
تمر العلاقات المصرية التونسية بحالة متميزة على كل المستويات، خاصة خلال السنوات الماضية بعد تلاقى وجهات النظر بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره التونسى قيس سعيد، فى عدد من الملفات تصل إلى حد التطابق.
وفى هذا الإطار عقدت اللجنة العليا المشتركة المصرية التونسية خلال شهر سبتمبر الجارى بالقاهرة، والتي شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الوزراء من البلدين، فى إطار توطيد وتعزيز العلاقات الثنائية ما ينعكس بالنفع على البلدين العربيين.
وفى ظل مرحلة متقدمة ومتميزة من التعاون بين مصر وتونس، أجرت "البوابة نيوز" هذا الحوار مع السفير المصرى في تونس السفير باسم حسن، للحديث عن أهم ملفات التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين، والنتائج العملية لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة إلى جانب سبل تعزيز التبادل التجارى والاستثمارى والمشروعات الزراعية المشتركة، وآفاق الاستثمار في القطاعات الحيوية، بالإضافة إلى المبادرات الثقافية والتعاون العسكري.
والسفير باسم حسن، تولى منصبه فى نوفمبر من العام الماضى 2024 وقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس التونسى بقصر قرطاج. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:

كيف تقيمون مستوى العلاقات المصرية التونسية في هذه المرحلة؟
- تمر العلاقات المصرية التونسية بواحدة من أكثر مراحل تميزها من حيث مستوى تطابق المواقف ووجهات النظر تجاه مختلف التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة العربية، والتحديات الداخلية التى تواجهها البلدان، وذلك إلى جانب علاقات الاحترام والصداقة التي تربط بين رئيسى البلدين وعلاقات الأخوة المتجذرة بين الشعبين.
وقد دفع هذا الإدراك المتبادل لوحدة التهديدات الداخلية والخارجية ووحدة المصير لتعزيز مكثف للتعاون السياسي والأمنى، وجهود موازية للارتقاء بمستوى العلاقات الاقتصادية لآفاق أرحب تتناسب مع الطبيعة المتميزة للعلاقات السياسية.
ما أبرز النتائج التي خرجت بها اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين مصر وتونس التي عقدت في سبتمبر 2025 ؟
- يمثل انعقاد اللجنة العليا المشتركة على هذا المستوى الرفيع برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ونظيرته التونسية سارة الزعفراني، وبمشاركة عدد من الوزراء وكبار المسئولين المعنيين من الجانبين، فرصة دورية مثالية لتعزيز ومضاعفة التعاون الشامل والمبادلات التجارية والاستثمارية وغيرها.
ولعل حفاظ البلدين على دورية انعقاد اللجنة على هذا المستوى الرفيع وبمشاركة فعالة من كافة مؤسسات الدولة يمثل رسالة مهمة في حد ذاته.
وقد تمخضت أعمال الدورة الأخيرة للجنة العليا في القاهرة الأسبوع الماضي عن عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون في العديد من المجالات مثل تنمية الصادرات وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وحماية المستهلك والتعاون في مجال التدريب الدبلوماسي والشباب والرياضة والصحة والعلوم الطبية.
كما شهدت هذه الدورة حدثًا مهمًا وهو تنظيم منتدى أعمال بمشاركة كبار ممثلي القطاع الخاص والمستثمرين من البلدين، ومناقشات مثمرة بشأن استثمارات متبادلة ومشتركة في عدد من القطاعات الواعدة بشكل يعكس اقتناع الجانبين بضرورة تفعيل دور القطاع الخاص في الارتقاء بمستوى العلاقات التجارية والاستثمارية والدخول في شراكات وتحالفات بين كبريات الشركات من البلدين لتنفيذ مشروعات مشتركة في محيطهما العربي والأفريقي.

ما حجم التبادل التجارى بين البلدين؟ وما أبرز السلع والمنتجات التي يتم تبادلها ؟
- فيما يتعلق بالتجارة، فقد بلغ مجمل التبادل التجارى بين البلدين في العام الماضي حوالى 508 ملايين دولار وهو مازال رقمًا لا يتناسب مع الإمكانات الحقيقية للبلدين. وقد اتفق رئيسا وزراء ووزيرا تجارة البلدين على إجراءات مهمة بهدف مضاعفة حجم التبادل التجارى ليصل – كبداية - إلى مليار دولار خلال عامين.
وهى خطة طموحة تستهدف تحرير القدرات التجارية الكامنة بين البلدين وتفعيل الأطر التعاهدية الثرية التي تجمعهما مثل اتفاقية أغادير والكوميسا واتفاقيتى التجارة الحرة العربية والأفريقية.
وتتمثل أبرز الصادرات المصرية لتونس في المنتجات الكيميائية والأجهزة والمعدات والحديد، ومنتجات زراعية من خضر وفاكهة، والسكر، ومنتجات الزجاج والأسمدة، بينما تتمثل أبرز الصادرات التونسية لمصر فى الأجهزة الكهربائية والزيوت والمنتجات الغذائية.
ما هى أبرز المشروعات الزراعية التي سيجرى التعاون بين البلدين فيها ؟
- هناك مقترحات مهمة وصلت لمرحلة متقدمة من النضج وشبه جاهزة للتنفيذ بشأن إقامة استثمارات مشتركة ضخمة لزراعة الزيتون التونسى فى مصر على مساحة عشرة آلاف فدان مع إقامة مصنع لزيت الزيتون وزيتون المائدة وتغليفهما وتصديرهما إلى الأسواق العالمية، وكذلك زراعة بنجر السكر المصري في تونس لتصنيع السكر واستصلاح مساحات كبيرة من الأراضي، فضلًا عن مشروعات مشتركة في مجال زراعة التمور عالية القيمة والاستفادة من مختلف مشتقاتها ومنتجاتها في الصناعات الغذائية.
وتمثل المشروعات الزراعية المهمة المطروحة نموذجًا مثاليًا للتكامل والاستفادة المتبادلة من الخبرات الكبيرة المتراكمة لدى البلدين في هذه المجالات التي تأتي في مقدمة الأنشطة التي تسهم في تحقيق الأمن الغذائي والزراعي المستدام وتنمية الصادرات عالية القيمة في ظل الأزمات التي تشهدها سلاسل الإمداد العالمية.
ما هي أبرز القطاعات التي تسعى الشركات المصرية للاستثمار فيها في تونس ؟
- تعد الإنشاءات والتنمية العمرانية، والطرق والكباري، والطاقة المتجددة والنظيفة، والحديد والصلب، وإنشاء المراكز اللوجيستية، من أبرز المجالات التي نلمس اهتمامًا متزايدًا وربما يكون غير مسبوق من جانب كبريات الشركات المصرية لاستعادة وتعزيز تواجدها في السوق التونسية فيها.
وقد شهدت الشهور القليلة الماضية توافدًا مكثفًا من جانب رؤساء وممثلي كبريات الشركات المصرية على تونس لإجراء مناقشات حول عدد من المشروعات الكبرى التي نتطلع لتفعيلها قريبًا.
ما أبرز التحديات التي تواجه التعاون الاقتصادي بين مصر وتونس ؟
لعل عدم وجود خط ملاحي مباشر يمثل أحد أبرز عقبات التبادل التجاري، حيث ترفع تكلفة النقل من قيمة المبادلات التجارية، إلا أن هناك دراسات جادة بشأن إنشاء خط ملاحي مباشر بين البلدين بما قد يحقق طفرات ملموسة في حركة التجارة والسياحة وغيرها.
وفي التقدير، فإن النمو التدريجي لحركة التجارة بموجب الخطة المشار إليها التي تم الاتفاق عليها سيمثل في حد ذاته دفعة لتعزيز الجدوى الاقتصادية لإنشاء هذا الخط.

هل هناك مبادرات ثقافية مشتركة بين البلدين خلال الفترة المقبلة ؟
يمثل التعاون الثقافي بالفعل أحد أهم الروابط المستمرة والمكثفة بين البلدين، ولعل الحضور شديد التميز المتبادل لمبدعي وفناني البلدين على الساحة الثقافية لكل منهما وفي المهرجانات والاحتفاليات الثقافية الهامة التي تقام في كل منهما خير شاهد على ذلك.
ويجري حاليًا صياغة برنامج تنفيذي تفصيلي بهدف تحقيق المزيد من تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين البلدين خلال السنوات المقبلة بحيث يتم التوقيع عليه بين وزارتي الثقافة للبلدين في أقرب فرصة ممكنة، وقد أصبحت وثيقة البرنامج شبه جاهزة للتوقيع.
كيف ترون مستقبل التعاون بين مصر وتونس في المجال العسكري ؟
هناك بالفعل لجنة ثنائية للتعاون العسكرى بين وزارتي الدفاع في البلدين، وتعقد تلك اللجنة اجتماعاتها بانتظام وتشرف على عدد من مجالات ومشروعات التعاون والتدريب المهمة التي تلقى اهتمام وتقدير البلدين.
خاصة فى ظل الإدراك المتبادل المحورية هذا المجال الاستراتيجى وكون كل من البلدين يمثل عمقًا استراتيجيًا للبلد الآخر، وأن أمن تونس واستقرارها من أمن مصر واستقرارها والعكس صحيح.
وتقديري أن التعاون العسكري وغيره من مجالات التعاون بين البلدين سيستمر في الازدهار، خاصةً في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
ما الرسائل التي تودون توجيهها للمواطنين التونسيين الراغبين في التعاون مع مصر فى مختلف المجالات؟
- رسالة حكومتي البلدين لشعبيهما واضحة، وهى أن الأيادي ممدودة والأبواب مفتوحة فى كافة المجالات بلا استثناء، وأن التكامل واللحمة والتكاتف بين الدول العربية، وخاصة فى حالة دولتين مثل مصر وتونس، أصبحت تمثل ضرورة ملحة بشكل ربما يكون غير مسبوق حيث إن تفعيل التكامل العربى لم يعد رفاهية أو مسألة يمكن تأجيلها في ظل الظروف الحالية.
وعلينا جميعًا أن نستفيد من دروس تجارب التكامل الناجحة التي قامت بها عدة تكتلات جغرافية على مستوى العالم.
شهدنا الحملة التي استهدفت تشويه صورة دور مصر تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الأزمة في غزة، وما تبعها من تظاهرات أمام السفارة كيف تعاملتم مع هذه التطورات ؟ وهل تأثر عمل السفارة أو الإعداد للجنة المشتركة بها ؟
- بعيدًا عن الحملة المغرضة التي شنتها العناصر والخلايا الإليكترونية التابعة لجماعات خبيثة معروفة على منصات التواصل الاجتماعى فى عدد من البلدان بهدف النيل من صورة مصر وتشويه دورها التاريخى والمستمر دفاعًا عن القضية الفلسطينية وسعيًا لإنهاء معاناة الشعب العربي الفلسطيني في غزة في مواجهة العدوان والجرائم الإسرائيلية.
إن النظرة المدققة للأمور على أرض الواقع في تونس تؤكد أن المظاهرتين اللتين تم تنظيمهما أمام السفارة المصرية لم تشهدا سوى مشاركة عدد محدود للغاية ومعظمهم من المنتمين لتيار سياسي منبوذ، وهو ما يعكس وعى الغالبية الكاسحة من الرأى العام التونسى بأهداف تلك الحملة المغرضة والأكاذيب التي يتم بثها لتشتيت الانتباه عن جرائم إسرائيل وإحداث الفرقة فيما بين الدول العربية فيما قامت السلطات التونسية بجهود نقدرها ليس فقط فيما يتعلق بتأمين السفارة وضمان استمرارها في عملها بشكل طبيعى ولكن أيضًا في الإعلان عن مواقف لا لبس فيها بشأن تقدير الجهود المصرية ودور مصر التاريخي تجاه فلسطين والحالى بشأن إدخال المساعدات لغزة ووقف العدوان، مع التأكيد على أنه لا مجال للمزايدة على دور مصر من جانب أى طرف، وهو ما يكشف زيف هذه الأكاذيب التي تروج لها عناصر مأجورة ويدرك السواد الأعظم والواعون في مصر وتونس على حد سواء أن تلك الأطراف تعتنق نفس أفكار الإرهابيين والمتطرفين الذين سبق لهم استهداف أمن تونس وأمن مصر ومختلف الدول العربية؛ حيث تحاول جماعات الإسلام السيـاسي والساعون لتدمير الدول دومًا إساءة توظيف التعاطف والدعم للقضية الفلسطينية – واللذين تشترك فيهما كافة الشعوب والحكومات العربية – لاختلاق أكاذيب لتأليب الشعوب ضد الحكومات بهدف تقويض الاستقرار وخلق الفوضى بما قد يخدم مؤامرات تلك الجماعات المغرضة.
ويتركز شن تلك الحملات في الفضاء الإليكتروني والعالم الافتراضي حيث تديرها خلايا مجندة لذلك بدعم من أطراف وتنظيمات معروفة دون تأثير فعلي على الشارع أو الرأي العام الحقيقي.