عندما نتأمل سيرة بعض السيدات، نكتشف أن الهجرة ليست دائمًا بحثًا عن فرصة عمل أو مغامرة عابرة، بل قد تكون بحثًا عن روح جديدة ومصدر إلهام. هكذا كانت رحلة الفنانة الألمانية سيلكه كلاوس التي وجدت في مصر وطنًا ثانٍ، وفي البحر والصحراء معبرًا لفنها وحياتها، ووُلدت سيلكه عام 1968 في ألمانيا، وبدأ شغفها بالرسم بالأكريليك مطلع الألفية، حيث كانت المرأة محور أعمالها الأولى.
تلك اللوحات وجدت طريقها إلى جاليريهات فنية ألمانية، وأثبتت موهبة تبحث عن أفق أوسع، وفي عام 2009، وبعد تكرار زياراتها السياحية إلى الغردقة، جاء القرار المصيري: الانتقال والعيش في مصر، وهناك لم تكتفِ بالاستمتاع بجمال المكان، بل انخرطت في المجتمع، فعملت في جمعية لمساندة العائلات محدودة الدخل، قبل أن تتولى مهام إدارية في أحد مراكز الغوص، لكن وسط كل هذه المسؤوليات ظل الفن هو الرفيق الأقرب إلى قلبها.
بخطوطها وألوانها، بدأت سيلكه تبتكر أعمالًا مختلفة، مستخدمة الخشب الطافي وما يحمله من قصص البحر، لم تتوقف عند اللوحات، بل صنعت جداريات وزخارف متأثرة ببهجة الألوان الزاهية للمياه الزرقاء ورمال الصحراء الذهبية، وحتى الرموز الإسلامية وزينة رمضان وجدت طريقها إلى ريشتها، فأضفت على أعمالها مسحة ثقافية عابرة للحدود.
خلال جائحة كوفيد-19، بينما توقف العالم عن الركض، منحت نفسها فرصة للغوص أكثر في عالم الإبداع، وكرست وقتها بالكامل للفن، معتبرة إياه ليس مجرد مهنة، بل شريان حياة ومصدر قوة تتنفس منه، أعمالها لم تكن لوحات جامدة، بل انعكاسًا لمسيرة مليئة بالتحديات والانتصارات، وبريقًا أضاء لها طريقها في أصعب اللحظات.
رحلة سيلكه كلاوس تبرهن أن الفن قادر على أن يكون وطنًا، وأن البحر والصحراء في مصر لا يسرقان قلوب المصريين وحدهم، بل يجذبان أيضًا أرواحًا جاءت من بعيد لتجد هنا جذورها الجديدة.









