اقرأ في هذا المقال
- مليارا شخص في العالم يعتمدون على الطهي غير النظيف نصفهم في أفريقيا
- الطهي غير النظيف مسؤول عن وفاة 3.2 مليون شخص سنويًا أغلبهم نساء وأطفال
- حلول الطهي الكهربائية غير واقعية لأن نصف سكان أفريقيا يعيشون دون كهرباء
- غاز النفط المسال البديل البيئي والاقتصادي الأقرب لكن الوكالة تأنف من طرحه بقوة
- سيطرة المواقف الأيديولوجية من الوقود الأحفوري تضع وكالة الطاقة في مأزق عبثي
- الوكالة تصر على حظر تمويل الوقود الأحفوري في أفريقيا وتقترح عليها استيراده
تعرّض تقرير وكالة الطاقة الدولية حول الطهي النظيف في أفريقيا لانتقادات عديدة تتهم القائمين عليه بالتعالي على مشكلات القارة السمراء عبر طرح حلول لا تلائم أوضاعها الاقتصادية والديموغرافية.
وبحسب تقرير الوكالة الصادر مؤخرًا، فإن ربع سكان العالم، أو ملياري شخص، ما زالوا غير قادرين على الوصول إلى مصادر الطهي النظيف، 50% منهم يعيشون في أفريقيا.
وتعتمد هذه الكتلة الضخمة من البشر على حرق الفحم والكتلة الحيوية من الحطب ومخلفات المحاصيل، إضافة إلى روث الماشية في عمليات الطهي والتدفئة، وكلها مواد شديدة التلويث للبيئة وذات أضرار صحية فادحة.
ورغم اعتراف وكالة الطاقة الدولية بمخاطر التأخر في حل مشكلة الطهي النظيف في أفريقيا، فإن ما تطرحه من حلول لعلاجها يضر الأفارقة أكثر مما يفيدهم ويتجاهل المصادر الأكثر مناسبة من الناحية الاقتصادية والبيئية -مثل غاز النفط المسال والغاز الطبيعي- لمجرد انتمائها لعائلة الوقود الأحفوري، بحسب مقالات نقدية حديثة اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة ومقرها واشنطن.
اتجاه كهربة الطهي النظيف في أفريقيا
تقدّر وكالة الطاقة الدولية أن الطهي غير النظيف عبر حرق الفحم والكتلة الحيوية مسؤول عن أكثر من 3.2 مليون حالة وفاة مبكرة سنويًا بسبب تلوث الهواء الداخلي، منها ما يقرب من مليون حالة سنويًا في أفريقيا أغلبهم من النساء والأطفال.
ورغم أن هذا الرقم مقلق للغاية، فإن مبادرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتعزيز الطهي النظيف في أفريقيا ما زالت ضعيفة مقارنة بالمبادرات النشطة والسخية في مواجهة مرض نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وأمراض الحصبة والتيفوئيد، وفيروس كورونا.

كما أن المبادرات المطروحة من وكالة الطاقة الدولية لحلها ما زالت تدفع باتجاه حلول الطهي المكهربة القائمة على الطاقة الشمسية والرياح رغم كونها مصادر متقطعة وغير موثوقة، فضلًا عن ارتفاع تكاليفها الشاملة على عكس المقولات المروجة عنها.
ورغم أن 50% من سكان أفريقيا يعيشون دون كهرباء أصلًا، فإن وكالة الطاقة الدولية ما زالت تذكّر الأفارقة بأن 80% من سكان جنوب أفريقيا يعتمدون على الطهي المكهرب في سياق ترويجها للحلول المقترحة.
وتتجاهل الوكالة أن نجاح جنوب أفريقيا في توسيع نطاق الوصول إلى الكهرباء الحديثة اعتمد بصورة أساسية على تطوير احتياطيات الفحم المحلية وحرقها.
وتشير أحدث بيانات متاحة إلى أن 69% من استهلاك الطاقة الأولية، و82% من إنتاج الكهرباء في جنوب أفريقيا معتمد على حرق الفحم المتوافر محليًا.
على الجانب الآخر، تتجاهل الوكالة ارتفاع تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية والرياح في كينيا ودول شرق أفريقيا، بحسب مقال نقدي نشره الناشط المناخي الأفريقي جوسبر ماتشوغو، ردًا على تقرير الوكالة حول الطهي النظيف في القارة السمراء.
تناقضات الوكالة في طرح غاز النفط المسال
رغم أن وكالة الطاقة الدولية تطرح غاز النفط المسال المشهور بـ"غاز البوتغاز" المشتق من النفط وسوائل الغاز الطبيعي ضمن حلول الطهي النظيف في أفريقيا، فإن طرحها لهذا البديل متردد وينطوي على تناقضات تخالف توجهها المناخي العالمي محل الجدل.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن الاتجاه السائد بين نشطاء المناخ ومسؤولي الوكالة ينظر بعين الاستهجان المطلق إلى الوقود الأحفوري بغض النظر عن أي اعتبار، حتى لو كان وجوده في أفريقيا سينقذ حياة الملايين من المصادر الأكثر تلويثًا للبيئة (الفحم والكتلة الحيوية).
ورغم أن نسبة مساهمة أفريقيا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما زالت أقل من 5% عالميًا، فإن الوكالة ما زالت تحرض على وقف تمويل مشروعات النفط والغاز في جميع أنحاء العالم دون استثناء بما في ذلك أفريقيا.
وأدى ترويج الوكالة لخطط الحياد الكربوني بحلول 2050، والقرارات التي اتخذتها مجموعة الـ7 الصناعية الكبرى والبنك الدولي والأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة، إلى خفض التمويل والاستثمارات في الوقود الأحفوري، وإنتاج الكهرباء منه في أفريقيا بالفعل.
وكانت الحجة الأساسية وراء حرمان الأفارقة من الاستثمارات والتمويل لاستكشاف مواردهم من الوقود الأحفوري، هي إجبارهم على التحول إلى الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات.
لكن ما حدث أن هذا الحرمان لم يخفض التلوث والانبعاثات، بل أدى إلى زيادة نقص فرص الحصول على كهرباء مستقرة وموثوقة وبأسعار معقولة، كما أدى إلى زيادة التلوث والوفيات المبكرة نتيجة الاستمرار في حرق الفحم والأخشات وروث الحيوانات لأغراض الطهي والتدفئة، بحسب مقال نقدي آخر للباحثة الأميركية بريندا شافير.
ورغم إقرار تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير حول الطهي النظيف في أفريقيا، بأن استعمال غاز النفط المسال هو أحد البدائل المرشحة لانخفاض انبعاثاته بنسبة 50% عن الفحم والكتلة الحيوية، فإن الوكالة ما زالت تؤيد منع أفريقيا من استخراج احتياطياتها المحلية من الوقود الأحفوري، بل تطرح على الأفارقة استيراده بدلًا من ذلك.

ورغم أن اقتراح استيراده ينطوى على مفارقة مثيرة، فإن الوكالة تقترح دفع ثمن الوقود المستورد وتمويل مبادرات مواقد الطهي الجديدة القائمة على غاز النفط المسال أو الكهرباء عبر تداول أرصدة الكربون في سوق الكربون العالمي.
وبالنظر إلى تجارب الوعود الدولية لتمويل القارة السمراء، يبدو من غير المرجح جمع مبالغ كبيرة من تداول أرصدة الكربون بين الدول الغنية والفقيرة، كما أن هذه الوسيلة في التمويل ستزيد اعتماد أفريقيا على المساعدات الخارجية بدلًا من تعزيز الاقتصادات المحلية.
لهذه الأسباب تبدو مقترحات وكالة الطاقة الدولية لتعزيز الوصول إلى الطهي النظيف في أفريقيا غير واقعية وتضر بالقارة أكثر مما تفيدها، فيما يبدو الحل الأقرب في تطوير مواردها من النفط والغاز.
ويمكن لاستعمال الأرباح والضرائب الناتجة عن تطوير هذه الموارد أن يسهم في توسيع نطاق الوصول إلى غاز النفط المسال والكهرباء في أفريقيا، ويقلل الانبعاثات والوفيات المبكرة المتأثرة بتلوث الهواء، بحسب الباحثة الأميركية.
الخلاصة:
حلول وكالة الطاقة الدولية لتعزيز الوصول إلى الطهي النظيف في أفريقيا متناقضة وغير واقعية، مع إلحاحها على الحلول المكهربة الأقل ملائمة، وتقييد الحلول الأكثر ملاءمة لمجرد انتمائها لعائلة الوقود الأحفوري مثل غاز النفط المسال، إذ ما تزال الوكالة تؤيد منع القارة من تطوير مواردها المحلية للنفط والغاز.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر: