للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا حالة المجاعة في قطاع غزة، مؤكدة أن ما يجري هو نتيجة مباشرة لـ "العرقلة الإسرائيلية الممنهجة"، ومشددة على أن هذه الكارثة الإنسانية "تلحق العار بالعالم".
إعلان أممي غير مسبوق
استند الإعلان إلى تقرير منظمة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)، الذي وصف الوضع في غزة بأنه "السيناريو الأسوأ للمجاعة". وجاء في التقرير أن الصراع المتواصل والنزوح الواسع وانعدام الوصول إلى الغذاء والخدمات الأساسية أوصل معظم سكان غزة إلى حد المجاعة، مع وصول معدلات سوء التغذية الحاد في مدينة غزة إلى مستويات قصوى.
وأكدت المنظمة أن "الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الجوع وسوء التغذية والأمراض يرفعان معدلات الوفيات المرتبطة بالجوع"، محذّرة من أن بعض الأطفال لم يعد أمامهم فرصة للبقاء على قيد الحياة.
مأساة إنسانية بالأرقام
وفق أحدث الإحصاءات، ارتفع عدد ضحايا العدوان إلى 62،263 شهيدًا و157،365 جريحًا، بينهم نسبة كاسحة من المدنيين. وتؤكد معطيات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ذاتها أن 83% من الشهداء هم مدنيون.
أما منظمة اليونيسف فأكدت أن:
1 من كل 4 أطفال في غزة يعاني من سوء تغذية حاد يهدد حياته.
المنظومة الصحية منهارة تمامًا، والمياه النظيفة غير متوفرة.
حتى الأمراض البسيطة مثل الإسهال باتت تؤدي إلى الوفاة.
إدانات وتحذيرات دولية
الأونروا اعتبرت أن ما يحدث "تجويع متعمد ومدبر من قبل إسرائيل"، مطالبة بوقف إطلاق النار الفوري والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
المنسق الأممي للإغاثة توم فليتشر وصف الوضع قائلًا: "إنها مجاعة تُراقبها الطائرات المسيرة والتكنولوجيا العسكرية الأكثر تقدمًا في التاريخ… إنها مجاعة يُستخدم فيها الجوع كسلاح حرب".
الفاو أكدت أن مؤشرات المجاعة تتسارع بشكل خطير، وأن التصرف العاجل ضرورة قصوى.
السعودية حمّلت الاحتلال مسؤولية الكارثة، معتبرة أن غياب المحاسبة الدولية هو ما فاقم المأساة.
رئيس وزراء اسكتلندا السابق وصف إسرائيل بـ "الدولة المارقة" ودعا لفرض عقوبات اقتصادية وتجارية رادعة.
مشهد سياسي معقد
رغم الكارثة الإنسانية، تتواصل المفاوضات غير المباشرة بشأن صفقة تبادل الأسرى، حيث ذكرت القناة 12 العبرية أن إسرائيل تستعد لإرسال وفد جديد خلال الأيام القادمة، وسط بحث إمكانية عقد جولة مفاوضات في مكان ثالث غير قطر ومصر.
في المقابل، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إعادة تسمية العملية العسكرية في غزة من "مركبات جدعون ب" إلى "القبضة الحديدية"، في محاولة لتعزيز صورة الحملة داخليًا.
من جهته، قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن الأسرى الإسرائيليين سيكونون "أكثر أمانًا إذا دخل الجيش إلى غزة"، مشيرًا إلى أنه ساعد شخصيًا في إعادة عدد منهم خلال عمله مع نتنياهو.
غزة… عنوان اختبار إنساني
اليوم، يتفق العالم على حقيقة واحدة: المجاعة في غزة ليست كارثة طبيعية، بل جريمة إنسانية ناتجة عن الحصار والحرمان المتعمد من الغذاء والدواء. وبينما يُصرّ الاحتلال على مواصلة عملياته العسكرية، يزداد الضغط الدولي لوقف إطلاق النار وفتح المعابر على الفور.
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل يتحرك المجتمع الدولي بما يليق بحجم الكارثة، أم يظل شريكًا في صمت يُفاقم "العار" الذي تحدثت عنه الأمم المتحدة؟