أخبار عاجلة
موعد والقناة الناقلة لمباراة الاتحاد وشباب ... -

بين المخططات الخبيثة والتحولات الجيوسياسية: كيف تُدار منطقة الشرق الأوسط فى 2025؟

بين المخططات الخبيثة والتحولات الجيوسياسية: كيف تُدار منطقة الشرق الأوسط فى 2025؟
بين المخططات الخبيثة والتحولات الجيوسياسية:  كيف تُدار منطقة الشرق الأوسط فى 2025؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عبد الرحيم على يحذر من مشاريع إسرائيلية أمريكية تهدف إلى إعادة هندسة الصراع الفلسطينى عبر التهجير القسرى والتلاعب بالحقائق الميدانية
يشهد الشرق الأوسط فى عام 2025 مرحلة فارقة تتشابك فيها التحولات الجيوسياسية مع مخططات خفية تهدد استقرار المنطقة ومستقبلها. فبينما تستمر الحروب والصراعات المسلحة فى غزة وسوريا واليمن ولبنان، تبرز تحذيرات خطيرة – مثل تلك التى أطلقها الدكتور عبد الرحيم على – حول مشاريع إسرائيلية ـ أمريكية تهدف إلى إعادة هندسة الصراع الفلسطينى عبر التهجير القسرى والتلاعب بالحقائق الميدانية. هذا الواقع يكشف أن إدارة المنطقة لم تعد مقتصرة على التوازنات العسكرية والسياسية التقليدية، بل باتت رهينة سيناريوهات معقدة تتداخل فيها الأبعاد الأمنية والاقتصادية والإنسانية.
فى هذا السياق، يتناول التحليل مختلف أبعاد المشهد الراهن، بدءًا من المخططات المزعومة لإعادة صياغة القضية الفلسطينية، مرورًا بدور اللاعبين الإقليميين والدوليين، وصولًا إلى المستجدات الأخيرة فى غزة، والتحديات الأمنية والاقتصادية والمناخية التى تواجه المنطقة. كما نسلط الضوء على البعد الإنسانى والاجتماعي، ودور الاتحاد الأوروبى والرأى العام العالمي، قبل استعراض السيناريوهات المستقبلية المحتملة التى قد تحدد مصير الشرق الأوسط فى السنوات المقبلة.
القوى الدولية والإقليمية مطالبة بإدارة الصراعات نحو حلول مستدامة بدلا من الانزلاق الى مرحلة الفوضى الشاملة
تحذيرات الدكتور عبد الرحيم علي
حذر الدكتور عبد الرحيم على من مخطط خبيث يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بدعم مباشر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يقوم على عدة مراحل خطيرة تهدد الأمن الإقليمى برمته:
إغلاق باب التفاوض: منع أى عودة إلى طاولة المفاوضات، ورفض كل التسويات الدولية أو الإقليمية.
الترحيل القسري: السعى لتركيز الفلسطينيين فى رفح الفلسطينية تمهيدًا لدفعهم نحو سيناء.
قصف الحدود: قصف متعمد للجدار الحدودى بين مصر وإسرائيل مع تصويره كحادث عرضي.
دفع الفلسطينيين إلى سيناء: استغلال الفوضى لفتح ثغرات ودفع الفلسطينيين نحو الأراضى المصرية.
تدخل أمريكى مباشر: إدخال قوات أمريكية إلى غزة بذريعة الفصل بين الجيش الإسرائيلى والحدود المصرية، مع الهدف الحقيقى المتمثل فى منع أى تدخل من الجيش المصري.
تثبيت الأمر الواقع: دعم الجيش الإسرائيلى فى القضاء على المقاومة داخل غزة.
مبادرات مشبوهة: طرح مبادرات "إنسانية" لتوطين الفلسطينيين بشكل دائم خارج أراضيهم.
مشروع إعادة الإعمار الموجّه: تحويل غزة إلى مشروع اقتصادى استراتيجى باسم "ريفييرا الشرق الأوسط" تحت إشراف أمريكى إسرائيلي.
كما أطلق الدكتور على تحذيرًا إضافيًا من خطة إسرائيلية لتنفيذ عملية إرهابية كبرى داخل إحدى المدن الإسرائيلية فى ذكرى ٧ أكتوبر، تُلصق بحركة حماس. الهدف – بحسبه – هو:
فك الحصار الشعبى والدولى عن نتنياهو.
عرقلة الاعتراف الدولى بدولة فلسطين.
منع أى مبادرات أمريكية أو أوروبية لإنهاء الحرب قبل تحقيق الأهداف الإسرائيلية.
دفع الداخل الإسرائيلى والولايات المتحدة لمواصلة الحرب حتى "النصر الكامل".
هذه التحذيرات، إذا صحت، تكشف أن إدارة المنطقة لا تجرى فقط عبر التوازنات العسكرية والسياسية المعتادة، بل أيضًا عبر مؤامرات مصطنعة لإعادة هندسة الصراع بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حساب شعوب المنطقة.
السياق الجيوسياسى العام
فى ضوء التحذيرات والمخططات التى يجرى تداولها، يبدو المشهد الجيوسياسى للشرق الأوسط فى عام ٢٠٢٥ معقدًا بدرجة غير مسبوقة. فالمنطقة لم تعد تُدار فقط عبر النزاعات التقليدية أو التحالفات الظاهرة، بل أصبحت ساحة لصراع أعمق يتداخل فيه البُعد الأمنى مع الحسابات الاقتصادية والدبلوماسية. هذه التعقيدات أفرزت شبكة من التوازنات المتغيرة التى يصعب تثبيتها، ما يجعل أى انفجار عسكرى أو سياسى قابلًا لإعادة رسم خريطة التحالفات والاصطفافات فى وقت قصير جدًا.
تتصدر الولايات المتحدة وإسرائيل موقع المبادرة فى صياغة القرارات المفصلية بالمنطقة. فواشنطن، برغم تراجع حضورها فى بعض الملفات العالمية، لاتزال اللاعب الأكثر تأثيرًا عبر دعمها غير المشروط لإسرائيل، وسعيها فى الوقت ذاته للظهور بمظهر الوسيط. أما إسرائيل، فتوظف تفوقها العسكرى لتحقيق مكاسب استراتيجية بعيدة المدى، سواء عبر توسيع عملياتها فى غزة ولبنان، أو من خلال فرض وقائع جديدة على الأرض تتعلق بمصير الفلسطينيين ومستقبل دولتهم.
إلى جانب ذلك، تحاول القوى الإقليمية – مثل إيران والسعودية وتركيا ومصر – إيجاد موطئ قدم فى ظل هذه التوازنات المضطربة. فإيران ما زالت تراهن على "محور المقاومة" لتعويض خسائرها بعد حرب يونيو مع إسرائيل، فيما تعمل السعودية على تعزيز نفوذها الاقتصادى والأمنى من خلال اتفاقيات دفاعية واستثمارات كبرى. أما تركيا، فتنتهز فرصة سقوط نظام الأسد لتعزيز حضورها العسكرى فى شمال سوريا، فى حين تركز مصر على الحفاظ على دورها كوسيط محورى مع دعم قدراتها الدفاعية عبر شراكات مع قوى دولية كالصين.
فى الوقت نفسه، تسعى قوى كبرى مثل الصين وروسيا إلى استثمار الفراغات الاستراتيجية فى المنطقة لمنافسة الولايات المتحدة. فالصين تركّز على البعد الاقتصادى ومشاريع البنية التحتية المرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق"، بينما تواصل روسيا استخدام حضورها العسكرى والسياسى لتعويض خسائرها على جبهات أخرى مثل أوكرانيا. هذه التداخلات الدولية، إلى جانب سقوط نظام الأسد فى ديسمبر ٢٠٢٤ على يد هيئة تحرير الشام (HTS)، والتوتر الإيرانى – الإسرائيلى المستمر، وحرب غزة المشتعلة، جعلت المنطقة فى حالة إعادة تشكيل جيوسياسى شامل يهدد استقرارها لسنوات قادمة.
اللاعبين الرئيسيين فى إدارة المنطقة
تستمر الولايات المتحدة فى لعب دور الوسيط المعلن فى أزمات الشرق الأوسط، إلا أن هذا الدور يظل محاطًا بالكثير من الشكوك. فإدارة الرئيس دونالد ترامب فى ٢٠٢٥ تبدو أكثر انحيازًا لإسرائيل، ليس فقط عبر الدعم العسكرى والسياسى غير المحدود، بل أيضًا من خلال طرح "خطة سلام" فى غزة تحمل بين طياتها أهدافًا تتقاطع مع ما حذر منه الدكتور عبد الرحيم علي، مثل إعادة هندسة القضية الفلسطينية باتجاه التهجير والتوطين. هذا الموقف يجعل واشنطن فى نظر معظم الأطراف العربية فاعلًا غير محايد، بل شريكًا مباشرًا فى إعادة إنتاج الأزمات بدلًا من حلها.
أما إسرائيل، فهى القوة العسكرية المهيمنة فى المنطقة، وتستغل تفوقها العسكرى والتكنولوجى لفرض سياسة "الأمر الواقع". ففى الوقت الذى اعترفت فيه ٨٠٪ من دول الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين، ترفض تل أبيب أى خطوة فى هذا الاتجاه، وتواصل عملياتها المكثفة فى غزة ولبنان. هذه السياسات تجعل من سيناريوهات التهجير القسرى أكثر قابلية للتحقق، خاصة مع تكثيف الضغوط على الفلسطينيين لدفعهم نحو مناطق حدودية. إضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى إشغال العالم بملفات أمنية وعسكرية مصطنعة، كإلصاق عمليات إرهابية بحماس، لتبرير استمرار الحرب.
من جانبها، تحاول إيران استعادة توازنها بعد الضربة الكبيرة التى تلقتها فى حرب يونيو ٢٠٢٥ ضد إسرائيل، والتى أدت إلى تدمير منشآت نووية وخسائر بشرية جسيمة. وفى ظل هذا الضعف، تحاول طهران الترويج لخطاب التهدئة النووية وإعادة الانخراط فى المفاوضات مع الغرب لتخفيف العقوبات. ومع ذلك، لا تزال متمسكة بدعم حلفائها فى المنطقة مثل حزب الله والحوثيين، باعتبار ذلك ورقة ضغط أساسية لإثبات حضورها فى المعادلة الإقليمية. هذه الازدواجية بين الخطاب الدبلوماسى والسياسات الميدانية تعكس مأزق إيران بين حاجتها لإعادة البناء الداخلى ورغبتها فى الحفاظ على نفوذها الخارجي.
على الضفة الأخرى، تتحرك السعودية ودول الخليج فى مسار موازٍ يقوم على تعزيز القوة الاقتصادية والتحالفات الأمنية. فالاتفاق الدفاعى المشترك بين الرياض وإسلام آباد فى سبتمبر ٢٠٢٥ يعكس توجهاً نحو بناء منظومة ردع إقليمى تتجاوز الاعتماد على الحماية الأمريكية. بالتوازى مع ذلك، تسعى هذه الدول إلى جذب الاستثمارات العالمية فى مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، لتقليل الاعتماد على النفط ومواجهة المخاطر الجيوسياسية. أما مصر وتركيا، فهما يواصلان لعب أدوار متباينة: فالقاهرة تركز على الوساطة الدبلوماسية مع تعزيز قدراتها الدفاعية عبر صفقات مع الصين، بينما تسعى أنقرة إلى استثمار سقوط نظام الأسد لتوسيع نفوذها العسكرى فى سوريا، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا فى إعادة تشكيل موازين القوى شمال المنطقة.
المستجدات الأخيرة (سبتمبر ٢٠٢٥)
تشهد غزة فى سبتمبر ٢٠٢٥ واحدة من أسوأ مراحل الحرب المستمرة منذ أشهر. فقد قُتل عشرات الفلسطينيين يوميًا نتيجة الغارات الإسرائيلية، بينهم مدنيون لجأوا إلى المدارس والملاعب التى تحولت إلى ملاجئ مؤقتة. وأجبرت العمليات العسكرية أكثر من ٣٠٠ ألف شخص على النزوح القسرى من مدينة غزة نحو مناطق أقل دمارًا، فيما أُغلق مستشفيان رئيسيان بسبب القصف ونقص الإمدادات. هذا الوضع دفع الأمم المتحدة إلى وصف الأوضاع بأنها "الأسوأ منذ بداية الحرب"، محذّرة من انهيار كامل للنظام الصحى والإنسانى داخل القطاع.
على الصعيد السياسي، شهدت القضية الفلسطينية اختراقًا دبلوماسيًا مهمًا فى سبتمبر ٢٠٢٥، حيث أعلنت كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا اعترافها بدولة فلسطين فى ٢٢ سبتمبر. هذه الخطوة رفعت نسبة الدول الأعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تعترف بفلسطين إلى ما يقارب ٨٠٪. ومع ذلك، قوبلت هذه الاعترافات برفض إسرائيلى قاطع، حيث وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه التحركات بأنها "غير فعالة" ولن تغيّر من الواقع على الأرض. إلا أن هذا الاعتراف الأوروبى الجديد يعكس عزلة إسرائيلية متزايدة على المستوى الدبلوماسي، ويضع ضغوطًا إضافية على الولايات المتحدة التى لا تزال ترفض الاعتراف.
فى موازاة ذلك، استمر ملف إيران وإسرائيل فى صدارة المشهد الإقليمي. فبعد الحرب المدمرة التى اندلعت فى يونيو ٢٠٢٥ وأسفرت عن تدمير منشآت نووية إيرانية ومقتل أكثر من ألف شخص، برزت محاولات خجولة للتهدئة. ففى ٢٤ سبتمبر، أعلن الرئيس الإيرانى بزيشكيان أن طهران لن تسعى لتطوير سلاح نووي، فى رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي. الولايات المتحدة بدورها أبدت استعدادًا مشروطًا لاستئناف المفاوضات النووية، بينما عرض الاتحاد الأوروبى تأجيل بعض العقوبات لستة أشهر مقابل التزام إيران بالتعاون. لكن هذه الرسائل المتبادلة لم تُنهِ حالة الشكوك المتبادلة، مما يجعل خطر التصعيد قائمًا.
على جبهات أخرى، برزت بوضوح حالة الهشاشة السياسية والعسكرية فى عدة دول. ففى سوريا، ما زال سقوط نظام الأسد فى ديسمبر ٢٠٢٤ يلقى بظلاله، مع سيطرة هيئة تحرير الشام (HTS) على مناطق واسعة وتوسع النفوذ التركى فى الشمال. أما فى لبنان، فقد تسببت غارة إسرائيلية فى ٢١ سبتمبر بمقتل خمسة أشخاص بينهم أطفال، ما أثار موجة غضب شعبي. وفى اليمن، صعّدت إسرائيل تدخلها المباشر عبر اغتيال رئيس وزراء الحوثيين فى صنعاء، الأمر الذى عمّق التوترات مع إيران وزاد تعقيد المشهد اليمني. هذه التطورات المتوازية تشير إلى أن المنطقة تتجه نحو مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
التحديات والرؤية المستقبلية
فى البعد الاقتصادي، تبدو المنطقة وكأنها تسير على حبل مشدود. فبينما تستقطب دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، استثمارات كبرى فى قطاعات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية، فإن المخاطر الجيوسياسية تجعل هذه التدفقات عرضة للتقلبات. أى تصعيد عسكرى أو أزمة دبلوماسية قد يعرقل خطط التنمية ويعيد رسم خريطة المصالح الاقتصادية، بما فى ذلك مشاريع الربط الإقليمى وخطط التحول نحو اقتصاد ما بعد النفط.
أما على المستوى الأمني، فإن التحديات تتجاوز حدود الصراعات التقليدية. فإلى جانب النزاعات المسلحة والتوترات الحدودية، يبرز خطر الإرهاب العابر للحدود، مدعومًا أحيانًا بتمويلات سرية أو بفراغات سياسية فى دول منهكة كاليمن وسوريا. كما أضيف إلى المشهد الأمنى عنصر جديد يتمثل فى الحروب الإلكترونية، حيث لم تعد الهجمات السيبرانية تقتصر على تعطيل أنظمة بلدان محدودة القدرات، بل امتدت لتطال مؤسسات مالية وعسكرية لدول إقليمية كبرى.
من زاوية المناخ والتنمية، تشكل الحروب المستمرة حاجزًا أمام إطلاق مشاريع الطاقة النظيفة وإعادة الإعمار البيئي. المبادرات التى أطلقتها بعض الدول، مثل "السعودية الخضراء" أو مشروعات الطاقة الشمسية فى مصر والأردن، تواجه صعوبات فى التمويل والتنفيذ بسبب انعدام الاستقرار. فى المقابل، يزداد الضغط على الموارد الطبيعية، خاصة المياه، فى ظل استمرار النزوح الجماعى والتوسع العمرانى غير المخطط له.
أما فى ما يتعلق بـ الرؤية المستقبلية، فإن المنطقة تقف أمام مفترق طرق. فهى من ناحية قادرة، إذا تحقق الحد الأدنى من الاستقرار السياسى والأمني، على أن تصبح مركزًا عالميًا للطاقة المتجددة والتكنولوجيا الناشئة. ومن ناحية أخرى، فإن استمرار دوامة الصراعات قد يجعلها أكثر هشاشة، مع ازدياد الاعتماد على القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا) لتأمين مصالحها. التحدى الأكبر إذن هو قدرة الفاعلين الإقليميين على صياغة توازن بين التنمية والاستقرار، وبين الانفتاح الاقتصادى والحفاظ على السيادة الوطنية.
البعد الإنسانى والاجتماعي
رغم أن المشهد الجيوسياسى يطغى على التحليلات المتعلقة بالشرق الأوسط فى ٢٠٢٥، فإن الكارثة الإنسانية تبقى البعد الأكثر إلحاحًا. ففى غزة مثلًا، أدت الغارات المتواصلة إلى تفكك البنية الاجتماعية بشكل غير مسبوق؛ آلاف الأسر تشتتت، والأطفال باتوا يفتقدون بيئة آمنة أو حتى مقومات أساسية للتعليم. الصدمات النفسية الناتجة عن مشاهد الدمار المستمرة خلقت جيلًا يواجه تحديات عميقة فى الصحة النفسية، فى حين ارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات كارثية. إلى جانب ذلك، تعمل المنظمات الإنسانية الدولية فى ظروف شبه مستحيلة. فالحصار يعيق وصول المساعدات الطبية والغذائية، والمستشفيات التى صمدت أمام القصف تعانى نقصًا حادًا فى الأدوية والأجهزة. أما على المستوى الإقليمي، فإن هذه الأوضاع الإنسانية تُغذى مشاعر الغضب الشعبى وتزيد من الضغوط على الحكومات العربية للتحرك سياسيًا أو ميدانيًا. بذلك، يتحول البعد الإنسانى من مجرد "نتيجة" للصراع إلى عامل فاعل يؤثر فى قرارات الدول ومسار الأحداث.
دور الاتحاد الأوروبي
فى خضم التصعيد المستمر، برز الاتحاد الأوروبى كفاعل يحاول الموازنة بين الضغوط الداخلية والمصالح الخارجية. اعتراف فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بدولة فلسطين فى سبتمبر ٢٠٢٥ شكّل خطوة رمزية مهمة، لكنها فى الوقت نفسه تكشف عن انقسام أوروبى داخلى بين دول تتبنى موقفًا أكثر جرأة، وأخرى تخشى الدخول فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه الاعترافات زادت من عزلة تل أبيب سياسيًا، ورسّخت صورة أوروبا كجبهة دبلوماسية ضاغطة، ولو نسبيًا.
إلا أن الاتحاد الأوروبى ما زال يفتقد إلى أدوات ضغط قوية تُترجم الاعترافات إلى واقع سياسي. فالتكتل الأوروبى يعتمد على إسرائيل فى مجالات حساسة كالتكنولوجيا والأمن السيبراني، وهو ما يضع حدودًا لأى مواجهة مباشرة. كما أن الانشغال الأوروبى بالحرب فى أوكرانيا وأزمات الطاقة يجعل القضية الفلسطينية فى مرتبة ثانية من الأولويات. ومع ذلك، يظل احتمال استخدام ورقة العقوبات الاقتصادية أو تقييد التعاون العسكرى مع إسرائيل قائمًا إذا استمرت الحرب فى غزة بمعدلاتها الكارثية، خصوصًا مع ضغط الرأى العام الأوروبى المتزايد.
الرأى العام العالمى والإعلام
أصبح الرأى العام العالمى فى ٢٠٢٥ لاعبًا غير تقليدى فى معادلة الشرق الأوسط، خاصة مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي. صور الدمار فى غزة ومقاطع الأطفال الناجين من تحت الأنقاض أثارت موجات تضامن عابرة للحدود، دفعت بآلاف المتظاهرين للنزول إلى شوارع العواصم الأوروبية والأمريكية. الجامعات الغربية شهدت حركات احتجاجية واسعة تطالب حكوماتها بوقف الدعم لإسرائيل، وهو ما وضع الإدارات السياسية تحت ضغط متزايد لموازنة علاقاتها الإستراتيجية مع تل أبيب أمام الرأى العام الداخلي.
فى المقابل، سعت إسرائيل والولايات المتحدة إلى التحكم فى السردية عبر حملات إعلامية ضخمة، لكن انتشار الإعلام الرقمى غير الخاضع للرقابة التقليدية جعل هذه الروايات أقل تأثيرًا مما كانت عليه سابقًا. المبادرات الفردية من صحفيين مستقلين ومنظمات حقوقية صغيرة لعبت دورًا بارزًا فى فضح الانتهاكات، ما جعل المعركة الإعلامية لا تقل شراسة عن المعركة العسكرية. وهكذا، لم يعد الإعلام مجرد وسيلة نقل للأخبار، بل تحول إلى ساحة صراع رئيسية تُحدد مسارات الدعم الشعبى والسياسى للصراع فى غزة.
الاقتصاد السياسى للحرب
الحرب فى غزة وباقى جبهات الشرق الأوسط لم تعد مجرد نزاعات عسكرية، بل تحولت إلى سوق ضخمة تتحرك فيها مصالح اقتصادية معقدة. فشركات السلاح الغربية تحقق أرباحًا غير مسبوقة من صفقات التسلح الطارئة التى تبرمها إسرائيل ودول المنطقة على حد سواء. وفى المقابل، تُطرح مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية كفرصة استثمارية كبرى، لكن تحت وصاية أمريكية ـ إسرائيلية، بما يعكس رغبة فى التحكم بالاقتصاد الفلسطينى وإعادة تشكيله بما يخدم أجندات سياسية بعيدة المدى.
إلى جانب ذلك، تبرز أهمية الممرات البحرية مثل قناة السويس وباب المندب كمحاور استراتيجية للحرب الاقتصادية. فالتوتر فى هذه الممرات يعيد رسم خرائط التجارة العالمية ويضاعف من تكاليف النقل، ما يدفع بعض القوى الكبرى – كالصين وروسيا – إلى محاولة استثمار هذا الاضطراب لصالح مبادراتها البديلة. وبهذا يصبح الصراع أكثر من مجرد نزاع حدودى أو ديني؛ إنه معركة على الموارد والأسواق والممرات الحيوية، حيث يمتزج الدم بالمال فى صياغة مستقبل المنطقة.
السيناريوهات المستقبلية
المسارات المستقبلية للأوضاع فى المنطقة تبدو مفتوحة على عدة سيناريوهات متباينة:
سيناريو التصعيد الإقليمي:
فى حال لم تتمكن الأطراف الدولية من كبح جماح الحرب الجارية، قد تمتد رقعتها لتشمل ساحات إقليمية أخرى مثل لبنان أو سوريا أو اليمن. هذا التوسع سيؤدى إلى فتح جبهات متعددة فى وقت واحد، ما يضعف قدرة أى طرف على السيطرة على المشهد. دخول "حزب الله" أو الميليشيات المرتبطة بإيران على خط المواجهة المباشرة سيحوّل الصراع إلى حرب إقليمية شاملة، تنعكس على الملاحة فى البحر الأحمر والبحر المتوسط، وتزيد من احتمالات المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران.
سيناريو التسوية المؤقتة:
هذا السيناريو يبدو الأكثر واقعية على المدى القريب، حيث تسعى القوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى فرض وقف لإطلاق النار كخطوة لاحتواء الانفجار الإقليمي. إلا أن هذه التسوية، فى حال تحققها، ستبقى سطحية، إذ إنها لن تعالج القضايا الجوهرية مثل مستقبل غزة أو الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ككل. وبذلك، فإن الوضع سيظل هشًا، قابلًا للانهيار عند أول اختبار ميدانى أو سياسي.
سيناريو إعادة الهيكلة الكبرى
يُعد هذا السيناريو الأكثر إثارة للجدل والأكثر خطورة على الاستقرار الإقليمي. إذ تقوم بعض المشاريع المطروحة على فرض تغييرات جذرية مثل التهجير القسرى أو إعادة تخطيط غزة تحت مسمى "ريفييرا غزة". مثل هذه الطروحات، حتى وإن بدت للبعض حلولًا تنموية أو إنسانية، تحمل فى طياتها أبعادًا سياسية عميقة قد تفجر غضبًا شعبيًا واسعًا، وتخلق موجات جديدة من التطرف والاضطراب، بل وربما صراعات ممتدة لسنوات طويلة.
مفترق طرق 
خلاصة القول إن الشرق الأوسط فى ٢٠٢٥ يقف عند مفترق طرق تاريخي. فإما أن تنجح القوى الدولية والإقليمية فى إدارة الصراعات نحو حلول مستدامة، أو أن ينزلق المشهد إلى فوضى أشمل تُعيد إنتاج دورات العنف والتطرف لسنوات طويلة. وبين هذين الاحتمالين، يبقى صوت الشعوب ومعاناتها الإنسانية هو العامل الأكثر إلحاحًا، والذى قد يفرض نفسه فى النهاية كمتغير لا يمكن تجاهله فى أى معادلة سياسية أو جيوسياسية مقبلة.
استمرار النزاعات يعيد إنتاج دورات العنف والتطرف لسنوات طويلة

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الرقابة المالية تعتمد استثمارات جديدة لصناديق التأمين الخاصة بقيمة 17 مليار جنيه
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"