كليات القمة.. هذا هو المصطلح الذي عاصرناه قديمًا، حينما كانت كليات الطب والصيدلة والهندسة، مقصورة - ليس على أولاد الذوات – ولكن على أصحاب القدرات العقلية الخاصة، أصحاب الإمكانيات التي تؤهلهم أن يكونوا طلابًا في كليات القمة، تلك الإمكانيات المتمثلة في الرغبة في التعلم، وتحمل الضغط النفسي والمادي، والأهم من ذلك الهدف الذي يسعون إليه، أولئك الذين كانوا يقضون يومهم بين نظريات الكم، وفهم التفاعلات الكيمائية، وحل المعادلات الرياضية، بينما لا يهملون مراجعة سور كتاب التربية الدينية.
عند التحاقي بالثانوية العامة أصبحت الثانوية مقسمة إلى علمي علوم وعلمي رياضة وأدبي، فيما كان الجيل السابق لي يدرس ما سمي آنذاك بـ"العلمي الشامل"، وهي التي تجمع بين مواد القسمين علوم ورياضة، كنا نرى هذا الجيل وهو يحارب الوقت حتي ينتهي مع اقتراب الامتحانات من مراجعة جميع المواد التي تثقل كاهله، ومع ظهور النتيجة ثم التحاق أحد الطلاب بكلية الطب كانت الزغاريد تملأ القرى والنجوع، بتفوق أحد أبنائها والتحاقه بكلية القمة.
الأمر ليس تعظيمًا لدراسة أو كلية دون غيرها، ولكنه الهدف والغاية التي كان ينشدها الأهالي من تعليم ذويهم، أملهم في علاج أقربائهم، رغبتهم في تحسين معيشتهم أو وضعهم الاجتماعي.
ولكن شتان الفرق بين اليوم والأمس، ومع تغير أنظمة التعليم، تخلى البعض عن الهدف والغاية وأصبح الالتحاق بالكلية هو مجرد لقب يسبق الاسم.
طالعنا الأيام الماضية، نتائج طلاب الجامعات المصرية خاصةً كلية الطب على مدار العامين الماضيين، وفي الوقت الذي تحرص فيه الدولة المصرية على تطوير المنظومة التعليمية، كانت نسب النجاح في عدد من كليات الطب لا تتخطى 40%، ووصل الأمر إلى نجاح 52 طالبًا فقط من طلبة طب الأسنان بأحد كليات الطب بالصعيد، من أصل حوالي 238 طالبًا بنسبة نجاح 20%، وهو ما يطرح تساؤلًا حول هل من التحقوا بكلية الطب هم الأكفأ والأجدر؟ هل يمكن أن نثق في خريج الطب الذي لم يبذل مجهودًا للتعلم ولم يكتسب المهارات اللازمة؟.
قبل التفكير في الإجابة أو قبل التفكير بالالتحاق بكلية الطب، يجب أن ننتبه جيدًا إلى أن مهنة الطب مهنة تتعلق مباشرة بأرواح البشر، وأي ضعف في الكفاءة أو قصور في التكوين العلمي يشكل خطرًا مباشرًا على حياة آلاف المرضى، خاصةً وسط الجدل الدائر حول ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية، والتي ألقى البعض مسئوليتها على النسب الطبيعية في العالم للأخطاء، والبعض أرجعها إلى ضعف تكوين الأطباء الجدد في المنظومة الطبية.