محمد نوح.. فنان استثنائى عشق الفن وأبدع فى الغناء والتلحين والتمثيل والإخراج
أنشأ فرقة مسرحية مع زملائه بالجامعة وطافوا بها كل شبر على أرض مصر المحروسة لعرض أعمال من تأليفهم وإخراجهم
هتف مع جنودنا فوق الدبابات بمعرض الغنائم وسافر سيناء وغنى للجنود وأحضر معه زجاجة ملئية برملها ظلت معه عمره كله
لما بيطلب منى أكتب عن بابا بحس إنى متلخبطه ومش عارفه ابتدى منين وأحكى إيه؟.. أتكلم عن الشاب اللى من هو عنده ٢٤ سنه أصبح مسئول عن عيلة كاملة مكونة من أم و٣ أشقاء بنات وشقيقين وزوجة حامل واضطر يشتغل وهو بيدرس فى الجامعة علشان يكفى مصاريف الحياة ومسئولياتها.. شاب بيعشق القراءة والثقافة والكتاب عنده أهم من الأكل.. والمعرفة هى نهمه والفن عشقه والعلم هدفه.
مفرح أول ابن لجدتى الحاجة نوحة زى ماكان بيناديها وجدى سى حامد زى جدتى ماكانت بتناديه.. اسمه محمد لكن لأنه أول فرحتهم كانوا بينادوه بمفرح كان بيعزف عود وبيانو وبوزوق وماندولين وناى وكمانجه وقانون.. كان عايش فى دمنهور وبيدرس فى كلية تجارة اسكندرية وبيدرس فى معهد الموسيقى علشان يعرف يقرا نوتة وبيسافر مع فرقة مسرحية مكونها مع زمايله فى الجامعة كل شبر فى أرض مصرنا المحروسة علشان يعرضوا أعمالهم اللى كانت من تأليفهم وإخراجهم.. كان بيغنى ويلحن ويمثل ويعزف وكمان بيشتغل فى محافظة دمنهور علشان يجيب دخل ثابت لعيلته.. شاب كان عاشق لتراب بلده وقارى ودارس لتاريخها وفخور بيه وخايف على مستقبلها ولما حصلت النكسة بقى بيغنى "مدد مدد.. شدى حيلك يابلد" فى شوارعها وعلى القهاوى زى قهوة سوق الحميدية فى وسط القاهرة اللى كان بيتقابل فيها مثقفين مصر.. بدل مايبكى وينكسر غنى مدد علشان يحمس الناس ويخليهم يشدوا حيلهم واتسجن بسببها لأن وقتها كانوا عاوزين الناس تغنى الطشت قالى وتتفرج على شنبو فى المصيد... وخرج وفضل برضه يغنى ويهتف لحد ماانتصرنا فى أكتوبر ٧٣.. ساعتها، الراحلة العظيمة سميحه أيوب طلبت إنهم يعملوها مسرحية ويقولوا فيها أخبار وبيانات الحرب على الهوا ووقف فى معرض الغنايم (اللى أقامه جيشنا العظيم لمعدات جيش العدو) يغنى ويهتف مع جنودنا فوق الدبابات وسافر سينا وغنى للجنود هناك وجاب معاه قزازه فيها شوية من رملها فضلت معاه عمره كله.
تعلم الموسيقى
أتكلم عن فنان فى عز مجده قرر يسافر أمريكا يتعلم فى الجامعة (ستانفورد) التأليف الموسيقى وقيادة الأوركسترا لمدة ٤ سنين.. وبدل مايبنى بيوت وقصور ويغير عربيات يتمنظر بيها بنى عقله وموهبته وأثقلها بالدراسة ورجع وبقى أستاذ غير متفرغ فى معهد الكونسيرفاتوار ومعهد السينما وكان بيدرس هندسة صوت لطلبة الماجستير والدكتوراه.. أتكلم عن فنان كان عنده حلم إنه يبنى أكبر وأعظم استوديو للتسجيلات ومابخلش بماله وسافر سويسرا جاب بكل مليم عنده أكبر استوديو من اشتودر ومهندسين يعلموا هندسة الصوت للمصريين، وماكنش هدفه الربح المادى قد ماكان هدفه إن الناس تسمع المزيكا والأغانى متسجله بجودة عالمية وإن كل الفنانين المصريين والعرب يسجلوا أغانيهم وموسيقاهم فيه. وفعلًا مفيش أغنية ولا فنان مصرى أو عربى ماجاش سجل فى الاستوديو من أول متقال قناوى وخضرة محمد خضر لحد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكان استوديو النهار أعظم وأول استوديو صوتيات عالمى فى الوطن العربى.
وبعدها قرر يجيب أحدث عربية تصوير خارجى تلفزيونى بأعلى جودة وأحسن كاميرات واتصور بيها أهم الأعمال التلفزيونية والمسرحية وكانت سيدة الشاشهة العربية فاتن حمامه بتشترط تصوير أعمالها بيها.. وبعدها عمل مسرح النهار بأعلى الإمكانيات والتقنيات يتقدم فيه أعمال بتحترم المشاهد وسافر جاب أحدث الميكرفونات والإضاءة، وكان حلمه يقدم أعمال زى برودواى والصبح يبقى فيه مسرحيات أطفال ويعمل مؤسسه النهار يعلم فيها أجيال حتى الموهوبين فى الديكور والرسم والفن التشكيلى.. تبقى أكاديمية فنية ينهل منها أى موهوب علم وثقافه ومعرفة ودراسة.. فنان تم وأد حلمه اللى عاش علشان يحققه لمجرد إنه كان جرئ وينتقد أى خطأ حكومى وبيكتب مقالات قوية ينبه فيها للخطأ وينور شموع بشجاعة وبالرغم من كده ماتهزش ولا خضع ولا ركع.

مشاعر صادقة
أنا حاتكلم عن أب استثنائى كان بيقولى أى حاجة عاوزة تتعلميها وتدرسيها أنا فى ضهرك حسندك لآخر مليم فى جيبى.. وفعلًا عمل كده معانا كلنا.. أب عمره ماكدب عليا فى حاجة كان صادق حتى فى الإعتراف بأخطائه.. أب عمرى ماشفتله صورة لابس فيها طرطور فى احتفالات راس السنة ولا اتقالت عليه إشاعة أخلاقية تكسف أولاده لأنه كان عايش فى النور ومبدأه "إن خفت ماتقولش وإن قولت ماتخافش" وكان بيكره الكدب والنميمة والابتذال والمنظرة والجهل والغباء والتكبر والإفتراء. أب عمره مامد إيده عليا ولا قال قدامى لفظ خارج ولما كنت بحضر معاه صالونه الثقافى كان لو حد تجاوز وهزر بلفظ خارج يقوله مايصحش بنتى قاعدة.. كنت بخاف يزعل منى علشان بحترمه وبحبه وماقدرش أشوف فى عينيه نظرة حزن أو زعل منى كنت عاوزاه يبقى هو كمان فخور بيا.
أب حنيته كانت أفعال ومواقفه فيها جدعنة مع كل الناس عمره ماقطع عيش حد ولا افترا على حد ولا كره حد ولا نم على حد.. أب انفصل عن أمى بمنتهى الود والإحترام وفضلت علاقته بيها وبزوجها قائمة ومليانة مودة ورقى.. أب ساب حب عمره علشانى لأنها اتضايقت إنى حاعيش معاه بعد زواج أمى وقالها دى بنتى ومستحيل أضحى بيها وخبى وجعه جواه وكل ماكانت بتوحشه ويحس إنه ممكن يضعف ويحن ينادينى ياخدنى فى حضنه علشان يقول لنفسه بنتى تستحق التضحية دى.. والغريبة إنه عمره ماقالى إنه عمل كده علشانى وأنا اللى فاكرة لأنى كنت حاضرة يوم ماسابها وعمرى ماحنسى اليوم ده.. أب يوم انفصالى عن أبو أولادي. قالى وقاله إوعوا تنسوا إن علاقتكو كأزواج انتهت لكن لازم تبتدوا علاقة إخوة محترمة علشان أولادكو حايربطوا بينكو طول العمر، إوعى يابنتى تزعلى على كرسى وطرابيزة وتعملى خلاف بسببهم اهتمى بأولادك دول انجازك وراس مالك.. الأهم وبعد طلاقى نزلنا من مكتب المحامى وعلشان عارف إنى مش حاعرف أبكى قدامه بمنتهى الإنسانيه والحب قالى سحورة أنا كان عندى أمنية نفسى أحققها.. قولتله إيه يا بابا؟.. قالى كان نفسى مره اشتغللك سواق تقعدى إنتى ورا وأنا أسوق بيكى العربية، ممكن تحققيلى الأمنيه دى؟.. وقعدت فعلًا ورا وقلب مراية العربيه علشان مايشوفنيش وساق بيا من وسط البلد لمصر الجديدة علشان أعيط براحتى.. ومانطقش بولا كلمة.. أب كان مسمينى البوصلة علشان كان شايف إن إحساسى بالناس صح لو قولتله مش مطمنة أو مش مصدقة يقولى إنتى صح واحساسك صح.. أب كان بيوصينى مافتريش على أى حد أقل منى واتعامل مع الناس بتواضع.. أب شاركته فى شغله من وأنا عندى ٦ سنين شفت كل حالاته مجده وانتصاراته ونجاحاته وانكساراته وهو زى ماهو ماتغيرش.. أب علمنى إن الأشياء مايتديش للإنسان قيمة وإن الإنسان هو اللى بيديها قيمة.

بار بأهله
أب كان لما بيسافر بيجيبلى كتب تساعدنى فى دراستى.. أب كان بار بوالدته وبيحب لمة العيلة كل يوم جمعة كلنا نتلم أصول وفروع ناكل مع بعض ونتكلم فى كل حاجة بتحصل حوالينا ونتعلم ونفهم منه الأحداث وبعدها يقعد على البيانو ونغنى كلنا معاه.. أب كانت أحلى أكله ليه طبق الفول بالزيت وكوباية الشاى بالنعناع وفنجان القهوة بن غامق ومحوج وأكتر حاجة بتريحه فى اللبس الجلابية المصرى وفسحته ليا إنه ياخدنى يلففنى شوارع مصر العتيقه يحكيلى عن تاريخها وليه اتسمت بالاسم ده ولأنه بيقرا ويتكلم لغتنا المصرية القديمة اللى كان مفتون بيها خلانى عشقت بلدى وبقيت مصرية وافتخر.. أب رفض ياخد جنسية تانية بالرغم من استحقاقه ليها وقال أنا مصرى وبس مش محتاج ولا عاوز جنسية تانية أنا اين ٧٠٠٠ سنه حضارة.
أب إخواته كانوا خط أحمر وعطاؤه ليهم غير مشروط.. أزواج إخواته كانوا بيحترموه ويحبوه علشان كده عمر ماعمة من عماتى جات غضبانة أو سابت بيتها أو اشتكت من جوزها ولما عمتى هنا الله يرحمها تعبت وبالرغم من إن الدكاتره فى فرنسا قالوله مافيش أمل فى الشفا وفاضلها سنتين، كتم جواه وماقالش لحد وفضل يسفرها ويحاول يلاقيلها علاج ولما ماتت بكى وقالها سامحينى يا اختى فلوسى ماقدرتش تعملك حاجة وحكالنا إنه كان عارف من أول يوم وكتم وجعه وخوفه وقلقه وشاله فى قلبه سنتين لوحده وحاول.. لكن فى النهاية تقبل إرادة الله.
أب بعد مع مامته اتوفت قرر ينام على سريرها فى نفس الأوضة بنفس العفش القديم واتمنى لما يموت يموت على سريرها فى سلام وهدوء وإن أنا اللى أكون جنبه.. وفعلًا رحل بابا ١٧ رمضان ٥ أغسطس ٢٠١٢ الساعه ٢.١٥ صباحًا نفس معياد وساعة رحيل جدتى وعلى سريرها زى ماتمنى وأنا اللى كنت معاه ومن وقتها ومن التاريخ ده أنا روحى راحت معاه واللى فاضل منى واحدة شبهى فى الملامح لكن كل حاجة تانية جوايا اتغيرت ولأن بابا كان استثنائى فى حياته أصبح استثنائى فى فقده اللى كل يوم وجعه بيزيد وكل مابتأكد إنه خلاص كده وإن فى استحالة فى الرجوع الوجع بيبقى أعمق بكتير والتوهة بتزيد.. جايز الدموع بتقل لكن قهرة القلب وألم الفقد بيبقوا نار لا تنطفئ واليتم على كبر أصعب كتير لأنه وجعه بيكون بعدد الأيام والذكريات والمواقف.. بابا، الحياه فى وجودك كان ليها معنى وبرحيلك نورها انطفى وبقت عتمة وباردة وقاسية وجافة واللى مصبرنى هو تحويشة العمر من ذكرياتى معاك.. إنت خليتنى مش بس بعيش وأفتكر.. إنت خليتنى بعيش وبفتخر لكونى ابنة بتحمل اسمك وكل ماقابل حد عرفك عن قرب بحكاويه وذكرياته معاك ومواقفك النبيله بفتخر أكتر إنى ضل روحك على الأرض.. ربنا يسعدك فى الجنة.







