تحل اليوم ذكرى وفاة الفنانة آمال زايد، التي حملت على عاتقها مسؤولية تجسيد صورة المرأة المصرية بصدق وواقعية، حتى غدت رمزاً للأم في السينما العربية، تاركة إرثاً فنياً وإنسانياً لا يُمحى من ذاكرة الأجيال.

البدايات الأولى مع الشاشة
بدأت آمال زايد رحلتها مع الفن عام 1939 بفيلم بائعة التفاح، ثم شاركت في دنانير أمام أم كلثوم، لتفرض نفسها سريعاً بملامحها المميزة وأدائها العفوي، وكان انضمامها إلى الفرقة القومية نقطة فاصلة، حيث تعلمت أصول المسرح وأسرار الأداء التمثيلي، مما منحها أساساً قوياً ظهر جلياً في أدوارها لاحقاً.
حياة شخصية مليئة بالتحديات
ارتبطت آمال بزوجها عبد الله المنياوي، أحد الضباط الأحرار، وأنجبت منه أبناءها الأربعة، بينهم الفنانة معالي زايد، ورغم النجاح المبكر، اختارت التفرغ لأسرتها فتوقفت عن التمثيل 15 عاماً.
وعادت بعد ذلك بروح جديدة عام 1959 لتكمل مسيرتها وتضيف أعمالاً بارزة إلى سجلها الفني، لكن حياتها لم تخلُ من المحن، إذ فقدت ابنتها معالي زايد، ما أدخلها في حزن عميق لم تتحمله طويلاً، ففارقت الحياة بعد أربعين يوماً فقط.
أمينة.. الدور الذي صنع الخلود
يبقى تجسيدها لشخصية أمينة في ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، قدمت فيها صورة الأم البسيطة المخلصة لزوجها رغم قسوته، الحنونة على أبنائها، الصابرة على هموم الحياة، ولم يكن الأداء مجرد تمثيل بل حياة حقيقية نُقلت إلى الشاشة، حتى غدت شخصية "أمينة" مرادفاً للأم المصرية الأصيلة.
موهبة متعددة الألوان
تفوقت آمال زايد في الأدوار التراجيدية، لكنها لم تكتفِ بها، إذ أبدعت في الكوميديا أيضاً، مقدمة شخصيات مليئة بخفة الظل في أفلام مثل طاقية الإخفاء وعفريت مراتي، أما في التراجيديا الاجتماعية، فقد تركت بصمة مؤثرة في أفلام مثل شيء من الخوف والحب الذي كان ودعوة للحياة. هذا التنوع جعلها من الفنانات القلائل القادرات على الانتقال بين النقيضين بسلاسة.
إرث فني ثري ومتعدد
خلال مسيرتها الطويلة، تركت عشرات الأعمال التي جمعت بين السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة، ومن أبرز أفلامها: بياعة الجرايد، يوم من عمري، آخر جنان، حياتي، شيء من العذاب، كما تألقت على خشبة المسرح في خان الخليلي وطبيخ الملايكة. أما في التلفزيون، فقدمت أعمالاً درامية مثل العسل المر والحائرة.
رحيل جسد وبقاء أثر
تظل أعمال الفنانة الراحلة آمال زايد حاضرة، تعكس للأجيال القادمة صورة الأم المصرية بحبها وضعفها وقوتها وحنانها، فهي لم تكن مجرد ممثلة، بل حالة إنسانية متفردة تجسد الصدق والبساطة، مما جعلها قريبة من قلوب الناس حتى بعد رحيلها.
لقد عاشت آمال زايد بين الحلم والواقع، الفن والأسرة، الفرح والحزن، لكنها في كل محطة تركت أثراً يليق باسمها الكبير، لتبقى "أمينة السينما المصرية" التي ستظل صورتها محفورة في وجدان المشاهد العربي.
