أخبار عاجلة

مصر تعزز إنتاج القمح واستيراده لتلبية الطلب المتزايد

مصر تعزز إنتاج القمح واستيراده لتلبية الطلب المتزايد
مصر تعزز إنتاج القمح واستيراده لتلبية الطلب المتزايد

في ظل الارتفاع المطرد في عدد السكان وتزايد الحاجة إلى الغذاء الأساسي، تواصل مصر جهودها لتعزيز إنتاج القمح المحلي وتكثيف الاستيراد في الوقت نفسه لتلبية الطلب الداخلي. ووفقًا لتقرير حديث صادر عن الخدمة الزراعية الأجنبية بوزارة الزراعة الأمريكية ونشره موقع أوكراجريكونسلت المتخصص في تحليلات أسواق الحبوب والزيوت، فإن مصر – صاحبة الـ108 ملايين نسمة – تحتاج سنويًا إلى ما يقارب 20 مليون طن من القمح، بينما لا يغطي الإنتاج المحلي سوى نحو نصف هذه الكمية. وقد أشار التقرير إلى أن الموسم الزراعي 2025/2026 سيشهد ارتفاعًا طفيفًا في الإنتاج المحلي ليصل إلى 9.2 مليون طن، مقارنةً بـ9 ملايين طن في الموسم السابق، فيما سترتفع الواردات إلى 12.7 مليون طن بدلًا من 12.5 مليون طن.

 

يُزرع القمح في مصر عادة في نوفمبر ويُحصد في أبريل، وتحدد المساحات المزروعة بشكل كبير وفق أسعار التوريد الحكومية. فكلما ارتفع سعر الشراء من الدولة زادت حماسة الفلاحين للتوسع في زراعة القمح. وفي السنوات الأخيرة، ساهمت هذه السياسات في رفع معدلات الإنتاج نسبيًا، غير أن الفجوة بين ما يُنتج وما يُستهلك تظل واسعة، إذ يغطي القمح المحلي ما بين 50 إلى 55% فقط من احتياجات السوق المصرية. هذا الوضع يجعل البلاد في صدارة الدول المستوردة للقمح عالميًا، خاصة وأن برنامج الدعم الحكومي للخبز يحافظ على أسعار رغيف العيش في متناول الغالبية العظمى من المواطنين.

 

من جهة أخرى، يعتمد السوق المصري بدرجة كبيرة على القمح الروسي والأوكراني، بسبب المنافسة السعرية وتكاليف الشحن الأقل وسرعة التوريد عبر موانئ البحر الأسود مقارنة بمورّدين آخرين. وقد سجلت السنوات الثلاث الأخيرة زيادة لافتة في دور القطاع الخاص في الاستيراد، إذ لم يقتصر الأمر على تلبية احتياجات السوق الداخلية، بل امتد إلى تعزيز صادرات الدقيق المصري إلى أسواق إقليمية في الشرق الأوسط وأفريقيا. ورغم هذا التوسع، تشير التقديرات إلى أن صادرات دقيق القمح ستتراجع في موسم 2025/2026 إلى مليون طن فقط، بانخفاض 23% عن توقعات العام الماضي، وذلك نتيجة قيود حكومية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستهلاك المحلي والالتزامات التصديرية.

 

وفي السياق نفسه، يبرز دور مصر كلاعب إقليمي مهم في تصدير الدقيق، خصوصًا إلى الدول المتأثرة بالنزاعات مثل غزة والسودان. ومع ذلك، فإن الانخفاض المتوقع في الصادرات يعكس حرص القاهرة على ضمان وفرة الدقيق داخليًا، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية والتقلبات في أسعار الغذاء. يضاف إلى ذلك أن تعافي بعض القدرات الإنتاجية في السودان أعاد جزءًا من التوازن للأسواق الإقليمية، مما قلل من حجم الطلب الخارجي على الدقيق المصري.

 

أما على صعيد المحاصيل الأخرى، فيشير التقرير إلى أن إنتاج الذرة في مصر خلال موسم 2025/2026 سيبلغ نحو 6.7 مليون طن، وهو انخفاض بنسبة 7.6% عن التوقعات السابقة. ويرجع ذلك إلى موجات الحر الشديدة وانتشار آفة "دودة الحشد الخريفية"، ما أثر سلبًا على المحصول خلال أشهر الصيف. ومع توقع ارتفاع الاستهلاك المحلي من الذرة بنسبة 4.4% ليصل إلى 16.5 مليون طن، مدفوعًا بالطلب الكبير من قطاع الدواجن، ستضطر مصر إلى زيادة وارداتها إلى 9.5 مليون طن، بزيادة 9% مقارنة بالعام الماضي، مع الاعتماد بشكل أساسي على البرازيل وأوكرانيا والأرجنتين كمصادر رئيسية.

 

وفي المقابل، تبدو الصورة أكثر إشراقًا في ما يخص الأرز، حيث يتوقع أن يصل إنتاج الأرز المطحون إلى 4.2 مليون طن في موسم 2025/2026، بزيادة 7.7% عن العام السابق. ويُعزى ذلك إلى انخفاض تكاليف زراعة الأرز مقارنة بمحاصيل صيفية أخرى، وهو ما دفع العديد من المزارعين إلى تجاوز المساحات التي حددتها وزارة الموارد المائية والري للزراعة. ورغم هذا التوسع، سيبقى الاستهلاك المحلي مستقرًا عند حدود 4 ملايين طن، بينما ستعتمد السوق على واردات محدودة لا تتجاوز 140 ألف طن لتغطية أي فجوة.

 

وتُظهر هذه الأرقام أن مصر تسير على خيط دقيق بين تنمية الإنتاج المحلي وتلبية الطلب المتزايد عبر الاستيراد، وهو تحدٍّ مركّب يرتبط بعوامل مناخية واقتصادية وسياسية في آن واحد. فمن جهة، تحاول الدولة توسيع الرقعة الزراعية ورفع أسعار التوريد لجذب المزارعين، ومن جهة أخرى، تبقى رهينة لتقلبات الأسواق الدولية، سواء في أسعار القمح أو الذرة أو الأرز. وتبرز هنا أهمية الشراكات التجارية مع الموردين التقليديين، إضافة إلى البحث عن أسواق بديلة لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على مصدر واحد.

 

وبالنظر إلى الدور المحوري الذي يلعبه القمح في الأمن الغذائي المصري، فإن استمرار التوازن بين الإنتاج المحلي والواردات سيكون شرطًا أساسيًا للحفاظ على استقرار الأسعار وضمان وصول الخبز المدعوم إلى ملايين المصريين. كما أن التحديات المناخية والضغوط الاقتصادية تستدعي استراتيجيات طويلة المدى تركز على تحسين الإنتاجية، والاستثمار في البحث الزراعي، وتعزيز البنية التحتية للتخزين والنقل. وفي النهاية، تظل قضية القمح مرآة تعكس معركة مصر المستمرة بين حاجاتها الداخلية وتقلبات الأسواق العالمية، وهي تحديات لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل| 9 مليارات دولار.. السيسي يكشف حجم خسائر قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"