في زمن أصبحت فيه الشهرة تُقاس بعدد المشاهدات واللايكات، تظهر أمامنا نماذج مؤسفة لفتيات اخترن أن يبرزن عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لا يليق بمكانة المرأة المصرية ولا بقيم مجتمعاتنا العربية المحافظة، وجدن في الشهرة السريعة ضالتهن، حتى لو كانت على حساب الأخلاق، والحياء، واستقرار الأسرة.
فتيات يظهرن بملابس فاضحة، وحركات مبتذلة، وكلمات لا تمت بأي صلة لا للحياء ولا للأدب، وكل ذلك في سبيل حفنة من الدولارات من تطبيقات مثل "تيك توك"، أو للوصول إلى "التريند" بأي ثمن، دون اعتبار لتأثيرهن على الأطفال والمراهقين، أو حتى على الصورة العامة للمرأة العربية ولا الصورة الخاصة بأسرهن.
دولارات السوشيال ميديا والغناء الفاحش السريع حول بعض هؤلاء إلى "قدوة مزيفة" لفتيات صغيرات في السن، يتركن التعليم، أو يتمردن على أسرهن، في محاولة لتقليد هذه الشخصيات التي تُقدم لهن وهم النجاح، بينما الواقع مليء بالفضائح والانهيارات النفسية والاجتماعية.
ولعل أبرز مثال على ذلك، قصة "سوزي الأردنية" التي أثارت جدلًا واسعًا بعد أن سبت والدها عبر بث مباشر، وجنت من وراء ذلك شهرة واسعة وأموالًا طائلة، فقط من خلال تمتمات خادشة للحياء جعلتها تريند لعدة أيام، لم تتوقف القصة عند هذا الحد، بل أعلنت بنفسها ترك منزل أسرتها، وانتقالها من منطقة شعبية في المطرية إلى العيش بمفردها في "مدينتي"، في خطوة جسدت سعيها المحموم وراء الشهرة بأي ثمن، والمأساة أن سوزي لم تكن حالة استثنائية، بل كانت الشرارة التي دفعت الكثيرات إلى السير على نفس الطريق بحثًا عن الشهرة والمال، ولو على حساب القيم والأخلاق والأسرة.
هؤلاء الفتيات لا يمثلن المرأة المصرية المكافحة، ولا يعبرن عن قيمنا، ما يقمن به ليس حرية، بل استغلال للحرية بشكل خاطئ، الحرية لا تعني العُري، ولا تعني التمرد على الأهل والمجتمع، ولا تعني عرض الجسد مقابل المال، لا تعني الألفاظ البذيئة والأفعال التي لا تليق من أجل الشهرة.
إن ما نحتاجه اليوم هو وعي مجتمعي جاد، يبدأ من الأسرة، ثم المدرسة، ثم الإعلام، لمواجهة هذا الطوفان من المحتوى الهابط، كما أننا بحاجة لدور حقيقي من الدولة والمنصات الرقمية لردع من يسيء استخدام هذه الوسائل، سواء بالتحريض على الانحلال أو خداع المراهقين بالشهرة السهلة، ولعل ما اتخذته الداخلية مؤخرا من قرارت القبض على بعض هؤلاء المشاهير المزيفيين بتهم خدش الحياء والذوق العام خير بداية لنثبت، لهذا الجيل أن ما يحدث هو خطأ وأن ما يسلكه هؤلاء ليس الطريق الصحيح وليس هو المستقبل.
في النهاية، لست ضد أن تحلم كل فتاة بالنجاح أو أن تعبر عن نفسها عبر السوشيال ميديا، بل على العكس، من حقها أن توظف هذه المساحة بما يفيدها ويفيد غيرها، لكن المهم أن يكون ذلك في إطار من الوعي والمسؤولية، بمحتوى هادف غير مبتذل، لا يفرغنا من ديننا ولا يُفقدنا هويتنا وقيمنا المجتمعية.