حرائق هائلة تلتهم غابات سوريا وتتجاوز مساحة دمشق بسبب رياح قوية

حريق ضخم في الغابات بسوريا

بينما تكافح سوريا للتعافي من آثار سنوات الحرب الطويلة والعقوبات المرهقة، تواجه الحكومة الجديدة اختبارًا صعبًا في التعامل مع كارثة طبيعية جديدة، بعدما اجتاحت حرائق غابات هائلة مناطق واسعة من الساحل السوري، مدمرة آلاف الهكتارات من الغطاء الحرجي ومهددة حياة آلاف السكان الذين اضطروا لمغادرة منازلهم.

ومنذ الخميس الماضي، اجتاحت الحرائق منطقة جبل التركمان في محافظة اللاذقية الساحلية، وانتشرت بسرعة كبيرة بفعل الرياح القوية والتضاريس الوعرة، لتصبح واحدة من أكبر حرائق الغابات في تاريخ البلاد الحديث، ما زاد من صعوبة جهود فرق الإطفاء والدفاع المدني في احتواء النيران، إلى جانب المخاطر الناتجة عن الألغام الأرضية التي خلفتها سنوات الحرب، بحسب تصريحات عبدالكافي كيال، مدير الدفاع المدني في محافظة اللاذقية.

وقال كيال في تصريحات لشبكة CNN يوم السبت إن "هذا الحريق صعب للغاية"، مشيرًا إلى أنه تم استدعاء تعزيزات من كافة أنحاء سوريا لدعم جهود الإطفاء، في محاولة لمنع انتشار النيران إلى مناطق جديدة وإنقاذ ما تبقى من الغطاء الحرجي المهدد.

وتشير التقارير إلى أن الحرائق امتدت على طول خط ناري يبلغ 20 كيلومترًا، مما أدى إلى قطع الطرق الرئيسية، وتدمير خطوط الكهرباء في عدة مناطق، وإجبار آلاف العائلات على ترك منازلهم هربًا من ألسنة اللهب والدخان الكثيف.

وأظهرت لقطات مصورة عبر طائرات بدون طيار انتشار النيران على جبهة واسعة، حيث كانت ألسنة اللهب تتقدم بسرعة وسط الغابات الجافة، مشتعلة بين الحين والآخر عند اقترابها من الأشجار والأعشاب اليابسة.

وقد امتدت الحرائق لاحقًا إلى أجزاء من محافظة طرطوس المجاورة، على الرغم من مشاركة أكثر من 60 وحدة إطفاء في عمليات الإخماد، وسط محاولات حثيثة للسيطرة على الكارثة البيئية التي تهدد واحدة من أهم المناطق الحرجية في البلاد.

وفي مواجهة هذه الكارثة، ناشدت السلطات السورية المجتمع الدولي لتقديم الدعم في جهود مكافحة الحرائق، حيث أرسلت تركيا طائرتي هليكوبتر و11 مركبة إطفاء للمساعدة، بينما عبرت فرق الدفاع المدني الأردنية الحدود السورية يوم الأحد للمشاركة في عمليات السيطرة على الحرائق.

وتكشف بيانات الأقمار الصناعية من خدمة FIRMS التابعة لوكالة "ناسا" أن الحرائق التهمت حتى الآن مساحة تتجاوز 180 كيلومترًا مربعًا، أي ما يزيد على مساحة العاصمة دمشق بأكملها، وهو ما يمثل خسارة كبيرة للغطاء الحرجي في البلاد.

وبحسب أرقام الحكومة السورية لعام 2023، تبلغ مساحة الغابات والأحراش في سوريا نحو 5270 كيلومترًا مربعًا، وهو ما يعني أن الحرائق الحالية قد أحرقت أكثر من 3% من إجمالي المساحة الحرجية في غضون ثلاثة أيام فقط، في مؤشر خطير على حجم الكارثة البيئية التي تواجه البلاد.

وتأتي هذه الحرائق في وقت تعاني فيه سوريا من موجات جفاف طويلة الأمد ونقص شديد في هطول الأمطار، حيث ذكر برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيغي أن منطقة حوض الفرات بأكملها، ولا سيما المناطق الجنوبية والشرقية من سوريا، شهدت انخفاضًا غير مسبوق في معدلات الأمطار وارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما فاقم من هشاشة الغطاء النباتي وسرعة اشتعال الحرائق في الأراضي الجافة.

وتسلط هذه الكارثة الضوء على التحديات الكبرى التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة في إدارة الأزمات البيئية والإنسانية وسط محدودية الإمكانيات وضعف البنية التحتية للخدمات الأساسية، في وقت تسعى فيه البلاد لإعادة بناء مؤسساتها وتحقيق الاستقرار بعد سنوات طويلة من الحرب والأزمات المتلاحقة.