في منتصف الليل، يستيقظ فزعًا، قلبه ينبض بسرعة غير معتادة لقد رأى والده المتوفى منذ خمس سنوات، يأتيه في الحلم، يحدّق فيه بصمت ثم يبتسم ويربت على كتفه. لا كلمات قيلت، ولا أوامر أُعطيت. فقط تلك النظرة التي بقيت عالقة في ذهنه حتى الصباح.
رؤية الميت في المنام ليست مشهداً عابرًا في ذاكرة النوم، بل لحظة توقظ مشاعر معقدة، بين الاشتياق والخوف والتساؤل. هل هو مجرد اشتياق دفين؟ أم أن وراء الحلم رسالة علينا أن نفك شفرتها؟
بين علم النفس والتفسير التقليدي
علم النفس له رأي واضح. يرى أن رؤية الميت غالبًا ما تعكس اشتياقًا داخليًا أو شعورًا بالذنب لم يُحل، أو حتى لحظة صفاء نفسي يبحث فيها العقل الباطن عن إجابات من الماضي. في المقابل، تحتفظ كتب التفسير الكلاسيكية برؤية مختلفة، فيها البعد الروحي يتقدم على التحليل النفسي.
ابن سيرين، أحد أبرز المفسرين، يرى أن رؤية الميت إذا جاء ضاحكًا مطمئنًا فهي بشارة خير، أما إذا جاء حزينًا أو صامتًا فقد تكون تحذيرًا أو إشارة لمشكلة تنتظر الحل.
الرسائل التي لا تُقال بالكلمات
اللافت أن أغلب من يرون أمواتهم في المنام لا يتلقّون منهم كلمات كثيرة. أحيانًا، تكفي الإيماءة أو النظرة أو حتى وجود الميت في مكان معين ليُفهم منها رسالة غير منطوقة. هذا ما يجعل الحلم مع الميت يختلف عن أي حلم آخر، فهو محمّل بشحنة وجدانية وروحية عالية.
هل علينا أن نصدق الحلم؟
تختلف الآراء بين من يراه مجرد انعكاس للعقل الباطن، ومن يؤمن بأنه تواصل بين عالمين، يحمل رسالة أو طلبًا. البعض يتوجه بعد الرؤية مباشرةً للصدقة أو الدعاء، وكأن الميت طرق الباب ليذكّرهم أنه لا يزال في الذاكرة.. وفي حاجة.
بين التفسير والإيمان
مهما اختلفت التفسيرات، يبقى حلم الميت مساحة خاصة جدًا في وجدان من يراه. حلم لا ينسى بسهولة، لا يُروى كغيره من الأحلام، وغالبًا.. لا يُنسى.. وربما هذا هو سرّه الأكبر: أنه لا يحمل فقط صورة من رحل، بل جزءًا منّا نحن أيضًا.