تكتسب المفاعلات المعيارية الصغيرة زخمًا عالميًا خلال السنوات الأخيرة، في إطار مساعي نشر الطاقة النظيفة عبر تقنيات منخفضة التكلفة وأكثر أمانًا.
وزادت وتيرة تطوير تصميمات المفاعلات النووية مؤخرًا، وتمكَّنت غالبيتها من الوصول لمرحلة ما قبل التراخيص، لكن التشغيل البطيء للوحدات ما يزال يشكّل لغزًا محيرًا، حسب معلومات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
ورغم حداثة التطوير، فإن ظهور هذه المفاعلات يعود لما يزيد على نصف قرن مضى، في خمسينيات القرن الماضي، وتعثّرت محاولات بنائها لأسباب مختلفة.
وتُمثِّل هذه المفاعلات محطات نووية، لكنها بحجم أصغر، وقد تسهم في التطبيقات خارج الشبكة لسهولة استعمالها.
تطور المفاعلات المعيارية الصغيرة
تشهد السوق العالمية تسارعًا في وتيرة تصميمات المفاعلات المعيارية الصغيرة، بحثًا عن كهرباء تلبي الطلب الآخذ بالارتفاع، وتتجنّب الانبعاثات في الوقت ذاته.
ورصدت وكالة الطاقة النووية الدولية -مقرّها فرنسا- جهود تطوير 74 تصميمًا من المفاعلات النووية صغيرة الحجم، يقترب 51 تصميمًا من مراحل ما قبل التراخيص أو بدء إجراءات التراخيص، ويعادل ذلك قفزة بنسبة 65% خلال العامين الأخيرين، منذ 2023 حتى الآن.

وتنتشر هذه التصميمات في 15 دولة، من بينها أميركا، حسب بيانات نقلها موقع كناري ميديا عن الوكالة.
وينظر المطورون إلى المفاعلات المعيارية بوصفها "ركيزة رئيسة" لمستقبل الطاقة النووية، بدلًا من تحديات المفاعلات التقليدية.
وتبدأ قدرة المفاعلات الصغيرة من 1 ميغاواط، وقد تصل إلى مئات الميغاواط، ويمكن أن تعمل بتقنيات: الماء الخفيف، والتبريد بالغاز، وأنواع مختلفة من الوقود النووي، مثل اليورانيوم منخفض التخصيب.
وتحظى تقنيات المفاعلات الصغيرة بتمويل عام وخاص يُقدَّر بنحو 15 مليار دولار، في إطار مساعي التغلب على التحديات التقنية والتنظيمية للصناعة.
ورغم العراقيل التي تواجهها السوق العالمية، فإن الحاجة إلى هذه المفاعلات أعادت تسليط الضوء على أهميتها.
المحطات التقليدية أم المفاعلات الصغيرة؟
توفر محطات الطاقة النووية التقليدية 9% من الإنتاج العالمي للكهرباء، ويرجّح بعضهم أن المفاعلات المعيارية الصغيرة قد تكون بديلًا عنها.
وتستغرق المشروعات الكبيرة (سواء المحطات التقليدية، أو الكبيرة بقدرة غيغاواط) وقتًا كبيرًا في عملية التطوير، بالإضافة إلى: تكلفة تطويرها المرتفعة، والحاجة إلى موارد بناء كبيرة، ومخاوف السلامة والتعرض للكوارث، والتخلص من المخلفات المشعة.
ومقابل ذلك، لا تتطلب المفاعلات النووية الصغيرة سوى مساحات محدودة للتثبيت، وتتّسم بانخفاض تكلفة سلسلة توريد مكوناتها ومعدّاتها.
وتصلح هذه المفاعلات للتطبيق في: مواقع التعدين غير المتصلة بالشبكة، وتشغيل السفن التجارية، وتزويد مراكز البيانات بالكهرباء.
وتتنوع تصميمات المفاعلات الصغيرة وطرازاتها، من حيث الحجم ودرجات حرارة التشغيل والقدرة.
ورغم الميزات المتعددة، فإن تشغيل المفاعلات المعيارية لم يشهد توسعًا حتى الآن، إذ دخل مفاعلان فقط -من أصل 51 تصميمًا في مراحل الترخيص- حيز التشغيل التجاري.
ويبدو التعامل مع هذه التقنية مرتبكًا إلى حدّ كبير، إذ قالت مسؤولة قسم التطوير التقنيات والاقتصاد في وكالة الطاقة النووية "ديان كاميرون"، إنّ تنوُّع تصميمات وفئات هذه المفاعلات يشكّل فرصة وتحديًا في آن واحد.
وأرجعت ذلك إلى أن التنوع الواسع يعمّق "حيرة" المستثمرين وصنّاع القرار في الاختيار، خاصة فيما يتعلق بإدارة مخلفات الوقود النووي.
نماذج لتطور المفاعلات
على الصعيد العالمي لم تُستغل الإمكانات الكبيرة لهذه التقنية بالقدر الكافي حتى الآن، وبدأ توليد الكهرباء من مفاعلين معياريين فقط، هما:
- مفاعل "شيداوان باي" في الصين، ويشمل وحدتين تشغّلان توربينًا بخاريًا بقدرة 210 ميغاواط.
- مفاعل عائم في روسيا، بقدرة 70 ميغاواط.

وهناك بعض المشروعات الأخرى في مراحل تطوير مختلفة، نذكر منها:
- مفاعل تحت التجريب في مختبر باليابان.
- مفاعل "كارم-25" يُطور في الأرجنتين منذ ما يزيد على 10 سنوات، وتسبَّب نقص التمويل في تعثُّره العام الماضي.
- في مشروع "دارلينغتون" الضخم بكندا لنشر المفاعلات المعيارية الصغيرة، حصل المفاعل "بي دبليو آر إكس 300" -من إنتاج جي إي فيرنوفا- على موافقة الهيئة التنظيمية في أونتاريو.
وتُمثِّل الموافقة ضوءًا أخضر لنشر 4 مفاعلات نووية من الطراز العامل بالماء الخفيف، بقدرة 300 ميغاواط لكل منها (بإجمالي 1.2 غيغاواط)؛ ما يوفر الكهرباء لنحو 300 ألف منزل.
وقد تدخل أولى وحدات المشروع الكندي حيز التشغيل بحلول نهاية 2030، باستثمار إجمالي يصل إلى 15 مليار دولار.
الطاقة النووية في أميركا
تتلقى الطاقة النووية في أميركا دعمًا من برنامج وزارة الطاقة لعام 2020، وتُواصل إدارة الرئيس دونالد ترمب حاليًا تعزيز البرنامج بالدعم الفيدرالي، رغم الموقف العدائي الذي تتخذه من دعم مشروعات الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين.
وتستهدف الإدارة زيادة قدرة الطاقة النووية في البلاد بمعدل 4 أضعاف بحلول 2050، لتسجل 400 غيغاواط ارتفاعًا من 100 غيغاواط حاليًا، معززةً أهدافها بتسهيل مرحلة منح التراخيص والموافقات.

وتتضمن تطورات بعض المشروعات الأميركية:
1) حصول تصميمات مفاعلات شركة "نوسكيل باور" في أميركا الشمالية على موافقة الهيئة التنظيمية المختصة، تتيح لها تثبيت الأساسات، لكن مشروعها في ولاية أيداهو توقَّف -نهاية 2023- بسبب تضاعف التكلفة وارتفاع أسعار الفائدة.
2) تعدّ "تينيسي فالي" أول مرفق أميركي يطلب الحصول على موافقة بناء مفاعل من طراز "بي دبليو آر إكس 300"، وأبدت الهيئة المعنية موافقتها الأولية في 10 يوليو/تموز.
ويرغب المرفق بتركيب المفاعل في ولاية تينيسي تمهيدًا للتشغيل بحلول 2032، بعدما تقرّ الهيئات المختصة بموافقتها النهائية نهاية العام المقبل.
3) على نطاق صغير، تطوّر شركة "كايروس باور" مفاعلًا بقدرة 35 ميغاواط، في مدينة "أوك ريدج" بولاية تينيسي أيضًا، ويعمل المفاعل بسائل تبريد ملحي، ويستعمل تركيزات عالية من اليورانيوم.
وتخطط الشركة لتشغيل مفاعلها -الذي تُطلِق عليه اسم "هرميس"- مطلع العام المقبل 2026، وإطلاقه تجاريًا العقد المقبل.
وحصل المشروع على دعم قدره 303 ملايين دولار من وزارة الطاقة الأميركية، وركّبت الشركة وعاء المفاعل منتصف يوليو/تموز.
4) تتبنّى شركة "تيرا باور" مشروعًا لمفاعل بقدرة 345 ميغاواط، قرب محطة فحم غير مشغلة في ولاية وايومنغ.
وبدأت أعمال البناء في المفاعل الذي يُخطَّط لاعتماده على التبريد بالصوديوم، ونظام تخزين الملح المنصهر.
وتُشير خطط التطوير إلى تشغيل المفاعل بحلول 2030، بتكلفة قد تصل إلى 4 مليارات دولار، تتحمل وزارة الطاقة نصفها.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر: