تبدي تركيا طموحًا صريحًا متزايدًا، بدون مواربة، تجاه تعميق علاقاتها مع العراق، سعيًا لتجاوز التعاون الاقتصادي والتنموي الحالي إلى وجود استراتيجي أكثر رسوخًا.
ويرى مراقبون أن أنقرة تستشعر فرصة فريدة لتعزيز نفوذها في العراق، في ظل ما يبدو أنه تراجع نسبي في النفوذ الإيراني، وضعف في الداخل العراقي والمنطقة بشكل أوسع، وفًا لصحيفة يني شفق التركية.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التحول يأتي بالتزامن مع صعود قيادة عراقية أكثر براغماتية، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يُظهر ميلًا واضحًا لإقامة شراكات قائمة على المصلحة الوطنية بدلًا من الانتماءات الأيديولوجية أو الطائفية، على الرغم من انتمائه السياسي الشيعي.
توسيع النفوذ التركي عبر الطاقة ومشروع طريق التنمية
تتركز طموحات تركيا بشكل خاص على قطاع الطاقة العراقي، حيث قدمت أنقرة مسودة اتفاقية جديدة بشأن خط أنابيب النفط الخام بين العراق وتركيا.
وكشف وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بايراكتار، أن الخط، في حال تشغيله بكامل طاقته، يمكن أن يدر عائدات تجارية تصل إلى 40 مليار دولار سنويًا.
وأشار الخبراء إلى أن هذا المسعى ليس وليد اللحظة، بل هو استمرار للتقدم الملموس في التعاون الاقتصادي، وأبرز مثال على ذلك هو مشروع طريق التنمية، الذي يربط جنوب العراق بالحدود التركية وصولًا إلى البحر المتوسط.
وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا المشروع بأنه فرصة لتحويل موقع تركيا الجيوستراتيجي إلى ميزة اقتصادية، مؤكدًا أن هذا الطريق سيجعل من تركيا "نقطة التقاء بين الخليج وأوروبا".
الهدف: بديل آمن لخطوط التصدير وتحدي النفوذ الإيراني
تسعى تركيا من خلال هذا المشروع إلى إقناع العراق بتوفير بديل آمن لتصدير النفط يمر عبر أراضيها، بعيدًا عن مناطق الخطر.
يأتي ذلك في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، والتي قد تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، وفي محاولة لتجديد الاتفاقية القديمة الموقعة عام 1973، والتي لم يُستخدم فيها الخط بكامل طاقته أبدًا، قدمت أنقرة مسودة جديدة تهدف إلى تشغيل الخط بكامل طاقته البالغة 1.5 مليون برميل يوميًا، وتجنب النزاعات القانونية السابقة.
وشدد بايراكتار على أهمية هذا المسعى، مشيرًا إلى أن الخط يمكن أن يستوعب نحو 40% من صادرات العراق النفطية، مما يفتح له أسواقًا جديدة.
كما تطمح تركيا أيضًا إلى توسيع خط الأنابيب جنوبًا للوصول إلى حقول النفط في البصرة، التي تُعد معقلًا شيعيًا وتتمركز فيها الفصائل المسلحة.
يمثل هذا التوسع تحديًا مباشرًا للنفوذ الإيراني في المنطقة، والذي بات أكثر ضعفًا في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، وارتفاع حالة عدم الرضا الشعبي في العراق.
التحديات والعقبات أمام التوسع التركي
على الرغم من الطموحات التركية، تواجه أنقرة عقبات كبيرة في طريق تعميق نفوذها في العراق. لا يزال النفوذ الإيراني راسخًا، خاصةً في الجنوب العراقي حيث تتركز أهم احتياطيات النفط.
هذه المناطق هي معاقل الفصائل الشيعية المسلحة التي لا تزال تتمتع بقوة كبيرة، مما يجعل أي توغل اقتصادي تركي مباشر في هذه المناطق تحديًا خطيرًا للنفوذ الإيراني.
وعلى الرغم من تزايد الضغوط الدولية على إيران وحالة عدم الرضا الداخلي في العراق، فإن هذه التوترات قد تزيد من حالة عدم الاستقرار بدلًا من أن تفتح الباب أمام نفوذ خارجي جديد.
تحديات داخلية وإقليمية
تتضمن العقبات أيضًا ملفات داخلية معقدة في العراق. فبالإضافة إلى النفوذ الإيراني، تواجه تركيا تحديات أمنية مزمنة، أبرزها صراعها الطويل مع حزب العمال الكردستاني (PKK).
وبينما تظهر بعض المؤشرات على إمكانية إحراز تقدم في هذا الملف، إلا أن حلّه يتطلب تنسيقًا أمنيًا كبيرًا ودقيقًا مع الحكومة العراقية، وهو ما قد لا يكون سهلًا في ظل التوترات السياسية القائمة.
علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على قيادة عراقية "براجماتية" مثل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد يكون هشًا، حيث يمكن أن تتغير التحالفات السياسية وتظهر قوى جديدة تعيد العراق إلى دائرة النفوذ الإيراني التقليدي، مما يهدد الاستراتيجية التركية بأكملها.