
شهدت مصر خلال الـ ٢٤ ساعة الماضية حالة من الارتباك الرقمي غير المسبوق، عقب اندلاع حريق هائل في سنترال رمسيس التابع للشركة المصريةللاتصالات، وأحد أقدم وأهم مراكز الاتصالات في البلاد.
الحدث لم يكن مجرد حادث عرضي، بل كشف عن ثغرات بنيوية في البنية التحتية الرقمية، وتأثيرات فورية ضربت قطاعات حيوية بداية من الإنترنت وخدمات الدفع الإلكتروني وصولا إلى البنوك والمستشفيات.

ما هو سنترال رمسيس؟ ولماذا هو بهذه الأهمية؟
يُعد سنترال رمسيس القلب النابض لشبكات الاتصالات في مصر،حيث تم افتتاح سنترال رمسيس رسميًا في 25 مايو 1927، على يد الملك فؤاد الأول، الذي أجرى أول مكالمة عبر سماعة فضية من طراز «إريكسون» الصنع السويدي .
بُني في قلب شارع رمسيس ( شارع الملكة نازلي سابقًا)، بجوار محطة سكك حديد مصر، مما جعله نقطة استراتيجية تربط القاهرة الكبرى بالمحافظات.
عبر تاريخه، كان شاهداً على تطور مصر من التلغراف للهواتف الأرضية ثم للإنترنت. وكان مسرحًا لأحداث فارقة، مثل إطلاق أول شركة اتصالات المحمول (موبينيل) في 1998 وتأسيس وزارة الاتصالات عام 1999، وقطع الاتصالات وقت الاضطرابات السياسية عام 2011.
ويُعتبر المركز الأساسي لنقل وتوجيه المكالمات والبيانات، ويستوعب أكثر من 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية.
ويضم السنترال نقاط الربط الرئيسية بين شركات المحمول الأربع، بالإضافة إلى أجهزة توجيه الإنترنت الأساسية ومراكز البيانات الخاصة بالعديد من القطاعات الحكومية والخاصة.

من أين بدأت شرارة حريق سنترال رمسيس؟
في السابع من يوليو 2025، اندلع حريق في الطابق العاشر من سنترال رمسيس نتيجة ماس كهربائي.
أمتدت النيران بسرعة إلى غرف الكابلات والمولدات، وباقي المبني ما أدى إلى توقف خدمات الاتصالات والإنترنت الأرضي والمحمول في مناطق عديدة بالقاهرة والجيزة، وتأثر أنظمة الدفع الإلكتروني مثل "فوري" و"إنستاباي"، فضلًا عن تعطل بعض خدمات الطوارئ والحجز في القطارات والطيران.
التأثير المباشر على الخدمات الرقمية والحيوية
شكل الحريق صدمة لكثير من المواطنين والشركات التي تعتمد على الإنترنت في معاملاتها اليومية.
ومن أبرز القطاعات التي تأثرت:
- خدمات الدفع الإلكتروني: توقفت المعاملات مؤقتًا في المحال التجارية والبنوك.
- الاتصالات الأرضية والمحمولة: شهدت اضطرابًا واسعًا امتد لساعات.
- القطاع المصرفي: تأثر عدد من أجهزة الصراف الآلي، وتأخر تنفيذ بعض التحويلات.
- خدمات الطوارئ: تأثر الاتصال برقم الإسعاف، قبل أن تُفعل وزارة الصحة خطوطًا بديلة.
- المستشفيات ومراكز البيانات: واجهت صعوبات في الوصول إلى قواعد البيانات.
وزير الاتصالات :لانعتمد علي سنترال واحد
من جانبه أعلن الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن بدء تحقيق موسّع للوقوف على أسباب الحريق، مع التأكيد على أن مصر لا تعتمد على مركز واحد فقط، بل هناك سنترالات بديلة.
كما وعد بعودة الخدمة تدريجيًا خلال 24 ساعة، وبتعويض المستخدمين المتضررين.
بينما، أعلن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أنه يجري مراجعة خطط الطوارئ، وتقييم جاهزية السنترالات الاحتياطية.
في حين المهندس محمد نصر الرئيس التنفيذي للمصرية للاتصالات أن حركة نقل البيانات الدولية لم تتأثر بحريق سنترال رمسيس
وأوضح أن البنية التحتية الدولية للشبكة مؤمنة بالكامل وتعمل بكفاءة، مشيراً إلى أن الحريق أثر فقط على بعض الخدمات المحلية التي يجري العمل على استعادتها تدريجياً.

هل سنترال رمسيس نقطة ضعف في البنية التحتية الرقمية؟
ما كشفه الحريق يتجاوز كونه عارضًا عرضيًا، بل يمثل تحذيرًا حقيقيًا حول مركزية الخدمات وغياب توزيع جغرافي عادل للبنية الرقمية.
وابان أن الاعتماد على موقع واحد لتشغيل أغلب خدمات الإنترنت في مصر والدفع الإلكتروني يُعد مخاطرة غير مبررة في عصر السحابة والتقنيات المتقدمة.
توصيات للمستقبل.. لا مركزية ومرونة
أكد خبراء بقطاع الاتصالات انه يتحتم لحماية مستقبل الاتصالات في مصر، ضرورة العمل على إنشاء مراكز بيانات احتياطية في مناطق مختلفة (الإسكندرية، الصعيد، قناة السويس)،وتحديث أنظمة الأمن والسلامة في سنترالات الدولة،بالاضافة الي ضرورة الاستثمار في تقنيات الاستجابة السريعة واستمرارية الأعمال، وتعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص لمواجهة الأزمات.