أخبار عاجلة

تغير المناخ.. كذبة سياسية أم حقيقة علمية؟ (مقال)

تغير المناخ.. كذبة سياسية أم حقيقة علمية؟ (مقال)
تغير المناخ.. كذبة سياسية أم حقيقة علمية؟ (مقال)

في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 23 سبتمبر 2025، فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جدلًا واسعًا حين وصف تغير المناخ بأنه "أكبر عملية خداع في التاريخ".

لم يكن هذا التصريح الأول من نوعه، لكنه جاء في لحظة يزداد فيها الحديث عن التحوّل الطاقوي، وعن الحاجة الماسّة إلى سياسات مناخية أكثر جرأة.

وهذه السياسات هدفها مواجهة موجات حرّ غير مسبوقة وكوارث طبيعية متكررة، وخلال وقت يستعد فيه العالم لاحتضان كوب 30 في البرازيل.

هذا الموقف يعيدنا إلى سؤال ظل يطارد الرأي العام لعقود: هل تغير المناخ حقيقة علمية لا تقبل الشك، أم أنه مبالغة تُستعمَل بوصفها سلاحًا سياسيًا واقتصاديًا؟ الإجابة تدفعنا لتناول الرأيين معًا.

التوجّه الأول: المناخ مجرد مبالغة أو خدعة

هناك تيار متجذّر في أوساط سياسية واقتصادية، خصوصًا داخل الولايات المتحدة، يرى أن تغير المناخ ليس إلا مبالغة كبرى. وحججهم متعددة:

أولى هذه الحجج: أن الأرض، عبر تاريخها الطويل، مرت بدورات طبيعية من البرودة والدفء.

فما نشهده اليوم قد لا يكون سوى حلقة جديدة في تلك الدورة الجيولوجية، مثل العصور الجليدية السابقة.

ثانيًا: يشير المشككون إلى أن العلم ذاته ليس بريئًا من التسييس؛ فالكثير من الدراسات تُموَّل من حكومات أو منظمات دولية لها مصالح واضحة في فرض سياسات معينة، هي:

  • ضرائب كربونية.
  • قيود على الوقود الأحفوري.
  • تحويل وجهة الاستثمارات.

وهنا يطرحون سؤالًا مباشرًا: مَن المستفيد من تسويق خطاب "الكارثة المناخية"؟

تغير المناخ

إلى جانب ذلك، لا يغفل هؤلاء التكلفة الاقتصادية الباهظة للتحول نحو الطاقات النظيفة؛ فهناك تقارير صادرة عن مراكز مثل "Cato Institute" و"Heartland Institute"، تحذر من أن الاقتصادات ستتكبّد خسائر هائلة إذا أُجبرت على التخلي السريع عن النفط والفحم.

ملايين الوظائف معرّضة للخطر، وسلاسل إمداد كاملة قد تنهار. من هذا المنظور، يصبح إنكار الأزمة شكلًا من أشكال الدفاع عن الاقتصاد الوطني.

وأخيرًا، يستند المشككون إلى حقيقة أن "الإجماع العلمي" ليس كاملًا بنسبة 100%. صحيح أن الغالبية الساحقة من العلماء تؤكد وجود تغير المناخ، لكن وجود أقلية -مهما كانت صغيرة- تعارض هذه الفرضيات يمنح مادة دسمة لخطاب الشك.

إن هذه الحجج تجعل تصريح ترمب بالنسبة لمؤيديه ليس مجرد خروج عن السياق، بل تعبيرًا عن رفض رؤية "العلم المسيس" وهو يفرض قيودًا على الاقتصاد.

التوجّه الثاني: المناخ حقيقة مثبتة لا لبس فيها

في المقابل، يقف المجتمع العلمي الدولي تقريبًا بإجماع واسع، مؤكدًا أن تغير المناخ واقع لا يمكن إنكاره؛ فالأدلة العلمية تراكمت بشكل غير مسبوق.

تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2023 أوضح أن متوسط حرارة الأرض ارتفع بـ1.1 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وأن 95% من هذه الزيادة تعود إلى الأنشطة البشرية؛ في مقدمتها حرق الوقود الأحفوري.

كما أظهرت بيانات وكالات الفضاء والأرصاد مثل ناسا و"NOAA" تشير إلى أن العقد الأخير كان الأشد حرارة منذ بدء التسجيل في القرن الـ19 وأن الظواهر المناخية المتطرفة لم تعد استثناءً، بل صارت القاعدة: وموجات حرّ قاتلة، وأعاصير مدمرة، وجفاف متكرر، وفيضانات تضرب المدن الكبرى.

لكن الأرقام لا تكفي وحدها؛ فالناس اليوم يرون أمام أعينهم أدلة لا يمكن إنكارها: من ذوبان الجليد في القطبين إلى ارتفاع منسوب البحار وحرائق الغابات التي تحصد ملايين الهكتارات كل عام.

كلها مؤشرات يلمسها العالم بشكل يومي، ولم تعد محصورة في المختبرات أو النماذج النظرية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الصورة من بي بي سي

من البيئة إلى الأمن القومي

الأمر لم يعد مسألة بيئية صرفة. تغيّر المناخ أصبح قضية أمن قومي عالمي؛ حيث تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) إلى أن الظاهرة أصبحت "مضاعفًا للأزمات".

فهي تؤثر في الزراعة والمياه والطاقة، وتزيد من هشاشة الاقتصادات، وتدفع باتجاه موجات هجرة وصراعات جديدة.

بمعنى آخر، المناخ لم يعد مجرد ملف علمي، بل أصبح محددًا رئيسًا للاستقرار العالمي.

هذا البعد الأمني يجعل القضية أكثر تعقيدًا.

فبينما يرى ترمب أن "أجندة المناخ" محاولة لإضعاف الولايات المتحدة أمام منافسين مثل الصين، يرى الخبراء أن أي تأجيل اليوم سيجعل التكلفة مضاعفة غدًا: دمار البنية التحتية، تعطل سلاسل الإمداد، وفواتير إعادة الإعمار التي قد تتجاوز بكثير تكلفة التحوّل الطاقوي.

وعليه فإن هذا الاتجاه يرى أن التشكيك في الظاهرة اليوم هو تجاهل متعمد لأدلة علمية صارخة، وأن تأجيل التحرك سيؤدي إلى أضرار أكبر اقتصاديًا واجتماعيًا على المدى الطويل.

السياسة والعلم: معركة بلا نهاية

الحقيقة أن جذور الخلاف ليست علمية فقط، بل سياسية واقتصادية.

فتغير المناخ أصبح ملفًا يحدد اتجاهات الاستثمار في الطاقة، ويفرض إعادة التفكير في السياسات الصناعية والتجارية.

ترمب عبّر بوضوح عن مخاوف قطاع واسع من رجال الأعمال وصناعات الوقود الأحفوري حين قال إن "أجندة المناخ تهدف إلى إضعاف الولايات المتحدة لصالح منافسين مثل الصين".

في المقابل، يردّ العلماء والناشطون بأن أي تأجيل في اتخاذ خطوات جادة اليوم ستكون تكلفته أعلى غدًا، سواء في شكل كوارث طبيعية متكررة أو خسائر اقتصادية مباشرة نتيجة تعطل سلاسل الإمداد ودمار البنية التحتية.

حتى داخل الولايات المتحدة، يمكن ملاحظة انقسام واضح: ولايات تعتمد اقتصاديًا على الفحم والنفط تقف ضد التشريعات المناخية، وولايات ساحلية تعاني أعاصير وارتفاع مستوى البحر تدفع بقوة نحو سياسات أكثر صرامة.

ختامًا بين من يرى تغير المناخ "أكبر خدعة في التاريخ" ومن يراه "الخطر الأكبر على مستقبل البشرية"، تظل الحقيقة محاصرة بين قراءتين متناقضتين: قراءة ترى في الأرقام مبالغة مسيّسة، وأخرى تَعُدها ناقوس خطر لا يحتمل التأجيل.

لكن بعيدًا عن الجدل، تبقى الظواهر المناخية المتطرفة واقعًا يوميًا: حرائق الغابات، الفيضانات، الجفاف، موجات الحرّ.

هذه الأحداث أصبحت لغة الطبيعة في الردّ على النقاشات، وربما ستفرض نفسها حكمًا نهائيًا لا يعترف بالانقسامات السياسية ولا بالجدل الإعلامي.

* د. منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ضبط فتاة ألقت رضيعتها في الشارع بمحيط جامعة القاهرة
التالى المركزي السعودي يخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس حفاظًا على الاستقرار النقدي