أخبار عاجلة

تراجع الفائدة لا يهز «عرش» الادخار البنكي

تراجع الفائدة لا يهز «عرش» الادخار البنكي
تراجع الفائدة لا يهز «عرش» الادخار البنكي

الاحد 17 اغسطس 2025 | 04:13 مساءً

العدد الورقي

د. هشام إبراهيم: الأموال الساخنة جزء طبيعي من الاقتصاد ولا تمثل خطراً

في خطوة تعكس استمرار دورة التيسير النقدي التي بدأها البنك المركزي المصري مؤخرًا، قررت لجنة السياسة النقدية في اجتماعها المنعقد يوم الخميس 22 مايو 2025 خفض أسعار الفائدة الأساسية بواقع 100 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإيداع إلى 24 %، والإقراض إلى %25، وسعر العملية الرئيسية إلى 24.5 %، وهو التخفيض الثاني من نوعه في أقل من شهرين.

ورغم أن خفض الفائدة تقليديًا يُفترض أن يقلل من جاذبية الادخار في البنوك، إلا أن الواقع المصري بات يقدم معادلة مغايرة، تؤشر على تحولات أعمق في سلوك المدخرين وديناميكيات السوق.

فرغم خفض الفائدة، وتزايد الإقبال على أدوات الدين الحكومي قصيرة الأجل، مثل أذون الخزانة، إضافة إلى تدفق الأموال الساخنة من مستثمرين أجانب تستهدف العوائد المرتفعة، أظهرت بيانات البنك المركزي أن الودائع بالعملة المحلية تواصل ارتفاعها بثبات، بل بوتيرة متسارعة. فقد سجلت الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية في البنوك المصرية مستوى قياسيًا بلغ 8.432 تريليون جنيه بنهاية مايو 2025، مقارنة بـ8.27 تريليون جنيه في نهاية أبريل، بزيادة تقارب 162 مليار جنيه خلال شهر واحد فقط.

المثير في الأمر، أن هذه القفزة في الودائع تزامنت مع استمرار وزارة المالية عبر البنك المركزي في طرح أدوات دين حكومية ضخمة لجذب السيولة، منها ما تم مؤخرًا بقيمة 80 مليار جنيه في جلسة واحدة، تضمنت أذون خزانة لأجل 182 و364 يومًا. وهو ما يؤكد أن العائد لم يعد المحدد الوحيد لسلوك الادخار، في ظل تغير المشهد الاقتصادي والنقدي داخليًا.

مدخرات المصريين لا تهتز.. لماذا؟

تشير هذه البيانات إلى تحوّل نوعي في نظرة الأفراد والمؤسسات للادخار البنكي، وهو ما يمكن تفسيره بعدة عوامل. أولها، أن معظم النمو في الودائع لا يأتي من المستثمرين الباحثين عن عوائد مضاربة، بل من القطاع العائلي الذي ما زال يرى في البنوك ملاذًا آمنًا للثروة، خصوصًا في بيئة تتسم بالضبابية العالمية، وتقلب أسعار الأصول، وارتفاع المخاطر المرتبطة بالاستثمار في أدوات مالية أو عقارية أخرى.

وثانيًا، فإن التراجع الملحوظ في التضخم السنوي، والذي انخفض إلى 13.9% في أبريل 2025 (مقابل مستويات تجاوزت 30% في عام 2023)، يعزز الثقة في أن العائد الحقيقي للادخار البنكي بدأ يقترب من الإيجابية، لا سيما مع استمرار البنك المركزي في استهداف معدل تضخم عند 7% ±2 نقطة مئوية بنهاية 2026. هذا يعني أن حتى مع انخفاض الفائدة، فإن الفجوة بين العائد والتضخم لم تعد سلبية بالشكل الذي كانت عليه قبل عامين.

الأموال الساخنة وأذون الخزانة: لاعبون في مشهد أوسع

في المقابل، استمرت الأموال الساخنة في التدفق نحو أدوات الدين المحلي مستفيدة من العائد المرتفع وسهولة الدخول والخروج من السوق. إلا أن هذه الأموال بطبيعتها قصيرة الأجل ولا يمكن التعويل عليها في دعم الاستقرار المالي طويل الأمد. ورغم ذلك، تواصل الحكومة طرح أذون وسندات الخزانة كوسيلة أساسية لتمويل احتياجاتها، وقد بلغ إجمالي ما طرحته في يوم واحد فقط 80 مليار جنيه، ما يعكس حجم الاعتماد على السوق المحلية.

ومع ذلك، لم تؤد هذه الطروحات ولا حتى المنافسة على السيولة بين البنوك والحكومة إلى تآكل جاذبية الودائع البنكية. بل على العكس، تشير البيانات إلى ارتفاع الودائع لأجل وشهادات الادخار إلى 6.502 تريليون جنيه بنهاية مايو، صعودًا من 6.392 تريليون جنيه في أبريل، وهو ما يكشف عن استمرار تفضيل المدخرين للأدوات البنكية التقليدية رغم إغراءات الأذون الحكومية.

السيولة متماسكة والسياسة النقدية تُراجع أولوياتها

تعكس هذه التطورات أن السياسة النقدية المصرية بدأت تدخل مرحلة جديدة، حيث لم تعد أسعار الفائدة المرتفعة وسيلة لاستقطاب المدخرات، بقدر ما أصبحت أداة لإدارة توقعات التضخم وضبط السيولة في السوق، بينما تلعب الثقة في النظام المصرفي واستقرار العملة دورًا أكبر في تحديد سلوكيات الادخار والاستثمار.

كما أن تقارب سعر الفائدة مع مؤشرات التضخم الحقيقي، ووجود منتجات بنكية مرنة مثل الشهادات المتغيرة، يتيح للقطاع العائلي فرصًا للحفاظ على القيمة الشرائية لأموالهم دون الحاجة للمضاربة في أدوات أخرى.

الخلاصة: عصر جديد من الادخار

التحليل الموضوعي لما يجري في السوق المصرية يُظهر أن قرارات الادخار لم تعد تتحرك فقط بتغيرات أسعار الفائدة. فقد أصبح المصريون أكثر وعيًا، والأولوية الآن باتت للأمان والسيولة والاستقرار طويل الأمد، لا للعائد القصير أو المغري فقط. هذا التحول يُمكّن صناع القرار من إدارة التيسير النقدي بمسؤولية أكبر، دون الخوف من هروب الودائع أو فقدان السيطرة على سوق النقد، وهو ما يعكس نضوجًا متزايدًا في الاقتصاد المحلي والسياسات المتبعة.

من جانبه، قال الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، إن الأموال الساخنة لا ينبغي النظر إليها باعتبارها ظاهرة استثنائية أو مثيرة للقلق، مشيراً إلى أن وجودها طبيعي في كافة الأسواق العالمية، بما فيها السوق المصري، حيث تتدفق عادةً للاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل مثل أذون وسندات الخزانة.

وأوضح إبراهيم، في تصريحات خاصة لـ العقارية، أن خروج الأموال الساخنة في أوقات الأزمات أمر متوقع وطبيعي بالنظر إلى طبيعتها السريعة الحركة وسعيها الدائم لتحقيق عوائد مرتفعة بأقل قدر من المخاطرة. لكنه أكد أن السوق المصرية باتت أكثر نضجًا في التعامل مع هذه النوعية من التدفقات، ولم تعد تمثل عنصرًا مقلقًا أو تهديدًا مباشراً للاستقرار المالي كما في السابق.

وأضاف: «ما نراه حاليًا من تدفقات أموال أجنبية قصيرة الأجل لا يمثل خطورة، بل هو جزء من أدوات التمويل التي تحتاجها الأسواق الناشئة لتأمين السيولة وتمويل العجز، خصوصًا في ظل تحسن التصنيف الائتماني وعودة الثقة في الاقتصاد المصري».

وبشأن العلاقة بين الأموال الساخنة وأسعار الفائدة، شدد إبراهيم على أن تحركات الفائدة - صعودًا أو هبوطًا - لم تعد العامل الحاسم في تحديد سلوك المدخرين، لافتًا إلى أن الأسواق بدأت تفصل بين الفائدة كمؤشر اقتصادي وبين جاذبية الادخار كقيمة مستقرة لدى المواطنين.

وقال: «صحيح أن الأموال الساخنة ترتبط بالفائدة، لكن على مستوى الادخار المحلي، خصوصًا من الأفراد، لم تعد الفائدة هي العامل المسيطر. نرى الآن أن الودائع في البنوك تواصل الارتفاع رغم خفض أسعار الفائدة، ما يدل على أن الثقة في القطاع المصرفي والاستقرار المالي باتا عاملين أكثر تأثيراً في سلوك الأفراد والمؤسسات».

وأشار إلى أن الأموال الساخنة في مصر اليوم لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في الأسواق الناشئة الأخرى، وأن خروجها من السوق لا يتم إلا في حالات تقلب عنيفة أو صدمات اقتصادية كبرى، موضحاً أن الهياكل المالية في الوقت الحالي قادرة على امتصاص تلك التحركات دون أن تؤثر بشكل جذري على السيولة أو سعر الصرف.

وتابع: «علينا أن نتعامل مع الأموال الساخنة كقناة تمويلية طبيعية وليست مصدرًا دائمًا للقلق، خاصةً أن جزءًا كبيرًا منها يُدار بآليات واضحة ويمكن تتبعه وضبطه. أما الاستثمارات طويلة الأجل، فهي أكثر استقرارًا وتستند إلى تقييم شامل للمخاطر والعوائد، ولا تتأثر بتقلبات قصيرة».

وفي ختام تصريحاته، أكد الدكتور هشام إبراهيم أن السوق المصرية بحاجة دائمة لتنويع مصادر التمويل، سواء عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو عبر أدوات الدين، مع الاستمرار في بناء ثقة المستثمرين محليًا ودوليًا، موضحًا أن التحدي الحقيقي لا يكمن في تدفق أو خروج الأموال الساخنة، بل في قدرة الدولة على استخدام هذه التدفقات بشكل مستقر يساهم في دعم النمو دون الإضرار بالاستقرار النقدي. 

اقرأ ايضا

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تارودانت.. فتح تحقيق حول معركة ليلة بين شبان وسائق سيارة
التالى "الأوقاف" تنظِّم ندوة توعوية للنشء حول آداب الطريق وتعزيز السلوك الحضاري بالإسكندرية