القطاع الصحي، أحد أكثر القطاعات التي تأثرت بالثورة الرقمية العالمية، وبدأت التقنيات الجديدة تحدث تغيرات في نظام الرعاية الصحية لتحسين كفاءة رعاية المرضى، وهو أحد أهم تحديات المستقبل، وبرزت أهمية التحول الرقمى فى استخدام السجلات الصحية الإلكترونية والتى تشمل كل المعلومات الصحية والبيانات عن حالة المرضى، ما يُسهل معرفة التاريخ المرضى والمرض الوراثى، وغيرها من البيانات التى يمكن من خلالها رصد الأمراض للأشخاص على المستوى القومي، ومن ثم معرفة المخاطر والتحديات التى يجب أن تستعد لها الدولة وتخطيط طرق العلاج والوقاية اللازمة.
كما أظهرت جائحة كوفيد ١٩ أهمية التحول الرقمى الصحى بشكل بالغ فى جميع الدول، وباتت العديد من الدول العربية تطبق تقنيات التطبيب عن بعد، وجمع المعلومات الطبية إلكترونيًا واستخدام التكنولوجيا فى معرفة مناطق البؤر الفيروسية لكورونا.
استراتيجية عالمية للتحول الرقمي
تُعرف الصحة الرقمية بأنها استخدام التكنولوجيا لتحسين الصحة والرعاية الصحية، وتشمل مجموعة واسعة من الحلول، بدءًا من التطبيقات التى تراقب صحة الفرد عبر الموبايل، امتدادًا إلى السجلات الصحية الإلكترونية إلى الذكاء الاصطناعى الذى يساعد الأطباء فى تشخيص الأمراض، والتطبيب عن بُعد.
ونحو إدماج العالم للتحول الرقمى فى المجال الصحى أطلقت منظمة الصحة العالمية الاستراتيجية العالمية بشأن الصحة الرقمية (٢٠٢٠ – ٢٠٢٥)، والتى تشجع الدول الأعضاء على صياغة استراتيجيات قومية للصحة الرقمية وفقًا لأولوياتها لتحقيق نظم صحية أقوى وأكثر مرونة وأقرب للناس.
مع ظهور جائحة كورونا عام ٢٠٢٠، بدأ اتجاه الدول لاستخدام الصحة الرقمية والالتزام بالتباعد حتى فى المنشآت الصحية، وأثبتت دول الشرق الأوسط استعدادًا لتبنى هذا التوجه نحو التحوّل الرقمى والرعاية الصحية من المنزل من خلال عدة منصات صحية رقمية تم استخدامها.
الصحة الرقمية فى مصر
نفذت مصر الكثير من التجارب الناجحة التى استفادت من التكنولوجيا وتقديم خدمات التطبيب عن بعد، مما ساعد كثير من المرضى من الاستفادة بخدمات صحية بشكل أيسر وأحيانًا بشكل أقل تكلفة لهم إلى جانب القدرة على التواصل مع استشاريين مما يزيد من التعلم والتدريب الإكلينيكي.
كما عرضت المبادرة الرئاسية للتطبيب عن بعد، التعاون بين المستشفيات الجامعية فى القاهرة وبعض المستشفيات فى صعيد مصر والمناطق النائية، بهدف استفادة النظم الصحية أيضًا من التعامل مع المواطنين لحجز التطعيمات، من خلال بوابة مصر الإلكترونية، ما قلل التزاحم والضغط على بعض المنشآت الصحية دون غيرها فضمن توزيعًا أوخدمة أفضل للمواطن وعبء أقل على المنشآت الصحية.
في هذا السياق، قال المهندس أحمد صبري، الخبير التكنولوجى، إن مصر بدأت من حيث انتهى الآخرون، واتخذت خطوات عظيمة خلال السنوات الماضية، وأن الشاهد على التطور الجارى هى منصة "مصر الرقمية" التى قدمت العديد من الخدمات الرقمية التى ساعدت المصريين على إنجاز معاملاتهم بسهولة ويسر خاصة في التأمين الصحي الشامل، مشيرًا إلى تقبل الأسرة المصرية لاستخدام المنصات الرقمية للحصول على الخدمات، وهو ما يدعو إلى التوسع في تقديم خدمات الرعاية الصحية الإلكترونية.
سجل صحى إلكترونى لكل مواطن
فيما أكدت د. حنان صالح كامل، المدرس بجامعة القاهرة، فى دراسة استكشافية حول السجلات الصحية الإلكترونية وتحديات التحول الرقمى فى مجال الرعاية الصحية، على ضرورة إنشاء سجل صحى إلكترونى لكل مواطن بالرقم القومي، بالإضافة إلى إنشاء منصة رقمية قومية لنظم المعلومات الصحية تكون بمثابة البوابة الوطنية للمعلومات والخدمات الصحية، وعنصر أساسى فى مسيرة التحول الرقمى لنظام الرعاية الصحية فى مصر، وتتصل بشبكة للمعلومات الصحية مع وزارة الصحة المصرية والمستشفيات العامة والخاصة، على أن تصبح بوابة خدمات وزارة الصحة مصدرًا لتقديم المعلومات الدقيقة لزوار البوابة، وزيادة الوعى الصحى بشكل عام.
مشروعات رقمية جديدة
يعد مشروع إعداد الإحصائيات والخرائط الصحية للأمراض، من أهم المشروعات الصحية فى خريطة التحول الرقمى في مصر، ويشمل ميكنة القطاعات والهيئات التابعة لوزارة الصحة، للحصول على قاعدة بيانات موحدة ومدققة، وبالتعاون والتنسيق بين قطاع الطب الوقائي، وهيئة التأمين الصحي، والمجالس الطبية المتخصصة، وكافة الجهات المعنية، وذلك لتحقيق التكامل وربط المنظومة الصحية ببعضها البعض.
من جهة أخرى، أطلقت وزارة الصحة والسكان مؤخرًا خلال شهر أبريل الماضي، عدة مشروعات ضمن التحول الرقمى الصحي، من أبرزها المشروع القومى لميكنة منظومة الغسيل الكلوي، كما أطلق الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، مشروع ميكنة وربط مراكز الوقاية من مضاعفات العقر أو الخدش من الحيوان، فى هدد من المحافظات كمرحلة أولى ضمن خطة الوزارة لتفعيل تكامل قواعد البيانات بين كافة جهات الدولة المصرية.
تحديات التحول الرقمى
خصوصية البيانات وأمنها، أحد أهم التحديات التي تواجه عملية التحول الرقمي، فمع تحول الرعاية الصحية إلى الرقمية، يزداد خطر اختراق البيانات، ولذا يجب على المؤسسات تحقيق التوازن الدقيق بين تسهيل الوصول إلى المعلومات الصحية والحفاظ على خصوصية هذه البيانات وأمانها، وذلك حسب خبير تكنولوجيا المعلومات ماجد صابر.
وأضاف، أن الفجوة الرقمية تمثل أيضًا تحديًا كبيرًا، حيث لا يتمتع الجميع بإمكانية الوصول إلى التقنيات الرقمية على قدم المساواة، مما قد يؤدى إلى فوارق فى تقديم الرعاية الصحية، ومن الأهمية بمكان ألا تؤدى رقمنة الرعاية الصحية إلى توسيع هذه الفجوة، بل تجعل الرعاية فى متناول الجميع بدلًا من ذلك.