
مع دخول العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة عامه الثاني، تتصاعد المؤشرات على فشل حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، فى تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، ما يدفع باتجاه اتخاذ قرارات متطرفة تتضمن التهديد باحتلال القطاع بشكل كامل.
هذه التحركات تأتى فى ظل تزايد الضغوط الداخلية والانقسامات بين القيادة السياسية والعسكرية، إلى جانب تدهور متسارع فى العلاقات الدولية لإسرائيل، ومؤشرات كارثية على المستويين الاقتصادى والاجتماعي.
قرارات الاحتلال وسط الانقسام الداخلي
كشفت القناة ١٢ العبرية، نقلا عن مصادر عليا فى ديوان نتنياهو، أن القرار قد اتخذ بالتحرك نحو احتلال كامل لقطاع غزة، بعد فشل الحكومة فى استعادة الأسرى أو القضاء على حركة حماس، وهو الهدف المعلن منذ بداية العدوان.
ووفق ذات المصادر، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلى سيتوغل فى مناطق داخل المخيمات بوسط القطاع، رغم المخاطر الكبيرة التى تحيط بسلامة الأسرى المحتجزين.
فى المقابل، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن جهات أمنية وعسكرية بارزة، معارضة واضحة لهذه الخطة، حيث حذر رئيس أركان الجيش إيال زامير من أن التوغل البرى فى المناطق التى يعتقد بوجود رهائن فيها "يهدد حياتهم بشكل مباشر"، مشيرا إلى أن مثل هذه الخطوة قد تؤدى إلى نتائج كارثية.
وأمام هذا التصعيد، ألغى زامير زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، كانت مخصصة للقاءات أمنية رفيعة، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا على تصاعد الخلاف بينه وبين القيادة السياسية.
خلاف بين القيادة السياسية والعسكرية
القرار المرتقب باحتلال غزة يمثل نقطة تصادم بين حكومة نتنياهو والقيادة العسكرية الإسرائيلية، التى باتت تتعامل مع تصريحات رئيس الحكومة بتشكيك، خاصة مع تدهور مصداقية الخطاب الرسمى بعد ٢٢ شهرا من الحرب دون نتائج ملموسة.
ويؤكد المحلل ناحوم برنياع فى صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن زامير سيعرض على نتنياهو ثلاثة بدائل عسكرية لا تشمل احتلال غزة بشكل كامل، بل تركز على عمليات محدودة فى الأطراف، محذرًا من أن الاحتلال الشامل سيكلف خسائر كبيرة فى صفوف الجنود والمدنيين الفلسطينيين، ويقود إسرائيل إلى "عزلة دولية غير مسبوقة".
من جانبه، اعتبر عاموس هرئيل، المحلل العسكرى فى "هآرتس"، أن نتنياهو "يضاعف الرهان" على غزة، متسائلًا عن الخطة الحقيقية وراء قراره، وما إذا كانت فعلا نابعة من قراءة عسكرية أم مجرد محاولة لإطالة أمد الحرب للهروب من الأزمات الداخلية.
الضوء الأخضر من ترامب: دعم أمريكى أم فخ سياسي؟
وفقا لتقارير من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد منح نتنياهو "الضوء الأخضر" لتنفيذ عملية عسكرية شاملة فى غزة. إلا أن هذا الدعم يثير مخاوف كبيرة، خاصة إذا نظر إليه فى ضوء تجربة أوكرانيا، حيث دفع ترامب بوتين نحو تصعيد الحرب، ثم انقلب عليه لاحقًا.
يشير برنياع إلى أن نتنياهو، الذى يفتقر إلى القوة الدولية التى تتمتع بها روسيا، قد يقود إسرائيل إلى مأزق خطير إذا اعتمد على دعم ترامب وحده، دون ضمانات استراتيجية أوسع.
أزمات دبلوماسية واقتصادية متداخلة
على الصعيد الدولي، تشهد إسرائيل تدهورا حادًا فى علاقاتها مع العديد من الدول الغربية، بالتوازى مع ضغوط اقتصادية متصاعدة تهدد عماد الاقتصاد الإسرائيلي.
تقاطعات السياسة والاقتصاد
وفقا لصحيفة "كالكاليست"، فإن إسرائيل تواجه مشهدا متناقضا من جهة، تم الإعلان عن صفقة تكنولوجية تاريخية ببيع شركة "سايبر آرك" لشركة أمريكية بقيمة ٢٥ مليار دولار، تمثل ذروة نجاح "إسرائيل القديمة" الليبرالية. ومن جهة أخرى، تتسارع وتيرة المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية نتيجة ممارسات الحكومة الحالية، ما يهدد البنية الاقتصادية من جذورها.
المقاطعة تبدأ من البنوك
فى تطور لافت، كشفت الصحيفة عن أن بنك "سانتاندير" البرتغالى رفض فتح حساب لرجل أعمال إسرائيلي، بسبب تصنيف إسرائيل كمنطقة نزاع، ما يشير إلى انتقال المقاطعة إلى القطاع المصرفى الأوروبي، فى خطوة تعكس حجم التدهور فى صورة إسرائيل دوليًا.
التجارة فى خطر
تشكل التجارة مع الاتحاد الأوروبى ١٢٪ من الناتج المحلى الإسرائيلي، بإجمالى تعاملات تتجاوز ٧٢ مليار دولار تشمل السلع والخدمات، ما يجعل أى تراجع فى هذه العلاقات بمثابة ضربة قاتلة لاقتصاد يعتمد بنسبة كبيرة على تصدير التكنولوجيا والخدمات المالية.
هجرة العقول
تشير بيانات نشرتها الصحيفة إلى قفزة بنسبة ٥٠٪ فى طلبات الهجرة خلال عام ٢٠٢٣، خاصة بين الفئات الأكاديمية والتكنولوجية، إلى جانب انتقال العديد من الشركات الناشئة إلى خارج البلاد. وهو ما وصفته "كالكاليست" بأنه بداية انهيار اجتماعى وفكرى للطبقات التى شكلت نواة إسرائيل الاقتصادية.
إنكار المجاعة.. وصمة حقوقية
تفاقم الأزمة لا يتوقف عند الاقتصاد والسياسة، بل يمتد إلى البعد الإنساني. فقد أثارت تصريحات المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف، التى أنكر فيها وجود مجاعة فى غزة، موجة غضب من ١٧ منظمة حقوقية دولية، اعتبرتها "إنكارًا متعمدًا لواقع كارثى موثق بالأدلة والشهادات".
وطالبت هذه المؤسسات بتشكيل لجنة تحقيق أممية مستقلة، بإشراف محكمة العدل الدولية، للنظر فى "سياسة التجويع الممنهجة" التى تنتهجها إسرائيل، فى ظل توثيق مقتل ١٥٩ مدنيًا بسبب الجوع، بينهم ٩٠ طفلًا، بالإضافة إلى حظر دخول الصحافة الدولية إلى غزة.
تعقيد الموقف السياسى والأمني
وبحسب محللين إسرائيليين تشير التطورات إلى تعقيد متزايد فى الوضع الداخلى الإسرائيلي، حيث تبدو الحكومة فى حالة عجز عن حسم الموقف فى غزة، وفى ذات الوقت غير قادرة على وقف التدهور فى صورتها أمام المجتمع الدولي.
ووفقا للمحللين فإن الإصرار على مواصلة الحرب دون رؤية سياسية واضحة، فى ظل الانقسامات الحادة بين المستويين السياسى والعسكري، قد يدفع نحو قرارات متهورة سيكون لها أثمان باهظة، ليس فقط على الفلسطينيين، بل على مستقبل الدولة الإسرائيلية نفسها، سياسيا واقتصاديا.