يشكّل تغير المناخ في أفريقيا أحد التحديات المهمة التي تهدد نمو دول القارة السمراء، إذ تتأثر غالبية الدول الأفريقية أكثر من غيرها بالتداعيات الخاصة بأزمة المناخ، بما فيها الجفاف والتصحر والفيضانات.
حسب بيانات الاتحاد الإفريقي لسنة 2023، يشكّل الشباب في إفريقيا ما يزيد على 60% من سكّان القارة، أي نحو 800 مليون نسمة دون سنّ الـ35.
ورغم الزخم الديموغرافي، ما يزال دور الشباب في السياسات البيئية محصورًا في المبادرات الرمزية، دون إدماج فعلي في دوائر صنع القرار، أو في تصميم وتقييم الخطط الوطنية البيئية لمواجهة آثار تغير المناخ في أفريقيا.
في الوقت الذي تتصاعد فيه تحديات تغير المناخ في أفريقيا، والتصحر، وندرة المياه، وتفاقم الكوارث المناخية، تبدو الحاجة ملحّة إلى توسيع دائرة المشاركة الشبابية، ليس فقط عبر البرامج التدريبية، بل من خلال تمثيل مؤثّر في صياغة السياسات والإستراتيجيات البيئية.
فجوة المشاركة الأفريقية
تواجه معظم الدول الإفريقية تحديًا هيكليًا في نمط الحوكمة البيئية، يتمثل في انغلاق عملية صنع القرار وسيطرة نخبوية على التخطيط البيئي، إذ تُحتكر السياسات البيئية من قبل مؤسسات رسمية ذات صلاحيات محدودة، أو واقعة تحت تأثير وضغوط المانحين الدوليين.
هذا الوضع يهمّش فئة الشباب –رغم كونها الأغلبية السكانية في القارة– ويُقْصيها من المشاركة الفعلية في رسم السياسات أو التأثير فيها.

تقرير الحوكمة الإفريقية (ECA 2022) يكشف أن 68% من الشباب يرون أن السياسات البيئية تُصاغ دون مشاورات مجتمعية كافية، فيما تُظهر بيانات الباروميتر الإفريقي (Afrobarometer, 2021) أن أقل من 5% فقط من الشباب شاركوا في نقاشات متعلقة بالخطط البيئية الوطنية، كالإسهامات المحددة وطنيًا (NDCs) أو خطط التكيف مع تغير المناخ (NAPs).
وتعكس هذه الأرقام أزمة في الشفافية والاندماج، تؤثّر سلبًا بفاعلية السياسات ومشروعيتها، وتحرم القارة من طاقات شبابية حيوية يمكن أن تسهم بفعالية في مواجهة التحديات البيئية والمناخية، بما فيها التصحر، وتدهور الأراضي، والأمن الغذائي.
الشباب الأفريقي خارج غرف التفاوض
رغم تزايد حضور الشباب الإفريقي في المؤتمرات البيئية الدولية خلال السنوات الأخيرة، كما في قمة المناخ كوب 28(COP28) وكوب 29(COP29)، فإن مشاركتهم غالبًا ما تبقى محصورة في فعاليات جانبية أو فضاءات موازية لا تصل إلى مراكز التفاوض أو دوائر اتخاذ القرار الحاسمة.
الحضور -وإن بدا إيجابيًا من حيث الشكل- لا يُترجم بالضرورة إلى تأثير فعلي في مسارات صنع القرار البيئي، إذ يكشف تقرير حركة الشباب من أجل المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الصادر سنة 2024، أن أكثر من 80% من الدول الإفريقية المشاركة في قمة المناخ كوب 28 لم تضم أيّ شاب من دول أفريقيا جنوب الصحراء ضمن وفودها التفاوضية الرسمية، رغم وجود عدد كبير من المبادرات والمنصات الشبابية على هامش المؤتمر.
وتُشير الهيئة الرسمية لتمثيل الشباب في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (YOUNGO) إلى أن مشاركة الشباب في قمم المناخ تبقى في كثير من الأحيان سطحية وغير ممنهجة، إذ يُستثنى الشباب من الاجتماعات التفاوضية المغلقة، ولا يُشرَكون في صياغة المواقف الرسمية أو الوثائق النهائية.
ويوضح تقرير برنامج الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ والعمل الشبابي، الصادر في 2021، أن معظم الدول تُظهر التزامًا شكليًا بتمكين الشباب، لكن دون آليات مؤسسية حقيقية لدمجهم في عمليات التفاوض أو صنع السياسات.
وتتفق الرؤية مع ما ورد في تحليلات معهد ستوكهولم للبيئة (2022)، التي تؤكد أن إدماج الشباب، خاصة من الدول الأفريقية، غالبًا ما يكون رمزيًا، ويُوظَّف لتحسين صورة الوفود أمام المجتمع الدولي، دون منحهم صلاحيات حقيقية للإسهام في توجيه مسارات التفاوض أو التأثير في النتائج النهائية.

غياب تمكين الشباب في السياسات المناخية
من أبرز التحديات التي تواجه الشباب الإفريقي في السياسات البيئية، ضعف الوصول إلى التمويل المناخي والمعرفة التقنية الضرورية لتنفيذ مبادرات فعالة على الأرض.
ورغم تعدُّد المبادرات الشبابية في القارة، فإن حجم التمويل المخصص لها يبقى ضئيلًا إلى حدّ مثير للقلق، إذ أشار تقرير مبادرة سياسات المناخ لعام 2022 إلى أن أقل من 2% من إجمالي التمويل المناخي العالمي الموجَّه لأفريقيا يُخصص لمبادرات يقودها الشباب، أو تستهدفهم مباشرةً، وهذا الخلل في التوزيع المالي يعكس غيابًا واضحًا للثقة أو التمكين البنيوي للشباب ضمن منظومة العمل المناخي.
وتُفاقِم الفجوة المالية طبيعة البرامج والصناديق المناخية الكبرى، مثل الصندوق الأخضر للمناخ وصندوق التكيف، التي لا تضع في العادة آليات واضحة أو ميسّرة لإشراك الشباب المحليين، سواء بصفتهم منفّذين أو مستفيدين مباشرين.
ونتيجة لذلك، تظل مشروعات الشباب عرضة للتهميش أو الفشل، بسبب تعقيد الإجراءات، أو عدم قدرتهم على استيفاء الشروط المؤسسية المطلوبة للتمويل.
إلى جانب العوائق المالية، يفتقر العديد من الدول الإفريقية إلى أطر مؤسسية تمكّن الشباب من الانتقال من النشاط التطوعي والمبادرات المحدودة إلى الفعل السياسي والمشاركة الاستراتيجية في التخطيط البيئي. ويقيّد النقص في البُنى الداعمة قدراتهم على التأثير طويل المدى، ويحرم السياسات البيئية من أفكار وتجارب فئة حيوية تمتلك الحماسة والقدرة على التغيير.
من الرمزية إلى التمكين
لتجاوُز الطابع الرمزي لمشاركة الشباب في السياسات البيئية والمناخية، من الضروري اعتماد حزمة من الإجراءات العملية التي تضمن إدماجًا فعليًا وفعّالًا لهم في مختلف مستويات صنع القرار.
يبدأ ذلك من خلال سَنّ تشريعات وطنية ملزِمة تُقرّ بمبدأ إشراك الشباب في تصميم وتنفيذ السياسات البيئية وخطط التكيف والتخفيف من تغير المناخ، بما يعزز من شرعية هذه السياسات وفعاليتها على المدى الطويل.
كما يُعدّ تخصيص نافذة تمويل خاصة بالشباب داخل برامج التمويل المناخي الدولية – مثل الصندوق الأخضر للمناخ وصندوق التكيف – خطوة محورية لتمكينهم من تحويل أفكارهم ومبادراتهم إلى مشاريع ميدانية مستدامة.
إلى جانب ذلك، يُوصى بإنشاء وحدات شبابية استشارية دائمة ضمن وزارات البيئة والطاقة، تضمن التواصل المباشر بين صانعي القرار والفاعلين الشباب، وتعمل بصفة جسور لنقل احتياجات وتصورات الجيل الجديد.
ولا يقلّ أهمية عن ذلك تعزيز التكوين السياسي والتقني للشباب، من خلال برامج تدريبية متخصصة في مجالات الحوكمة البيئية، والتفاوض المناخي، والابتكار الأخضر.

وأخيرًا، ينبغي توسيع ودعم الشبكات الإقليمية للشباب البيئي في إفريقيا، لتمكين تبادل التجارب الناجحة، وتعزيز مناصرتهم الجماعية لقضايا المناخ والتنمية المستدامة على المستويات الوطنية والقارية والدولية.
ختامًا، فإن إشراك الشباب في السياسات البيئية ومواجهة تغير المناخ في أفريقيا لم يعد مسألة رمزية أو خيارًا سياسيًا ثانويًا، بل ضرورة لضمان استدامة أيّ تحوّل بيئي أو طاقي في أفريقيا.
فالشباب هم الفئة الأكثر تضررًا من التغير المناخي، والأقدر على حمل التحولات السلوكية والاجتماعية.
* د.منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..