أخبار عاجلة

هل تلحق واشنطن بركب القاهرة في تصنيف الإخوان جماعة إرهابية؟

هل تلحق واشنطن بركب القاهرة في تصنيف الإخوان جماعة إرهابية؟
هل تلحق واشنطن بركب القاهرة في تصنيف الإخوان جماعة إرهابية؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعاد السيناتور الجمهوري تيد كروز تقديم مشروع قانون أمام الكونجرس الأمريكي لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابياً أجنبياً"، في خطوة هي الأكثر تقدماً ضمن سلسلة جهود تشريعية مماثلة بدأت منذ عام 2015، لكنها لم تتوج بالإقرار الكامل آنذاك. ما يميز النسخة الجديدة من المشروع، أنها جاءت في سياق دولي وإقليمي متشابك، حيث بات ملف الإخوان يعامل على نطاق أوسع من مجرد كونه قضية محلية أمريكية، بل ينظر إليه كإحدى الإشكاليات العابرة للحدود ذات التأثيرات الأمنية والسيادية على الدول الغربية والعربية على السواء.. المشروع الأمريكي، في صيغته الحالية، يشكل امتداداً لمنظور عالمي يتبلور تدريجياً تجاه الجماعة بوصفها تهديداً مؤسسياً غير عنيف بالضرورة، لكنه متشابك مع بيئات التطرف، الانفصال الثقافي، وشبكات التمويل المشبوهة.

مضمون مشروع القانون الأمريكي

مشروع القانون الذي طرحه تيد كروز يستند إلى "استراتيجية عصرية" تضع تصنيف الإخوان في إطار أوسع من مجرد المواجهة الأمنية. فهو يخضع الجماعة لتقييم هيكلي شامل يقوم على دراسة فروعها الدولية وتحديد مدى علاقتها بالتنظيم المركزي وأدوارها الوظيفية في "دعم الجماعات الإرهابية"، كما يوجه وزارة الخارجية الأمريكية إلى إعداد قائمة بفروع الجماعة التي تستوفي شروط التصنيف الإرهابي وفق قانون مكافحة الإرهاب لعام 1987 وآليات تصنيف الإرهاب العالمي المحدد .(SDGT) 

كذلك لا تكمن أهمية المشروع في نتائجه المحتملة فقط، بل في طبيعة التحول الذي يُجسده داخل المؤسسة التشريعية الأمريكية: من حالة التردد التي سادت الإدارات السابقة إلى حالة الحسم التي يدفع بها الجناح المحافظ الآن، بدعم واسع من منظمات ضغط نافذة  AIPAC، CUFI، FDD، حيث تنظر الوجهات الإسرائيلية للجماعة كحاضنة أيديولوجية لخصومها الإقليميين.

دلالات التوقيت: بيئة دولية مساندة

توقيت المشروع ليس معزولاً عن الديناميكيات الدولية الأوسع، بل يواكب تحولاً جذريًا في الموقف الغربي من جماعة الإخوان المسلمين، والذي تجسده تحركات متسارعة داخل أوروبا، خاصة في فرنسا، النمسا، وألمانيا. ففي فرنسا، كما هو معروف، صدر في مايو 2025 تقرير حكومي يصف جماعة الإخوان بأنها "تنظيم اخترق البنية التعليمية والثقافية والدينية للدولة"، متهماً إياها باستخدام "آليات الانفصالية وإعادة الأسلمة" بهدف زعزعة الجمهورية. وقد ترتب على هذا التقرير تجميد أصول المعهد الأوروبي للعلوم الإسلامية، وفتح تحقيقات مالية وأمنية، وبدء إجراءات لحل الجمعية المشرفة عليه.

بالسياق، نالت هذه الإجراءات دعماً من البرلمان الأوروبي الذي بات يناقش أخطار الجماعة، في ظل تزايد المطالب بتجفيف تمويلاتها العابرة للحدود والممولة أحياناً من داخل شبكات الدعم في بروكسل ولندن. وبذلك، فإن المبادرة الأمريكية تأتي في تلاق متقدم مع الرؤية الأوروبية، التي لا تفصل بين التطرف الصريح والاختراق الناعم.

محاصرة الإخوان في أوروبا 

ما نشهده في أوروبا اليوم هو إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والجماعات الدينية المنظمة، حيث تم التحول من نموذج "التعددية الثقافية" الذي استوعب الإخوان لعقود، إلى نموذج "المساءلة القانونية والتضييق المؤسسي"، ما يعبر عن إدراك سياسي متزايد بأن الجماعة تمارس أنشطة تتجاوز حدود العمل المدني المشروع.

بالسياق أيضاً، كانت النمسا أولى الدول الأوروبية التي حظرت الجماعة رسمياً عام 2021.. وفي يونيو 2025، أطلقت مع فرنسا مبادرة برلمانية أوروبية تطالب بتقييد المؤسسات المرتبطة بها، في حين صعدت ألمانيا من لهجتها، ووصفت الجماعة بأنها "أخطر تنظيم أيديولوجي يهدد الديمقراطية"، ووسعت رقابتها إلى المساجد والمراكز التعليمية، وخاصة في ولايات مثل شمال الراين وستفاليا وبرلين.

تأسست هذه السياسات على تراكم من التقارير الاستخباراتية، والدلائل التنظيمية التي أظهرت تورط الجماعة في تشكيل "بيئات موازية" ضد القيم الجمهورية والدستورية، وهي ذات الدوافع التي يستند إليها مشروع كروز الآن.

انهيار مؤسسي للجماعة في الأردن

إذا كانت أوروبا تعيد رسم العلاقة مع الجماعة، فإن الأردن يمثل نموذجاً لما بعد التحول: من سياسة "الاحتواء الناعم" إلى المواجهة القضائية المباشرة. حيث أظهرت التحقيقات التي كشفت عنها السلطات الأردنية مؤخراً، ضلوع جماعة الإخوان -التي تعتبر منحلة بقرار قضائي منذ 2020- في شبكة مالية غير مشروعة، عن طريق تجميع عشرات الملايين من الدنانير عبر التبرعات والاستثمارات السرية. وقد تم تجميد أصولها، وبدء ملاحقات قانونية بحق العشرات من أعضائها، وتفكيك ما يعرف بـ"خلية الفوضى" المتهمة بالتخطيط لأنشطة أمنية خطيرة تشمل تصنيع صواريخ ومسيرات.

هذا المشهد يقدم أقوى حجج أنصار مشروع كروز:فالأردن، الذي كان لعقود نموذجاً في استيعاب الجماعة، يدير الآن مرحلة ما بعد الإخوان، في عملية تصفية قانونية كاملة قد تكون الأكثر جذرية في تاريخ الأردن.

مصر السباقة في احتواء خطر الجماعة

لا يمكن فصل كل هذه التحولات عن البداية الحاسمة التي دشنتها الدولة المصرية في 2013، فقد كانت مصر أول من صنف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، على خلفية أحداث العنف التي تلت ثورة 30 يونيو، وهي الخطوة التي اعتبرها كثير من المراقبين حينها "مغامرة سياسية"، لكنها تحولت لاحقاً إلى مؤشر استباقي لما سيشهده الإقليم والعالم من تحول تجاه الجماعة.

الاستقرار الذي تحقق في مصر على الصعيدين الأمني والسياسي، رغم تعقيدات المشهد الإقليمي، يعد دليلاً عملياً على فعالية سياسة الحسم مع الجماعة، بل أصبح اليوم مرجعاً ضمنياً للدول الأوروبية التي بدأت تدرك أن التعايش المفتوح مع الإخوان لا يؤدي إلا إلى تعزيز الاختراق والازدواجية داخل مجتمعاتها.

مجمل القول، ما يحدث اليوم من واشنطن إلى برلين، ومن باريس إلى عمان، هو إعادة تعريف شرعية التنظيمات الدينية ذات الطابع السياسي في المجال العام. فجماعة الإخوان الإرهابية، بصفتها النموذج الأقدم والأوسع انتشاراً، باتت تحت مجهر متعدد الأبعاد: قانوني، أمني، مالي، وقيمي.

وعليه، لا يمثل مشروع قانون تيد كروز ورقة تشريعية أمريكية فحسب، بل هو إشارة واضحة إلى التقاء دولي نحو "نزع الشرعية السياسية" عن الجماعة، باعتبارها كياناً غير متسق مع أسس الديمقراطية، ومصدر تهديد للبنية المؤسسية في عدة دول.

*باحثة في الشؤون السياسية والإعلامية

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مقتل 32 فلسطينيا بنيران إسرائيلية خلال توجهم لمراكز توزيع مساعدات غذائية
التالى أسعار البنزين والسولار مساء السبت 19 يوليو 2025