الوقود الأحفوري باقٍ في مزيج الطاقة العالمي.. وسيناريوهات التخلص منه غير واقعية (تقرير)

الوقود الأحفوري باقٍ في مزيج الطاقة العالمي.. وسيناريوهات التخلص منه غير واقعية (تقرير)
الوقود الأحفوري باقٍ في مزيج الطاقة العالمي.. وسيناريوهات التخلص منه غير واقعية (تقرير)

اقرأ في هذا المقال

  • الوقود الأحفوري باقٍ في مزيج الطاقة العالمي أسوة بالمصادر المتجددة
  • يشهد مزيج الطاقة العالمي متغيرات سنوية في ضوء التوجّه إلى المصادر المتجددة
  • الطبيعة المتقطعة للطاقة المتجددة حجز عثرة أمام حلم تحول الطاقة
  • أميركا الوجهة الاستثمارية الأولى في مشروعات النفط والغاز البحرية
  • مزيج الطاقة العالمي لن يصمد أمام تحديات المستقبل

على الرغم من التدافع العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة سعيًا لتحقيق أهداف الاستدامة والحياد الكربوني، تبقى سيناريوهات التخلص من الوقود الأحفوري غير واقعية بالمرة خلال العقود المقبلة.

ويمرّ مزيج الطاقة العالمي بمستجدات سنوية في ضوء التوجه المتنامي صوب تنويع مصادره وتعزيز الاعتماد على المصادر المتجددة، بدوافع تعزيز أمن الإمدادات ومكافحة تغير المناخ.

غير أن الطبيعة المتقطعة للطاقة المتجددة، ما تزال حجز عثرة أمام حلم التحول الكامل نحو التقنيات النظيفة لتوليد الكهرباء؛ ما يجعل الوقود الأحفوري المصدر الآمن لتوفير إمدادات الكهرباء على الرغم من الانبعاثات الكثيفة المرتبطة بها.

ورغم تراجع حصة النفط والفحم في مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2050، مقابل زيادة في حصة الغاز ومصادر الطاقة النووية والمتجددة، يظل الوقود الأحفوري هو المهيمن على المزيج العالمي حتى 2050، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

وتأتي تلك الهيمنة بقيادة النفط والغاز بحصّة تتجاوز 53%، مقابل تراجع ملحوظ في حصة الفحم، ما يعكس الحاجة الماسّة لكل أنواع الوقود لسدّ نمو الطلب العالمي.

ملامح قطاع الطاقة

ثمة عوامل عديدة من شأنها أن ترسم ملامح قطاع الطاقة العالمي في المستقبل، بما في ذلك المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، والتهديدات الناجمة عن التعرفات الجمركية، والحروب التجارية، إلى جانب أشكال الوقود والتقنيات العديدة التي يُتوقع توافرها إذا سار كل شيء وفق الخطة، واستمرت صناعة الطاقة في إيجاد طرق لزيادة الإنتاج من الأصول الحالية مع البحث عن مصادر جديدة.

وعلى الرغم من توقعات المحللين التي تشير إلى تراجع في الإنتاج والطلب على النفط بسبب الحروب التجارية، من المرجّح أن يواصل النفط والغاز هيمنتهما على مصادر الطاقة على مدى العقد المقبل، بل حتى إلى عام 2050 وما بعده، ما لم تحدث تدخلات عدائية على مستوى السياسات في قطاع الطاقة العالمي.

ونظرًا إلى قضايا أمن الطاقة ومعضلة الاستدامة، تحوِّل صناعة النفط والغاز تركيزها الرئيس على الاستكشافات الهيدروكربونية إلى المساحات البحرية غير المستغلة، لا سيما في آسيا وأفريقيا.

وبناءً عليه تنطلق أنشطة التنقيب البحري كذلك نحو حدودٍ جديدة لاستغلال المزيد من الموارد الهيدوكربونية مع تجنُّب المتاعب المحتملة الناجمة عن الضغوط الشعبية أو الحملات الحقوقية، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة.

ومع ذلك يبقى خليج أميركا، المعروف سابقًا باسم خليج المكسيك، بقعةً ساخنةً للاستكشاف والإنتاج البحريين في الولايات المتحدة الأميركية.

وبينما تحول مخاوف أمن الطاقة مواقع النفط والغاز والغاز الطبيعي المسال إلى روافد خصبة للاستثمار في قطاع الطاقة العالمي، فإن المناطق كافة لا تُعدّ مهيّأة لمثل تلك الفرص نتيجة تحديات أخرى، مثل التضخم المرتفع، وحروب التعرفات الناشئة، والتوترات الجيوسياسية، وقيود سلاسل الإمدادات، والتكاليف الزائدة، والتحول في شهية المستثمر، ومعضلة تغير المناخ.

ويُظهر الإنفوغرافيك التالي - من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- توقعات مزيج الطاقة العالمي بحلول 2050:

توقعات مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2050

مشروعات النفط والغاز البحرية

وفق دراسة مسحية أجراها موقع "أوفشور إنرجي"، تبرز الولايات المتحدة الوجهة الاستثمارية الأولى في مشروعات النفط والغاز البحرية بنسبة 41%، تليها منطقة الشرق الأوسط بنسبة 29%، ثم النرويج (17%)، وأفريقيا (9%)، وأخيرًا آسيا (4%).

ونظرًا للمشاعر السائدة في تلك المناطق، لا سيما الولايات المتحدة التي تشهد طفرةً في النفط والغاز بدعم من السياسات التحفيزية الحكومية، تبدو النتائج المذكورة متّسقة مع أساسيات صناعة الطاقة الحالية العالمية النفط والغاز.

وأظهر تحليل حديث أجرته منظمة غلوبال ويتنس (Global Witness) أن الالتزامات التاريخية المستحقة على شركات النفط الكبرى تتجاوز تريليون دولار، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وبناءً عليه، خلُص التحليل إلى إمكان تحصيل ضريبة مناخية لتغطية الخسائر والأضرار على مدى عقد من كبريات شركات النفط والغاز في العالم، نظير مسؤوليتها التاريخية المزعومة عن تلويث كوكب الأرض؛ غير أن آخرين يرون أن مثل تلك الخُطوة ستُعرّض أمن الإمدادات للخطر وسترفع الأسعار.

صراع الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة

بينما يرى بعضهم، مثل وكالة الطاقة الدولية، أن التوترات الجيوسياسية تُبرِز الحاجة إلى التوسع السريع في الطاقة النظيفة، يعتقد آخرون أن تلك التحديات ترسّخ أهمية التمسك بمصادر الإمدادات المؤكدة مثل الوقود الأحفوري -النفط والغاز- إلى جانب الغاز الطبيعي المسال، التي تتمتع بموثوقية كبيرة لقدرتها إتاحة الكهرباء، بصرف النظر عن ظروف الطقس المتقلب.

ومن هذا المنطلق، طالب الرئيس التنفيذي لمعهد النفط الأميركي مايك سومرز بوضع سياسات تضمن قدرة الولايات المتحدة على "تلبية احتياجات الطاقة غدًا، وليس اليوم".

وسبق أن سلّط "سومرز" الضوء على الحاجة إلى تأمين إمدادات الطاقة في أميركا عبر المصادر المحلية بدلًا من الاعتماد على مناطق أخرى، في وقت تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية عالميًا، بنهاية العام الماضي.

محطات غاز طبيعي في أوروبا
محطات غاز طبيعي في أوروبا - الصورة من CNBC

الطلب على الغاز

وفق وكالة الطاقة الدولية، يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي بمستويات قوية خلال العام الحالي، قياسًا بما كان عليه عليه الحال في العامين السابقين، نتيجة التقلبات الناجمة عن أزمة الطاقة العالمية.

غير أن إمدادات الغاز الجديدة التي تدفقت على الأسواق في عام 2024 بقيت محدودة، نتيجة النمو البطيء نسبيًا لإنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتقلبات أسعار الوقود نتيجة التوترات الجيوسياسية.

وفي هذا الصدد، قال مدير أسواق وأمن الطاقة في وكالة الطاقة الدولية كيسوكي ساداموري: "يعكس النمو الذي نشهده في الطلب العالمي على الغاز خلال عامي 2025 و 2026 التعافي التدريجي من أزمة الطاقة العالمية التي أثّرت بشدة في الأسواق".

وتابع: "غير أن التوازن بين اتجاهات الطلب والعرض هشّ، في ظل وجود مخاطر واضحة لتقلبات مستقبلية، ويتعين على المنتجين والمستهلكين التعاون لتجاوز تلك الأوقات الصعبة، مع مراعاة الحاجة إلى تعزيز التحولات في مجال الطاقة النظيفة لضمان مستقبل آمن ومستدام."

نمو الطاقة المتجددة

توقَّع تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية أن يتوافق النمو في مصادر الطاقة المتجددة عالميًا حتى نهاية العقد الحالي مع سعة الكهرباء الحالية الإجمالية في الاقتصادات الرئيسة؛ ما يمهّد الطريق أمام العالم ليقترب من هدفه المتمثل في مضاعفة سعة الطاقة المتجددة 3 مرات.

ويتوافق هذا مع تقرير "آفاق الطاقة العالمية 2024" الصادر عن وكالة الطاقة الدولية ،الذي حدَّد خياراتٍ مهمة تواجه الحكومات والمستهلكين مع اقتراب وقت "الإمدادات الأكثر وفرة، والطلب المتزايد على الكهرباء، الذي يعيد تشكيل أمن الطاقة".

واستعرض التقرير نقاط الضعف في نظام الطاقة العالمي الحالي، مثل الضغوط الجيوسياسية والصراعات الإقليمية، التي تستوجب وضع "سياسات أقوى واستثمارات أكبر لتسريع وتوسيع نطاق التحول إلى تقنيات أنظف وأكثر أمانًا".

وقال المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول: "خلال النصف الثاني من العقد الحالي، فإن توفير مزيد من الإمدادات الكافية –أو حتى فائض- من النفط والغاز الطبيعي، اعتمادًا على كيفية تطور التوترات الجيوسياسية، سيدخلنا في عالم طاقة مختلف تمامًا عمّا عرفناه وعشنا فيه السنوات الأخيرة، خلال أزمة الطاقة العالمية".

وأضاف: "يعني هذا ضغوطًا تنازلية على الأسعار؛ ما يمنح بعض الراحة للمستهلكين الذين تأثروا سلبًا بارتفاعات الأسعار".

وتابع: "إن فرصة الراحة من ضغوط أسعار الوقود يمكن أن توفر لصانعي السياسات مساحةً للتركيز على تعزيز الاستثمارات في التحول نحو الطاقة النظيفة وإزالة دعم الوقود الأحفوري غير الفعّال".

كما أوضح أن: "هذا يعني أن السياسات الحكومية وخيارات المستهلك سيكون لها تداعيات ضخمة على مستقبل قطاع الطاقة، وكذلك على جهود مكافحة تغير المناخ".

ألواح شمسية بجوار توربينات رياح
ألواح شمسية بجوار توربينات رياح - الصورة من وكالة الطاقة الدولية المتجددة

هيمنة الوقود الأحفوري

في المقابل، سلّط تقرير آفاق النفط العالمية الصادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في شهر سبتمبر/أيلول (2024)، الضوء على هيمنة مصادر الوقود الأحفوري في مشهد إمدادات الطاقة العالمية حتى عام 2030؛ إذ يُتوقع أن تمثّل 77% من مزيج الكهرباء.

وزعمت أوبك أن تقرير "آفاق الطاقة العالمية" الصادر عن وكالة الطاقة الدولية يعضد توقعاتها بشأن ارتفاع معدلات استعمال الوقود الأحفوري؛ إذ توقّع التقرير وصول حصة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة العالمي إلى 75% في عام 2030، صعودًا من 73%، وهي نسبة الحصة التي سبق أن أعلنها التقرير في نسخته الصادرة عام 2023.

وفي السياق ذاته، أكدت وكالة الطاقة الدولية التحول المتوقع في أسواق الطاقة خلال السنوات المقبلة.

وبينما أشارت إلى أن العالم قد يشهد إمدادات وفيرة نسبيًا من الوقود والتقنيات الرئيسة، حذّرت الوكالة كذلك من المخاطر الجيوسياسية التي يُتوقع استمرارها.

شهادة إيني

في مراجعتها الإحصائية العالمية للطاقة، قالت شركة الطاقة الإيطالية إيني، إن الوقود الأحفوري نجح في سدّ 4 أخماس الطلب العام الماضي، بمعدل نمو نسبته 2% تقريبًا؛ ما يمثّل قرابة 80% من الطلب على الطاقة.

واستأثر النفط بنسبة 30% في مزيج الطاقة، والفحم بنسبة 28%، والغاز بنسبة 23%، على الرغم من ارتفاع حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي جاءت دون 3%، بحسب بيانات إيني التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وعلى الرغم من الحاجة الملحّة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، فإن الارتفاع المتوقع في النمو السكاني وتزايد الطلب على الطاقة يؤكدان الحاجة الماسّة إلى ضخ استثمارات مستدامة في جميع مصادر الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، لتجنُّب نقص الإمدادات وتقلبات الأسعار في المستقبل.

محطة كهرباء عاملة بالفحم
محطة كهرباء عاملة بالفحم - الصورة من "سي إن إن"

الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة.. توازن مطلوب

يضع التركيز المتنامي على أمن الطاقة العالمي الهيدروكربونات في صدارة التقدم وتأمين الإمدادات، على الرغم من أن مصادر الطاقة المتجددة ستواصل استحواذها على مساحةٍ أكبر في مزيج الطاقة.

لكن خبراء الطاقة يواصلون الدعوة إلى ضخ مزيد من الاستثمار في جميع مصادر الإمدادات، مع تسليط الضوء على الدور المحوري الذي سيؤديه النفط والغاز حتى بعد عام 2050؛ إذ يتطلع العالم إلى تنويع مزيج الطاقة وضمان إمدادات كافية لتلبية الطلب المتنامي.

وهذا يسلّط الضوء على أهمية رفع إنتاج النفط والغاز هدفًا مشروعًا لضمان أمن الطاقة العالمي، نظرًا لانخفاض معدل الإنتاج العالمي من الأصول الحالية.

ولدى شركات طاقة كبرى، مثل إكسون موبيل الأميركية، يقين بأن أمن الإمدادات يغذّي دوافع الاستثمار في المزيد من النفط والغاز والغاز الطبيعي المُسال، بما يكفي لمواجهة الصدمات الخارجية المحتملة.

وقالت إكسون موبيل: "سيمرّ العالم بنقصٍ حادٍّ في الطاقة، واضطرابات في الحياة اليومية في غضون عام من توقُّف الاستثمارات"، وفق تصريحاتها المتضمنة في رؤيتها للطلب والعرض على الطاقة حتى عام 2050.

وأضافت الشركة: "بالنظر إلى استجابات الأسعار لصدمات إمدادات النفط السابقة، فإن الفقدان الدائم لـ 15% من إمدادات النفط سنويًا قد ترفع أسعار الخام بأكثر من 400%".

وتابعت: "وبالمقارنة، ارتفعت الأسعار بنسبة 200% خلال صدمات أسعار النفط في سبعينيات القرن الماضي، وخلال عقد، من المرجّح أن تصل معدلات البطالة إلى 30%. وهذا أعلى مما كانت عليه خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق جدول ترتيب «مرحلة التتويج» في الدوري المصري بعد هزيمة بيراميدز أمام فاركو
التالى التوترات التجارية والزيادة القياسية في الواردات ...