مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، يتجدد الفرح في قلوب المسلمين بذكرى ميلاد خير الأنام، سيدنا محمد ﷺ، الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وهداية للبشر أجمعين، ويُجمع العلماء على أن الاحتفال بالمولد الشريف مظهر من مظاهر تعظيم النبي ﷺ والتعبير عن محبته، وهو من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله عز وجل.
الملائكة تُحيي أماكن مولده بالرحمة والرضوان
قال الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوي:«ما من بيت أو محل أو مسجد قُرئ فيه مولد النبي ﷺ إلا أحاطت الملائكة بأهله، وعمّهم الله تعالى بالرحمة والرضوان».
ويشير هذا القول إلى أن مجرد الفرح بذكرى ميلاد النبي ﷺ له بركة خاصة، تعم المكان وأهله بالسكينة والطمأنينة، وهو ما ينسجم مع مقاصد الشريعة التي تدعو إلى محبة النبي وتعظيمه.
الاحتفال بالمولد جائز ومستحب
أكدت دار الإفتاء المصرية في بياناتها وفتاواها المتكررة أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز شرعًا ومستحب، بل هو من أفضل القربات؛ لأنه يجسد الفرح بميلاد الرحمة المهداة.
وأوضحت الدار أن المظاهر التي اعتادها الناس من شراء الحلوى، والتهادي بها، وحلقات الذكر، والإنشاد الديني، وإطعام الطعام، كلها من الأعمال المندوبة التي تُدخل السرور وتُظهر محبة الرسول الكريم ﷺ، شريطة أن تخلو من أي محرمات أو مخالفات شرعية.
أصل الاحتفال في السيرة النبوية
ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يصوم يوم الإثنين، ولما سُئل عن ذلك قال: «ذلك يومٌ وُلدتُ فيه» (رواه مسلم).
واعتبر العلماء أن هذا أصلٌ للاحتفال بالمولد، إذ إن صيام النبي في يوم مولده شكرٌ لله على النعمة العظمى ببعثته. ومن ثم فإن اتخاذ المسلمين لهذا اليوم موسمًا للذكر والفرح مشروعٌ ومندوب.
فرحٌ مشروع وردٌّ على شبهات المنكرين
في مواجهة من يصفون الاحتفال بالمولد بالبدعة، ردّت دار الإفتاء والأزهر الشريف بأن ذلك قول باطل، يخالف ما استقر عليه عمل الأمة عبر قرون. فقد أجمع العلماء على أن إظهار الفرح بالنبي ﷺ من القربات العظيمة، بل عدّ بعضهم تركه جفاءً وقسوة في القلب.
وقد بيّن الإمام ابن حجر العسقلاني أن أصل الاجتماع على الذكر والصدقات في المولد «بدعة حسنة»، يؤجر فاعلها إذا قصد بها تعظيم النبي ﷺ وإحياء سنته.
الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف هو تجديد للعهد مع رسول الله ﷺ، وفرصة لغرس محبته في القلوب، وإحياء سنته في النفوس. إنه يوم يذكّر الأمة برسالتها ويجدد فيها الأمل، قال الله تعالى:
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
فالفرح بالمولد النبوي فرحٌ بالرحمة والفضل، وتجسيدٌ عملي لمحبة المصطفى ﷺ، وتعظيمٌ لشأنه ومقامه الذي رفعه الله فوق العالمين.