في أعقاب وباء كوفيد-19، وبعد ثلاث سنوات من أزمة مالية خانقة، أرهقت الأسر المصرية منذ 2022، بدأت مؤشرات تعافٍ تدريجي تظهر على الجنيه المصري مع تحسن سعر الصرف وتراجع التضخم، في وقت تؤكد فيه الحكومة أن "الأزمة انتهت".
وبينما تواصل المؤشرات الرسمية إرسال إشارات مطمئنة، يبقى السؤال الأكبر في الشارع: هل تنعكس هذه الأرقام على معيشة المواطنين فعليًا؟
وفقًا لصحيفة ذا ناشيونال، ارتفع الجنيه المصري بنسبة 5.25 في المئة أمام الدولار بين يناير وسبتمبر 2025، وهو ما اعتبرته الحكومة إنجازًا يُضاف إلى تراجع التضخم من مستويات فاقت 35 في المئة مطلع 2024 إلى أدنى معدلاته منذ 2022.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الشهر الماضي أن "الأزمة الاقتصادية قد انتهت"، مؤكّدًا أن مصر لن تطلب تمويلًا إضافيًا من صندوق النقد الدولي بعد حصولها على قرض بقيمة 8 مليارات دولار.
لكن خلف هذه التصريحات المطمئنة، يرى محللون أن الصورة أكثر تعقيدًا. فبينما تروّج الحكومة لخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي لتصل إلى 80% العام المقبل بعد أن كانت 97%، وزيادة الصادرات الزراعية بأكثر من نصف مليون طن خلال عام واحد، يحذّر خبراء من هشاشة هذا التعافي. إذ يعتبر بعضهم أن مصر "عادت إلى نقطة 2016"، حين لجأت لأول مرة إلى صندوق النقد الدولي وقطعت وعودًا بإفساح المجال أمام القطاع الخاص، لكنها لم تُنفّذ بشكل كامل حتى الآن.
وكان صندوق النقد نفسه قد أبدى قلقًا من بطء الإصلاحات، وأوقف شريحة خامسة من القرض بعد أن طالَب مصر ببيع عشرات الشركات التابعة للدولة لجذب الاستثمار الأجنبي. ومع أن بعض الصادرات المصرية، خاصة في الزراعة والمنتجات الهندسية، ارتفعت بنسبة 15% في النصف الأول من 2025، إلا أن تردد الدولة في تقليص هيمنتها الاقتصادية ما زال يثير حذر المستثمرين.
وفي المقابل، خفّض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام بعد فترة تشديد طويلة، ما أدى إلى نزول معدلات الإقراض من 27.5% إلى 22%، وهو ما ساعد المصدّرين على خفض تكاليف التمويل والتوسع في الإنتاج. كذلك استفاد الاقتصاد من تراجع الدولار عالميًا، مما خفّف الضغط على العملة المحلية ومنحها دفعة إضافية.
غير أن كل هذه المؤشرات الكلية لم تصل بعد إلى جيوب المواطن العادي. وصحيح أن التضخم انخفض إلى 12% الشهر الماضي، لكن أسعار سلع أساسية مثل اللحوم والدواجن لا تزال مرتفعة نسبيًا، فيما تستمر الأسر في مواجهة جمود الأجور واتساع فجوة الدخل.
وقال محللون للصحيفة إنهم يرون أن إعلان الحكومة "انتصارها" على الأزمة لا يعكس واقع الأسر التي تضاعفت عليها فواتير الكهرباء وارتفعت كلفة التعليم والإيجارات.
ويشير الخبراء إلى أن جزءًا كبيرًا من التعافي المعلن يقوم على صفقات عديدة، مثل بيع أصول حكومية أو تسويات مالية، ما يثير تساؤلات حول استدامته.
ويرى مواطنون أن نجاح الحكومة لن يُقاس بمعدل نمو الناتج المحلي أو حجم الصادرات، بل بقدرتها على تخفيف الأعباء اليومية وتوسيع القدرة الشرائية للملايين.
وأضافت الصحيفة: “ومع أن القاهرة تحتفل بتراجع التضخم وارتفاع الجنيه، تبقى المخاوف قائمة من أن يكون هذا التعافي مجرد استراحة مؤقتة في مسار طويل من الضغوط الاقتصادية، خصوصًا أن غالبية المصريين لم يشعروا بعد بأي تحسن ملموس في حياتهم اليومية.
والرهان الآن، بحسب خبراء الاقتصاد، هو أن تتحول المؤشرات الإيجابية إلى واقع معيش يحسّه المواطن عند شراء الخبز أو دفع إيجار الشقة، لا أن تظل أرقامًا في التقارير الحكومية”.