلية خلال 72 ساعة فقط أن مصر تمتلك جهازًا أمنيًا يقظًا لا ينام، قادرًا على ضرب أوكار الجريمة في مهدها، وأن الدولة ماضية في حربها ضد تجار الموت حتى النهاية.
