أخبار عاجلة

القلم المقاوم: سليمان شفيق في حضرة الغياب

القلم المقاوم: سليمان شفيق في حضرة الغياب
القلم المقاوم: سليمان شفيق في حضرة الغياب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اليوم، غاب عن دنيانا الكاتب والصحفي الكبير سليمان شفيق، ليترك وراءه فراغًا يصعب أن يملأه أحد. لم يكن مجرد صحفي أو كاتب يدوّن الأحداث، بل كان شاهدًا عليها، منغمسًا في تفاصيلها، مدافعًا عن القضايا الكبرى التي آمن بها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي جعل منها جزءًا من حياته لا ينفصل عن قلمه ولا عن وجدانه.

وُلد سليمان شفيق في المنيا، تلك المحافظة التي أنجبت عقولًا لامعة وقلوبًا مخلصة لمصر. ومنذ بداياته حمل في داخله إيمانًا عميقًا بالوطن والإنسان. كان "الريس" كما أحب أن يناديه أصدقاؤه وتلاميذه، رمزًا للقيادة بالفكر والموقف، لا بالسلطة أو النفوذ.

بدأ رحلته الصحفية من وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، حيث كتب بقلمه وهو يعيش نبض المقاومة عن قرب. ثم انتقل إلى "النداء" اللبنانية عام 1978، ومنها إلى "معركة"، صوت المقاومين في حصار بيروت. وحمل همّ الكلمة إلى موسكو مراسلًا، قبل أن يعود إلى صحافة الوطن في "الأهالي" و"وطني" و"البوابة نيوز". لم يكن مجرد ناقل خبر، بل كان حامل رسالة، يرى الصحافة ميدانًا للنضال لا وظيفة رتيبة.

عام 2021، حين كرّمته لجنة العلاقات العامة بمجلس الإعلام المصري، بدا التكريم متأخرًا أمام عطاء رجلٍ وهب حياته للكلمة الحرة. يومها استعاد بذاكرته روح ياسر عرفات وأحلام الوحدة الوطنية الفلسطينية، مؤكدًا أن الوفاء للقضية لا يشيخ مع الزمن.

كان سليمان شفيق كاتبًا مُجتهدًا، يفتح نوافذ التاريخ على الحاضر. في مقالاته بالصحف المصرية مثل "اليوم السابع" و"البوابة نيوز"، لم يكتب فقط عن السياسة والصراع، بل عن مصر العميقة بتفاصيلها الثقافية والحضارية. كتب عن مسجد ابن طولون، ليكشف أن مهندسه كان قبطيًا مصريًا، في إشارةٍ ذكية إلى أن الوطن بُني بأيدٍ مشتركة، وأن التاريخ لا يُختصر في ديانة أو طائفة.

أما في كتابه "المسيحيون المصريون ودورهم في تأسيس الحركة الشيوعية"، فقد قدّم رؤية بحثية جادة عن دور المسيحيين في الحياة السياسية والفكرية المصرية، ليؤكد أن الهوية المصرية لا تعرف التجزئة، وأن التنوع مصدر قوة لا ضعف.

ظل حتى أيامه الأخيرة وفيًا لقلمه، يكتب عن لبنان وانتخاباته، عن مصر وأدوارها العربية، عن شخصيات رحلت وتركَت إرثًا، وكأنه كان يرسم بخطوطه سيرة جماعية للشعوب التي أحبها.

رحيل سليمان شفيق ليس غيابًا لشخص، بل غياب لصوتٍ وطني ظل يذكّرنا دومًا أن الكلمة موقف، وأن الكاتب الحقيقي هو من يظل وفيًا لما آمن به حتى آخر لحظة. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة تلاميذه وأصدقائه وقرّائه، وفي تاريخ الصحافة العربية كأحد الذين جعلوا من القلم جسرًا بين الإنسان والحرية، وبين الحلم والواقع.

اليوم نودّع "الريس"، لكن صدى كلماته سيظل حيًا، يذكّرنا أن الكتابة الصادقة لا تموت، وأن الأوطان تحفظ أبناءها الأوفياء في ذاكرة لا تشيخ.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق نوري بيلجي جيلان رئيسًا للجنة تحكيم المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي
التالى مراكش..المغرب يفوز بكأس إفريقيا والشرق الأوسط للطاهيات