
تحيي الأوساط العلمية المصرية والعالمية، اليوم، ذكرى وفاة العالم المصري الكبير الدكتور أحمد زويل، الذي رحل عن عالمنا في 2 أغسطس 2016، تاركًا إرثا علميا وإنسانيا قل نظيره. لم يكن زويل مجرد عالم فذّ في مجال الكيمياء، بل كان سفيرًا لمصر في المحافل الدولية، ورمزًا للتفوق العلمي القائم على الجهد والإبداع والتحدي، ليصبح أول مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء.
النشأة والبدايات
وُلد أحمد حسن زويل في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة عام 1946، ونشأ في بيئة مصرية بسيطة، حيث تلقى تعليمه الأولي فيها قبل أن تنتقل أسرته إلى مدينة دسوق فى محافظة كفر الشيخ وكان متفوقًا في دراسته، محبا للعلم منذ نعومة أظافره، فاختار الالتحاق بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، حيث حصل منها على درجة البكالوريوس في الكيمياء بامتياز مع مرتبة الشرف وبعدها عمل معيدًا بالكلية، لتبدأ رحلته في عالم البحث العلمي.
رحلته إلى العالمية
في سبعينيات القرن الماضي، سافر زويل إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراساته العليا، فحصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا، ثم التحق بمراكز بحثية مرموقة، مثل معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا "كالتك". وهناك حقق إنجازًا علميًا هائلًا بتطويره لـ"كاميرا الفمتو ثانية"، التي تُمكّن العلماء من تصوير التفاعلات الكيميائية في زمن بالغ القصر، ما يعد فتحًا علميًا غير مسبوق.
جائزة نوبل والتكريم العالمي
عام 1999، تُوج زويل بجائزة نوبل في الكيمياء، تقديرًا لاكتشافه الرائد في مجال الفيمتو ثانية، ليصبح بذلك أول عربي ينال هذه الجائزة في الكيمياء. هذا الإنجاز لم يكن فقط مكافأة لجهوده، بل مصدر إلهام لأجيال من الباحثين في العالم العربي. كما نال العشرات من الجوائز العالمية، من بينها قلادة النيل العظمى من مصر، ووسام الاستحقاق الأمريكي، إلى جانب أكثر من 100 دكتوراه فخرية من أعرق جامعات العالم.
دوره في دعم البحث العلمي في مصر
رغم إقامته في الولايات المتحدة، لم يغفل زويل عن وطنه، فكان دائم الدعوة لتطوير البحث العلمي في مصر، واقترح مشروع "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا"، التي هدفت لإعداد أجيال جديدة من الباحثين المصريين وفق أحدث الأساليب العالمية. وقد واجه المشروع تحديات بيروقراطية، لكنه انطلق في النهاية، وبات رمزًا لأمل مصر في اللحاق بركب الدول المتقدمة علميًا.
علماء مصر يرثون زويل
من جانبه قال أستاذ الكيمياء الفيزيائية بكلية العلوم – جامعة القاهرة الدكتور حسام مصطفى لـ"البوابة نيوز" : الدكتور زويل شكّل علامة فارقة في تاريخ العلوم الحديثة ما قدمه في علم الفيمتو ثانية أحدث ثورة حقيقية في فهم التفاعلات الجزيئية، وما زالت تطبيقات هذا الاكتشاف تتوسع في الطب والصناعة الأهم من ذلك، أنه ألهم آلاف الشباب في مصر ليحلموا بالبحث العلمي كطريق للنهضة".
وفى ذات السياق قالت أستاذة الكيمياء التحليلية بكلية العلوم – جامعة عين شمس الدكتور ماجدة الشاذلي لـ"البوابة نيوز" : زويل لم يكن فقط عالمًا مبدعًا، بل مفكرًا وطنيًا حقيقيًا. كان يرى في البحث العلمي الحل الجذري لمشكلات مصر، وقدّم مشروعًا متكاملًا لتحقيق هذا الحلم. ما يميز زويل هو الجمع بين الأصالة العلمية والانتماء الوطني، وهي صفات نادرة في وقتنا الحاضر".
زويل الإنسان والداعم للشباب
بعيدًا عن المعامل والمحافل الدولية، عُرف زويل بشخصيته المتواضعة وقدرته على التواصل مع الأجيال الجديدة. كان دائمًا ما يشدد في لقاءاته وكتبه على قيمة التعليم والبحث كأدوات للتغيير الحقيقي. أصدر كتبًا عدة، منها "رحلة عبر الزمن"، و"عصر العلم"، الذي تناول فيه رؤيته لمستقبل مصر العلمي. وقد نال احترام الجميع بسبب شغفه الدائم بخدمة الإنسانية، وليس فقط التميز الأكاديمي.
رحيله وخلود أثره
رحل أحمد زويل في الثاني من أغسطس عام 2016 بعد صراع مع المرض، وشيع جثمانه في جنازة عسكرية بحضور كبار رجال الدولة والعلماء. وبرحيله، فقدت مصر والعالم رمزًا من رموز التنوير والنهضة العلمية، لكن اسمه لا يزال حيًا في مدينة زويل، وفي قلوب تلاميذه ومُحبيه، وفي صفحات العلم التي سجلت اسمه كأحد أبرز العلماء في العصر الحديث.
قدوة أبدية للأجيال القادمة
في ذكرى وفاته، لا نتذكر زويل بالحزن، بل بالفخر والتقدير فقد أثبت أن الإرادة والعلم يمكن أن يصنعا المستحيل، وأن ابن دمنهور الصغير قادر أن يصبح اسمًا خالدًا في سجل الإنسانية. إن تكريم أحمد زويل الحقيقي هو في استمرار حلمه؛ أن تصبح مصر منارة للعلم، وأن يجد كل شاب وشابة في شخصه مثالًا يُحتذى في السعي والتحدي والنجاح.