منذ اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية في فبراير 2022، واجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سلسلة من التحديات التي جعلت صورته مرتبطة بالصمود والرفض.
فالرجل، الذي خرج من عباءة الفن إلى قلب السياسة، وجد نفسه أمام خيار مصيري، وهل يذهب إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، مخاطراً بمكانته وربما بحياته، في محاولة لإنهاء الحرب؟ أم يتمسك بالرفض حفاظاً على كرامة أوكرانيا وصمودها في وجه قوة عسكرية كبرى؟
هذا السؤال يفتح الباب واسعاً أمام المقارنة مع تجربة الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977، حين اتخذ قراره التاريخي بزيارة تل أبيب وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي.
زلزال سياسي
كانت تلك الخطوة حينها بمثابة زلزال سياسي، أثارت إعجاباً دولياً وغضباً عربياً، لكنها كرّسته في صفحات التاريخ كزعيم امتلك جرأة المبادرة وغيّر معادلات المنطقة. السادات خاطر بسمعته وحياته، لكنه كسب مكانة لا يزال يذكر بها حتى اليوم.
وفي المقابل، زيلينسكي اختار طريقاً مختلفاً، فهو يرى أن الذهاب إلى موسكو سيُقرأ على أنه خضوع لشروط روسيا، أو إقرار ضمني بانتصارها السياسي، في وقت يخوض فيه شعبه حرب بقاء بالنسبة له، والشجاعة تكمن في التمسك بالرفض والصمود على الأرض، حتى وإن طالت المعركة واستنزفت الموارد.
أمثلة من التاريخ
التاريخ يقدم أمثلة متعددة لوجوه مختلفة من "الشجاعة السياسية" مثل الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، الذي لم يتردد في التفاوض مع نظام الفصل العنصري، رغم سنوات السجن الطويلة والمعاناة.
كان يدرك أن هذه المفاوضات محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت السبيل الوحيد لفتح باب التحول الديمقراطي السلمي. شجاعته لم تكن في التمسك بالعداء، بل في القدرة على الجلوس مع خصوم الأمس وصياغة مستقبل مختلف.
على النقيض، نجد ونستون تشرشل الذي رفض في أوج الحرب العالمية الثانية أي تفاوض مع أدولف هتلر، رغم الضغوط الداخلية والخارجية.
تشرشل اعتبر أن مجرد الجلوس مع هتلر يمثل هزيمة أخلاقية ومعنوية لبريطانيا، فاختار الصمود حتى النهاية، وهذا الموقف تحوّل إلى جزء من إرثه القيادي بوصفه الرجل الذي لم يساوم في لحظة ضعف.
من هنا، تبدو المقارنة بين زيلينسكي والسادات معقدة، فبينما جسّد السادات شجاعة كسر المحظور والذهاب إلى عقر دار الخصم، لم يظهر زيلينسكي أي شجاعة في الذهاب لموسكو وإنقاذ بلاده ورفض الانحناء أمام موسكو، وكلا الموقفين يحمل طابعاً تاريخياً مختلفاً.