اللجنة الدولية للإنقاذ: أطفال غزة يدفعون الثمن الأكبر للحرب بعد عامين من القصف الإسرائيلي
(IRC): 7 من كل 10 أطفال بغزة يعانون اضطرابات في النوم و1 من كل 5 أطفال منطويًا أو صامتًا
غزة تسجل الرقم القياسي العالمي لأعلى نسبة أطفال مبتوري الأطراف مقارنة بعدد السكان
الأطفال الذين فقدوا أقاربهم يواجهون صدمات نفسية عميقة تتجلى في القلق والكوابيس والخوف من الوحدة
اللجنة: الأطراف الاصطناعية وخدمات إعادة التأهيل تبقى شحيحة وعلاج الصدمات النفسية شبه غائب
الأماكن الآمنة مكتظة وقطاع التعليم يقترب من الانهيار مع تفاقم أزمة الجوع
يجب وقف تعرض الأطفال لمزيد من الأذى والسماح لعمليات الإغاثة بالاستمرار والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار
بعد ما يقارب عامين من الحرب والحصار، يعيش أطفال غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. بين الجوع والحرمان من الغذاء، والإصابات البالغة التي وصلت إلى حد بتر الأطراف، والصدمات النفسية الناتجة عن فقدان الأهل والكوابيس المتكررة، باتت الطفولة هناك محاصرة بالموت والخوف، فيما تتقلص فرص النجاة يومًا بعد يوم تحت الحصار المشدد وغياب الخدمات الأساسية.
حذرت اللجنة الدولية للإنقاذ (IRC) في تقرير لها من أن الأطفال في غزة ما زالوا يدفعون الثمن الأكبر للحرب، بعد ما يقارب عامين من القصف الإسرائيلي والعملية البرية الأخيرة في مدينة غزة، مشيرةً إلى تدهور غير مسبوق في أوضاعهم الجسدية والنفسية.
وكشفت اللجنة أن سبعة من كل عشرة أطفال يعانون اضطرابات في النوم، بينما أصبح واحد من كل خمسة أطفال منطويًا أو صامتًا. كما أظهرت بياناتها أن طفلًا من بين كل ثلاثة دون سن الثالثة لم يتناول أي طعام طوال 24 ساعة سبقت التقييم.
فيما أبلغت نحو ثلاثة أرباع الأسر التي لديها أطفال صغار عن علامات واضحة لسوء التغذية، في وقت لا تُعد فيه سوى 1% فقط من الأسر آمنة غذائيًا.
وأشارت اللجنة إلى أن الأسابيع الماضية شهدت زيادة بنسبة 48% في حالات حماية الأطفال، بالتوازي مع ارتفاع الإصابات البالغة الناجمة عن الشظايا، وازدياد معدلات بتر الأطراف.
ولفتت إلى أنّ غزة تسجل بالفعل الرقم القياسي العالمي لأعلى نسبة أطفال مبتوري الأطراف مقارنة بعدد السكان، بما يقدر بنحو 4000 طفل منذ اندلاع الحرب.
وقال سيراين دونيلي، نائب الرئيس الأول للجنة الإنقاذ الدولية لشئون الأزمات والاستجابة والتعافي والتنمية:
هؤلاء أطفال فقدوا أطرافهم، يستيقظون مفزوعين من كوابيسهم، ولم يعودوا يشعرون بالأمان حتى وسط عائلاتهم. فرقنا تبذل قصارى جهدها لدعمهم، لكن من دون وصول آمن وإمدادات أساسية فإن تعافيهم معرض للتوقف التام.
وبينت اللجنة أن الأزمة لا تقتصر على الإصابات الجسدية، إذ يواجه الأطفال الذين فقدوا أقاربهم صدمات نفسية عميقة، تتجلى في القلق والكوابيس والسلوك العدواني المفاجئ والخوف من الوحدة.
كما لاحظت فرقها لجوء بعضهم إلى سلوكيات ضارة مثل التسول والنهب أو عمالة الأطفال، في حين يتمسك آخرون بوسائل إيجابية للتأقلم، كالرسم واللعب أو تكوين صداقات جديدة عبر الأنشطة الجماعية.
وذكرت اللجنة أن تقييمًا أجرته الشهر الماضي على 469 عائلة نازحة في غزة ودير البلح وأجزاء من خان يونس كشف أنّ طفلًا من كل ثلاثة دون سن الثالثة لم يحصل على أي طعام خلال يوم كامل، بينما أفاد نحو ثلاثة أرباع الأسر بوجود مؤشرات سوء تغذية واضحة.
ومع اعتبار 1% فقط من الأسر آمنة غذائيًا، اضطرت العائلات إلى تقليص الحصص الغذائية أو التخلي عن وجبات كاملة، وسط انعدام شبه كامل للبروتين والمنتجات الطازجة.
وأكدت اللجنة أنّ هذه النتائج تتوافق مع أحدث بيانات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) ومع تقييماتها السابقة التي أظهرت تفاقم سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
ورغم قتامة المشهد، أبرزت اللجنة نماذج من الصمود، منها فتى يواجه صعوبات في الحركة وتحمله والدته إلى الجلسات العلاجية حيث وجد في الرسم وسيلة للتعافي، وفتاة مراهقة كانت تعيش عزلة داخل خيمتها بدأت تعود تدريجيًا إلى المشاركة في التعليم المؤقت.
وقالت فاتن طراوة، مديرة حماية الطفل في اللجنة الدولية للإنقاذ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومقرها غزة:
نلمس يوميًا هذه القوة في حرص الأطفال على الالتحاق بالمساحات الآمنة التي تعيد لهم شيئًا من طفولتهم التي فقدوها خلال الأزمة. عندما يُمنح الأطفال الأمان والتشجيع وفرصة التفاعل مع الآخرين، يبدأون رحلة التعافي حتى في أقسى الظروف.
وأوضحت اللجنة أنّها، بالشراكة مع منظمات أخرى، تقدم خدمات اجتماعية طارئة، واستشارات نفسية، وأنشطة ترفيهية وسرد قصص، بالإضافة إلى جلسات مخصصة للأطفال المصابين وذوي الإعاقة.
كما يحصل مقدمو الرعاية على دعم يساعدهم في التعامل مع الضغوط، بينما يتم ربط الأطفال الأشد إصابة بخدمات الرعاية الطبية وإعادة التأهيل كلما أمكن ذلك.
ومع ذلك، أكدت اللجنة أن الفجوات لا تزال كبيرة، إذ تبقى الأطراف الاصطناعية وخدمات إعادة التأهيل شحيحة، وعلاج الصدمات النفسية شبه غائب، فيما تعرقل القيود الإسرائيلية دخول المساعدات الأساسية إلى غزة.
وأشارت إلى أنّ الأماكن الآمنة مكتظة، وأن قطاع التعليم يقترب من الانهيار مع تفاقم أزمة الجوع.
واختتمت اللجنة الدولية للإنقاذ بالتشديد على ضرورة تأمين وصول إنساني عاجل ودون عوائق لتمكين الأطفال من الحصول على الحماية والغذاء والرعاية الطبية.
وأكدت أن الأهم هو وقف تعرض الأطفال لمزيد من الأذى، والسماح لعمليات الإغاثة بالاستمرار، والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار يضمن حماية الفلسطينيين وإطلاق سراح الرهائن المتبقين.