وقفة حاسمة في قضية الطفل «ياسين»

وقفة حاسمة في قضية الطفل «ياسين»
وقفة حاسمة في قضية الطفل «ياسين»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى كل مرة أكتب، لا أعرف ما الذى يدفعنى إلى الكتابة؟.. ربما شعور أو موقف عابر أو ذكرى ولكننى اليوم أعى بنسبة ١٠٠٪ لماذا أكتب وعن ماذا؟. 

لقد تابعت ما حدث للطفل ياسين التلميذ بإحدى مدارس البحيرة.. ذلك الطفل الذي الذى لم يتعد عمره الخمس سنوات فى مدرسة بالبحيرة، ولا أخفى عليكم سرًا فالألم يعتصرنى والحسرة تتملكنى وشعور الحزن والاكتئاب يسيطر علىَّ منذ قراءة تصريحات الطفل المتداولة، أتساءل هل لأننى أم لطفل لم يكمل عامه الأول أو لأننى كنت طفلة لأب رفض أن أعايش لحظة كسر أو ألم واحدة أنا أو إحدى شقيقاتى؟.  

أتذكر جيدا طفولتى عن ظهر قلب أتذكر يوم عادت شقيقتى غادة من المدرسة منهارة بعدما اعتدت عليها المعلمة بالضرب وذلك بعد أن رفضت غادة الانصياع لمطالبها بمساعدتها فى تنظيف شئ شخصى لها لا يندرج تحت بند الأعمال المدرسية وعادت سردت شقيقتى الكبرى لأبى ما حدث لها.. تحرك على الفور وما سمعته وقتها وأدركته كطفلة فيما بعد أن هناك زيارة كبيرة وهامة قام بها وزير التربية والتعليم آنذاك بصحبة وفد كبير من الإدارة التعليمية التابعة لها للمدرسة التى تدرس فيها شقيقتى غادة للتحقيق فى كل الأفعال المخالفة التى تُرتكب داخلها ومنها التعدى على الطالبات مثلما حدث مع شقيقتي، وما عرفته فيما بعد أن هذه المعلمة نُقلت للعمل فى مدرسة أخرى فى محافظة بعيدة، وعندما حدث هذا لم أتحدث مع غادة عن إحساسها وقتها ولكننى أدركته وشعرت به عندما كنا فى الساحل الشمالى بعد عشرة أعوام أو أكثر جالسين فى مقهى على طاولة أنا وأسرتى ونظرت غادة إلى أبى قائلة: "فاكر الست دى؟" وسردت له ما حدث مذكرةً إياه بأنها المعلمة التى صفعتها على وجهها ذات يوم ونقلت بسبب ذلك إلى أقصى الصعيد.

لم تتأثر غادة وقتها برؤيتها.. على العكس، كان التأثر واضحًا على وجه المعلمة بينما كانت غادة فى قمة السعادة والفخر. 

ربما لو لم يكن أبى قد تحرك وقتها واتخذ هذه الإجراءات القانونية لكان سبب لها هذا الحادث شرخًا نفسيًا ظل يلازمها طوال حياتها خاصةً أن الإعتداء عليها بالصفع على وجهها كان أمام زميلاتها فى حوش المدرسة.

  وعندما أفتش فى ذكريات الطفولة لا يفارق ذهنى أبدًا إنهيار شقيقتى وتوأم روحى داليا عندما عادت من المدرسة وغُرَّتها قد تم قصها بفعل فاعل.

نعم.. لقد قرأتم الجملة بشكل صحيح فلقد أقدم مُعلم يعتنق أفكارًا متشددة على قص غُرَّتها لأنها ترفض أن ترتدى الحجاب أو أن ترفع غُرَّتها برباط الشعر.. فما كان من أبى الذى لم يزر مدرسة داليا قط إلا أن يبلغ الوزارة والإدارة التعليمية التى قامت بزيارة مفاجئة للمدرسة، ولم يكتف فقط بهذا الفعل بل ذهب بنفسه ليتخذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه هذا المعلم الذى تعمد أن يعتدى على خصوصية طالبة من طالباته ويقص شعرها لأنها لم ترضخ لقواعده وأفكاره. كان رد الفعل الكبير للغاية هو الذى جعل داليا تصلب طولها من الداخل ولا تُنكسر أبدًا فيما بعد.

أما عما أتذكره أنا وما يتعلق بى من ذكريات فى طفولتى، فهناك الكثير فقد كنت دائمة المتابعة للأخبار مع أبى وكنت أتعلم أن اقرأ الصحف معه كل مساء، ومما قرأته آنذاك أحد الأخبار التى تتحدث عن أن وزير التربية والتعليم منع الضرب فى المدارس وأن هذا الفعل المشين ممنوع تحت أى مسمى وعندما سألت أبى: بابا هو الضرب ممنوع فى المدرسة؟.

قال لى وقتها: ليس من حق أحد أيًا كان على هذه الأرض أن يعتدى عليك بالضرب مهما كان الخطأ الذى اقترفتيه.. فكل شئ يخضع للقوانين والمساءلة التى لا تتضمن استخدام العنف خاصةً لطلاب وتلاميذ لم يتجاوزوا مرحلة التعليم الابتدائى.

تمر الأيام وأنا فى مدرستى يدخل علينا أستاذ العلوم حيث حصته المعتادة ويبدأها بأن من لم يكمل واجباته المنزلية سيتلقى عشر ضربات بالعصا الخشبية على ظهر يده، فما كان منى إلا أننى انتفضت وقلت له: يا أستاذ، الوزير منع الضرب فى المدارس!.

كنت طالبة فى الصف الخامس الابتدائى، فربما بسبب ذلك صُدم المُعلم فقام بطردى من الفصل ولكننى ذهبت وأبلغت المديرة التى بدورها أنقذت أصدقائى من الضرب.

 لم يردد أبى على مسامعى أبدًا الجملة المعهودة "امشى جنب الحيط" ولكنه كان ومازال يعلمنى أن لا أترك حقى أبدًا.

ولا أُخفى عليكم سرًا، فقد كان أبى جيشًا يحمينا فى كل خطوات حياتنا، فأتذكر جيدًا فى يوم من أيام تمريناتى بالنادى أن المدرب كان يقوم بإعدادنا لبطولة الجمهورية وكنا نتأخر لساعات طويلة فى التمرين حتى العاشرة  مساءًا. 

أنهيت التمرين وحزمت حقيبتى، وإذا بى أخرج من مكان التمرين متجهة إلى بوابة النادى وكانت صالة التدريب بجانب سور حمامات السباحة الاوليمبية، حيث وقف خمسة شباب تبدو عليهم علامات الترنح والتعب قرروا فجأة فى تلك الساعة وفى هذا التوقيت أن تكون تسليتهم هى اللعب بحقيبة التمرين الخاصة بى.. يحاول كل شاب التقاط الحقيبة ودفعها إلى الآخر وعندما حاولت الهروب منهم، فقد كنت خجولة للغاية، سحبنى أحدهم من كتفى فمزق قميصى من ناحية الكتف.. كان النادى بدأ يُطفىء أنواره ويقترب من الإغلاق وانتابتنى حالة من الهلع والرعب فعمرى وقتها لم يكن يتعدى الثالثة عشر وركضت فى شوارع النادى المظلمة المؤدية إلى البوابة حتى وصلت إلى المنزل.. علمت من شقيقتى أن أبى وأمى موجودان فى الجوار فالنادى يقع مقابل المنزل مباشرة، فقط بضعة خطوات تفصلنا عنه سردت لأبى كل ما حدث ودموعى لما تفارقنى. 

انتابتنى حالة من الهلع والرعب، فعمرى وقتها لا يتعدى الثلاثة عشر عامًا.. أركض فى شوارع النادى المظلمة المؤدية إلى البوابة الرئيسية حتى وصلت وعلمت من شقيقتى أن أبى وأمى موجودان فى الجوار، فالنادى مقابل للمنزل فقط بضعة خطوات تفصلنا عنه.. سردت لأبى كل ما حدث ودموعى لما تفارقنى. 

كانت وقتها الساعة اقتربت من الحادية عشرة مساءًا والنادى يستعد للإغلاق ومدير النادى غير موجود، فما كان من أبى إلا أنه ذهب بى مباشرةً إلى قسم الشرطة وسجل محضرًا بكل أسماء الشباب وبأقوالى، وفى الصباح الباكر ذهبنا إلى النيابة العامة وقد كنت قد سردت أقوالى أمس فى المحضر، ولكن وكيل النائب العام طلب منى فى الصباح أن أعيد عليه ما حدث فى حضور والدى فما كان من أبى وقتها إلا أن طلب من وكيل النائب العام بشكل إنسانى ألا يجعلنى أتذكر ما حدث أو أعيد ما قلته للشرطة بالأمس خاصةً أن حالتى النفسية لا تسمح وهو ما استجاب له وكيل النائب العام وقتها مكتفيًا ببعض الأقوال حول الإطار الذى حدثت فيه الواقعة وإكمالها من خلال محضر الشرطة وتحريات المباحث عن الواقعة؛ كان أبى شديد الحرص على ألا أتأذى نفسيًا وأنا أتحدث مرات عديدة عن الواقعة بالتفاصيل فمرة واحدة تكفى وعندما حاولت أُسر الشباب بعد خضوع أولادهم للاجراءات القانونية أن يستميلوا أبى بكل الطرق حتى نغلق المحضر ويتم الصلح رفض حتى يعتذر كل هؤلاء الشباب لى أمام أهاليهم مع ضمانات كافية بأن هؤلاء الشباب قد تعلموا الدرس وأنهم لن يعودوا إلى ذلك الفعل مرة أخرى مع أى فتاة فى النادى أو خارجه وأخذ تعهدات بذلك من الشباب وذويهم ممهورة بخاتم النسر داخل قسم الشرطة.. وبعدها تم الاعتذار لى فى وسط النادى وبحضور رئيس النادى وعدد من أعضاء مجلس الإدارة بعد أن وبخ ذوى الشباب طالبًا منهم إحسان تربيتهم.

ربما أبى نسى هذه المواقف كلها ولكنى لم ولن أنساها أبدًا فلقد شكلت شخصيتى وشخصية أخواتى وخلقت منا إناثًا لديهن كرامة لا تُكسر ولا نهاب إلا الله فى مجتمعات تسعى كل يوم لكسر المرأة وسلبها كل حقوقها.

ربما الرابط الوحيد فى كل القصص التى سردتها هو أننا أخبرنا أبى بكل شئ.. وهنا اقولها لكل أب ولكل أ:م تحدثوا مع أبنائكم، شاركوا أولادكم كل شئ، أخبروهم بأن لا يخافوا بأن كل شئ قابل للحل والإنقاذ وأنه لا يوجد أحد قادر على إيذائهم فى وجودكم.. لا أحد سيجرؤ على ذبحهم أو قتلهم مثلما قال الجانى للطفل مهددًا إياه.. ربما لو أبلغ الطفل والده أو والدته من أول مرة لما تكرر الفعل عشرات المرات..

 أيضًا دور المعلم والمعلمة فقد أخبر ياسين المُعلمة ولا أعرف ما الذى جعل المعلمة تتغاضى عن هذه الأفعال الشيطانية.. ربما  المصالح أو الخوف على لقمة العيش وعدم تلويث سمعة المدرسة هى التى دفعتها للتغافل عن حق هذا الطفل وربما غياب الضمير أيضًا، لكن عندما علمت الأم تغير المشهد تمامًا فلا أحد سيحبك ويصدقك مثل أمك.

بالتأكيد هى حوادث فردية ولم تصل بعد إلى حد الظاهرة ولكن مطلوب مواجهتها بحدة وحسم ومحاصرتها بعنف حتى لا يتسع نطاقها خاصة والمجتمع نتيجة لأسباب عديدة بدأ يفقد بعضًا من أخلاقياته المتوارثة  مع انتشار الأعمال الدرامية والفيديوهات والتطبيقات التى غزت مجتمعتنا والهواتف الذكية التى باتت لعبة بيدى الأطفال والكبار على حد سواء.. وهى تحمل ضمن ما تحمل من التكنولوجيا الطيب والخبيث وما يمت وما لا يمت بصلة لعاداتنا وتقاليدنا وتسببت فى حوادث يشيب لها الولدان نسمع عنها كل يوم فى صفحات الحوادث.

الألم يعتصرنى والكَسرة لا تفارقنى على ياسين.. وأتمنى أن يحصل ياسين على حقه حتى لا تكسره الحياة مرتين وكلى ثقة فى قضاء مصر العادل الشريف أنه لن يخذلنا أبدًا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الكهرباء تبدأ إصدار الإفادات للمتقدمين بمشروع «سكن لكل المصريين 5» |تفاصيل
التالى نواف سلام في دمشق.. هل يفتح صندوق أسرار اغتيالات لبنان؟